صورة لقمر المريخ “فوبوس”.. التقطتها يوم 23 مارس/آذار 2008 كاميرا التصوير العلمية التجريبية عالية الدقة الموجودة على سطح المركبة “Mars Reconnaissance” (مستكسف المريخ المداري) التابعة لـ “ناسا”. (Image: © NASA/JPL-Caltech/University of Arizona)
قد يحمل “فوبوس” Phobos، قمر المريخ المشؤوم، الذي يتجه نحو الموت البطيء فوق الكوكب الأحمر، بعض الأسرار عن كيفية تشَكُّل المريخ.
إن دوران هذا القمر حول المريخ، والذي يموت بشكل بطيء على مرّ الزمن، يمر عبر جزيئات مشحونة (شوارد) من الأوكسجين والكربون والنتروجين والأرغون ألقاها المريخ بعيدًا عن غلافه الجوي على مدى مليارات السنين. وقد تبقى بعض هذه الشوارد على سطح “فوبوس”، وفقاً لدراسة جديدة.
بُنيت هذه الدراسة على مراقبات من مهمة تطور التطاير والغلاف الجوي المريخي Mars Atmosphere and Volatile Evolution، المعروفة اختصارًا بــ”مافين” (MAVEN)، التي كانت تفحص الغلاف الجوي المريخي منذ وصولها لمدار الكوكب الأحمر في العام 2014، وهي تعبر مدار “فوبوس” أيضًا خمس مرات في كل يوم أرضي.
لقد قاست أداة التركيب الشاردي الحرارية وفوق الحرارية STATIC التابعة لـ “مافين” الشوارد المريخية في مدار “فوبوس”، ما مكّن العلماء من تقدير مقدار عمق هذه الشوارد على سطح “فوبوس” في حال اندمجت بسطح القمر المريخي. وقدّر العلماء أن هذه الشوارد ستحفر إلى ما لا يتجاوز بضع مئات النانومترات، أو أقل عمقًا بـ 250 مرة من عرض شعرة بشرية، وذلك وفقًا لبيان “ناسا”.
يقول كوينتين نينون Quentin Nénon، المؤلف الأساسي والباحث في مختبر علوم الفضاء في جامعة كاليفورنيا بيركيلي (فريق بيركيلي الذي صمم وبنى الأداة STATIC) في تصريح: “علمنا أن المريخ فقد غلافه الجوي في الفضاء، ونعلم الآن أن بعضه قد وصل إلى فوبوس”.
في حال درس أحدهم “فوبوس” عن قرب (لم يتمكن أحد من فعل ذلك إلى الآن) ، فقد تساهم الدراسات الشاردية في إزالة الغموض المحيط بكيفية خسارة المريخ هذا القدر من الغلاف الجوي، بالإضافة إلى السؤال المرتبط بذلك أيضًا، وهو: متى توقف التدفق المائي فوق سطح الكوكب؟ إذ إن الماء يُعَد مكونًا أساسيًا لوجود الحياة، وحل هذه المعضلة سيساعد العلماء في تحسين فهمهم لفرص الحياة على الكوكب الأحمر. وفي الوقت الذي تبحث “مافين” عن الغلاف الجوي المفقود لسنوات فإن “فوبوس” قد يزودنا بمنظور آخر.
لقد رُصد “فوبوس” من بعيد، ولكن كل الجهود للوصول إلى القمر فشلت حتى الآن. لم تنجح مهمات مدروسة متعددة، حتى المهمات التي انطلقت لم تصل إلى وجهتها (ومن بينها “فوبوس 1” و “فوبوس 2” التابعتين للاتحاد السوفيتي سابقًا في أواخر ثمانينيات القرن الماضي)، وكذلك لم تنجح مهمة “فوبوس غرانت Phobus-Grunt” الروسية – الصينية في مغادرة مدار الأرض عام 2011-2012).
لكنّ هناك أملًا في الوصول إلى أجوبة كثيرة قريبًا، إذ تخطط وكالة الاستكشاف الفضائي اليابانية JAXA لإرسال مهمة استكشاف قمر المريخ MMX إلى “فوبوس” في عام 2024. وستجمع MMX عينات من السطح وترسلها إلى الأرض.
وقالت “ناسا”، جوابًا عن أسئلة فريق نينون حول الغلاف الجوي المريخي إنّ هبوط MMX على الجانب القمري المواجه للمريخ دائمًا سيكون ذا عون كبير.
وتقول “ناسا” في تصريح: “يرتبط فوبوس بإحكام مع المريخ مثل قمر كوكب الأرض، لذا يواجه الكوكب نفس الجانب من القمر دائمًا، ونتيجة لذلك، تشبعت الصخور في الجانب القريب من فوبوس بالجزيئات والذرات المريخية عبر آلاف السنوات. ويظهر بحث نينون أن الطبقة الأكثر سطحية من الجانب القريب من فوبوس قد تعرضت للشوارد المريخية أكثر من الجانب البعيد بـ 20 إلى 100 ضعف”.
إن دراسة “فوبوس” من أجل التوصل إلى أدلة عن الغلاف الجوي المريخي ليست فكرة جديدة، إذ يملك قمر كوكب الأرض سجلًا من الذرات مصدره الشمس والأرض، وذلك حسبما ظهر في العينات التي جاءت من مهمات “أبولو” المأهولة في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، وفقًا لـ “ناسا”.
لا تتعرض ما تسمى “الأقمار معدومة الهواء” مثل “فوبوس” وتوءمه “ديموس” وقمر كوكب الأرض إلى الكثير من التآكل، وذلك بسبب عدم وجود غلاف جوي حقيقي أو عمليات سطحية مثل الرياح والماء، وهذا يغير ببطء من سطح هذه الأقمار، مما يقدم سجلًا ثمينًا عن تاريخ النظام الشمسي.
إلى جانب دراسة الغلاف الجوي المريخي، قد تساعد MMX العلماء في فهم قصة نشوء “فوبوس” و”ديموس”؛ إذ يمكن أن يكون هذان القمران كويكبين قد علقا في الجاذبية المريخية، أو قد يكونان قمرين تشَكّلا في نفس وقت تشَكُّل المريخ أو قد يكونان بقايا من تصادمات كونية.