عَمِلَ مُصمِمُ الأنظمة الطبيعية في جامعة كاليفورنيا ريفرسايد.. دومينيك هولز، على دراسة في شهر نوفمبر/تشرين الثاني من عام 2021، وقد بينت الدراسة أنه من المُمكِن أن يكون الغاز السام المٌنبعِث من الميكروبات البدائية قد زادَ من حِدة الانقراض الأولي. يسدُ هولز أنفه في الصورة إشارة إلى رائحة البيض المُتعفِن الصادِرة من غاز كبريتيد الهيدروجين السام.
(Dominik Hülse/UCR)
إنَّ نموَ الطحالِب في المياه الضحلَة، والمواد الكيميائية السامة في محطات النفط هي مشاكل عصريَّة، لكن ما قد لا نعرفه عنها هو أنها تشتركُ في مُسبِبها مع أكبر إنقراض جماعي شهدته الأرض قبل 250 مليون سنة.
بدأ العصر البرمي قبل 298,9 مليون سنة، وهو آخر عصور الحياة القديمة، حيث عاشت الكثير من الحيوانات البحرية، والحيوانات البرية البدائية مثل الديمترودون في تلك الحقبة.
يعتقد العلماء أن نشاط البراكين في سيبيريا ازداد بشكل كبير في نهاية الحقبة البرميَّة مما أدى إلى زيادة درجة حرارة الكوكب، مِنْ ثمَّ بدءَ الانقراض البرميّ الذي يُعَدُّ أسوأ انقراض جماعي شهدته الأرض، حيث مسح 95% من الحياة المائيَّة و70% من الحياة الأرضيَّة بشكل عام.
مازالَ العلماءُ في حيرة بشأن علاقة ثوران البراكين بهذه الكارثة التي يُشارُ إليها عادةً بـالموت العظيم. لقد حاولَ العلماءُ في جامعة كاليفورنيا ريفرسايد الوصولَ إلى جوابٍ كافٍ لهذا السؤال في دراسة نُشِرَت في مجلة نيتشر جيوساينس في نوفمبر/تشرين الثاني 2021.
مشكلة كبريتيد الهيدروجين
تُشِيرُ هذه الدراسةُ إلى أنَّ ازدياَد حرارة الأرضِ خلالَ تلكَ الحُقبة أدىَ إلى زيادةٍ في درجة حرارة البِحارِ أيضاً، ممَّا أدىَ إلى تنشيط عمليات الأيض عند بعض الميكروبات المائية، وهو الأمر الذي جعلها تُطلِق غاز كبريتيد الهيدروجين السام الذي كان سبباً وجيهاً في انقراض العديد من حيوانات الأرض.
قالت وكالة حماية البيّئَة الأمريكيَّة أن سبب إطلاق هذا الغاز يعودُ إلى انخفاض نسب الأكسجين في المحيطات بشكل كبير في نهاية العصر البرمي، مما أجبر الميكروبات على التغذي على الكبريتات، وهي مادة متواجدة في مياه الشرب حالياً، غير أن جُرعــَــات عاليــَــة مِنهــَــا تؤدي إلى أعراض مرضيــَّــة حادة مثل الإسهال أو أسوء.
قال دومينيك هولز Dominik Hülse: “أنتجت الميكروبات البدائية غاز كبريتيد الهيدروجين بعد امتصاصها للكبريتات، وهو غاز تشبه رائحته البيض الفاسد وهو سام للحيوانات”.
غاز كبريتيد الهيدروجين هو غاز ذو رائحة نفّّاذَة وهو عالي الخطورة، حيث توفى عاملان في محطة نفط في عام 2019 في أوديسَا، تيكساس بسبب التخطيط السيئ، حيث تمَّ ضــَــخ غاز كبريتيد الهيدروجين والنفط معاً من طبقة صخرية تعود إلى العصر البرمي.
لقد شهدت محيطات الأرض خلال العصر البرمي ظاهرة تدعى يوكسينيا euxinia، وهي ظاهرة سببها مزيج من مستويات مرتفعة من كبريتيد الهيدروجين ومستويات منخفضة من الأكسجين.
يقول هولز: “إن بحوثاتنا تشيرُ إلى أنه لم يكن المحيط بأكمله يوكسينياً في البداية، حيث بدأت هذه الظاهرة بالحدوث في أعماق المحيط، ولكن عند ارتفاع درجات الحرارة، بدأت المناطق اليوكسينية بالتوسع والارتفاع لأعلى حيث تعيش الحيوانات البحرية، كما ازدادت سُميتُها مما تسبب في تسمم الحيوانات”.
بين الماضي والحاضر
في حين أن هذا البحث قد يساعدُ العلماءَ على إيجاد أجوِبَة لبعضِ ألغازِ الحقبِ الأثريــَّــة، إلا أن فائدته العُظمَى هي إدراك كم أن محيطاتنا حساسة للتغير المناخي.
يعملُ التغيَّرُ المناخي على زيادة مستوى المحيطات في الوقت الحالي، وهي نتيجة خَطِرة بحد ذاتها تهدد الحياة على الأرض، غير أنه من الممكن أن يفسد التغير المناخي المحيطات بطريقة خطيرة أخرى.
إن دورة الكربون على الأرض ترتبطُ ارتباطاً وثيقاً بالمحيطات، حيث تبدأُ بالعوالِق النباتيَّـة التي تمتصُ ثاني أكسيد الكربون وتطرحُ الأكسجين وتتغذى على بعض المواد العضوية.
هذه الكائنات هي العنصر الأول في سلسلة الطعام البحرية، وهي المسؤولة عن إيصال ثاني أكسيد الكربون من الجو إلى المحيطات. تترسب هذه الكائنات عند موتها في قاع المحيط فيما يُدعَى بــ “الثلج البحري” حيث تصبح طعاماً للميكروبات، وتحول الميكروبات هذا الطعام إلى مواد غير عضوية في عملية تُدعَى بالتمعدن remineralization، وتلعبُ هذه العملية دوراً كبيراً في الحفاظ على الحياة على الكوكب خاصة الحياة البحرية.
يُمكِنُـــنـــَـــا أن نرى صورة عن هذه الكارثة الميكروبيــَّــة في الوقت الحالي في نمو الطحالب في المياه الساحلية، والذي تسببه المخلفات البشريَّة التي تُساعِدُ على نمو الميكروبات، والتي إذا كانت من مسببات اليوكسينيا، ستُــقــــتــَــلُ الحيوانات بسبب نقص الأكسجين، أو انتشار كبريتيد الهيدروجين الذي قد يكون خطراً على الكائنات البريَّة القريبة أيضاً.
تشيرُ الدراسة إلى عدة مناطق تكونُ فيها المياه يوكسينيَّة مثل قناة دومينغاز المُمتدَة إلى حوالي 25 كم عبر لوس أنجلوس، حيث أدى حريق في أحد المخازن إلى إطلاق الإيثانول الذي قتل الحياة النباتيَّة في القناة، وعند استهلاك الميكروبات لبقاياها، بدأت بإنتاج كبريتيد الهيدروجين بنسب سامة، مما أدى إلى تسمم عدد كبير من الأشخاص وظهور أعراض لديهم كالتقيؤ والإسهال والدوار والأرق والصداع.