- جانك شميدت
- مراسل شؤون التكنولوجيا التجارية
قبل ساعة واحدة
قلبت الحرب في أوكرانيا سياسة الطاقة الألمانية رأسا على عقب. فمنذ بداية الحرب قلصت ألمانيا اعتمادها على النفط الروسي من 35 في المئة إلى 12في المئة، كما قللت اعتمادها على الغاز الروسي من 55 في المئة إلى 35 في المئة.
ومع ذلك، تُعتبر تجارة الطاقة مصدر دخل ضخم لموسكو، وقد دفعت ألمانيا، خلال الشهرين الأولين من الحرب، ما يقرب من 9.6 مليار دولار، قيمة واردات النفط والغاز الروسية، وذلك وفقا لمركز الأبحاث الفنلندي سي آر إي إيه.
فيرونيكا غريم، أستاذة اقتصاد في جامعة إرلانغن نورمبرغ، هي واحدة من مستشاري ألمانيا الثلاثة الخاصين للحكومة الفيدرالية، ويُطلق عليهم اسم الحكماء الاقتصاديون.
وتقول البروفيسور غريم:”نحن بحاجة إلى تنويع مصادر الطاقة لدينا وإزالة الكربون منها بشكل أسرع مما كان مخططا له في البداية”. وللمساعدة في تحقيق هذا الهدف، تريد غريم من الأمة “تكثيف” استخدامها للهيدروجين.
ويمكن للهيدروجين تخزين كميات هائلة من الطاقة، وأن يحل محل الغاز الطبيعي في العمليات الصناعية وخلايا وقود الطاقة في الشاحنات أو القطارات أو السفن أو الطائرات التي لا تنتج سوى بخار ماء الشرب.
ويكتسب حماس غريم زخما حيث تقول وكالة الطاقة الدولية (آي إي إيه) ، وهي مجموعة بحثية في مجال الطاقة، إن عشرات الدول أعتمدت استراتيجيات وطنية للهيدروجين، أو على وشك القيام بذلك.
وعلى الرغم من موجة الاهتمام هذه فإنه ليس من الواضح بعد مدى إمكانية تطبيق الاستخدام الواسع النطاق للهيدروجين.
فقد كانت هناك موجات اهتمام مماثلة من قبل، في السبعينيات من القرن الماضي بعد أزمتين نفطيتين، وفي التسعينيات من القرن الماضي عندما تصاعدت المخاوف بشأن تغير المناخ، لكنها تلاشت. إذن، هل ضجيج اليوم مختلف؟
ويحذر المشككون من أن ممثليهذه الصناعة، الذين يهيمنون عالميا على معظم مجالس الهيدروجين، غالبا ما يكونون متحيزين لصالح الهيدروجين حيث يعدون بتقديم إعانات ومواصلة الطلب على الأصول الحالية مثل خطوط الأنابيب أو الناقلات أو التوربينات أو الغلايات.
كما يجادلون بأن السياسيين يفضلون الخطط الكبيرة التي تبدو خضراء (صديقة للبيئة) لمستقبل بعيد بدلا من الحلول الأكثر صعوبة.
وفي الوقت نفسه، فإن المجموعات البيئية حذرة، وقد أشارت إلى أنه لا يمكن حصاد الهيدروجين كوقود أولي، وإنما بدلا من ذلك يجب صنعه بطريقتين أساسيتين كل منهما مميز بشفرة لونية.
ويتم إنتاج الهيدروجين الأخضر باستخدام الكهرباء من الطاقة المتجددة لتقسيم الماء إلى جزيئات الهيدروجين والأكسجين باستخدام محلل كهربائي. لكن تشغيل هذه الآلات والكهرباء يظل مكلفا.
وتقول وكالة الطاقة الدولية إن هذه التكاليف تعني أنه في الوقت الحالي يشكل الهيدروجين الخالي من الانبعاثات 0.03 في المئة فقط من إنتاج الهيدروجين العالمي.
ويُعد ما يُعرف بالهيدروجين الرمادي، الذي ينتج من الغاز الطبيعي أو في بعض الحالات من النفط أو الفحم، أرخص 5 مرات. ولكن بسبب ضخامة الفاقد أثناء الإنتاج ينبعث حوالي 50 في المئة من ثاني أكسيد الكربون أكثر مما لو تم حرق الغاز الطبيعي مباشرة.
وهناك تقنية ذات صلة بالعملية السابقة تُعرف باسم الهيدروجين الأزرق. وتعتمد على نفس العملية لكن يتم التقاط حوالي 60-90 في المئة من الكربون المنبعث في الإنتاج لإعادة الاستخدام أو التخزين.
ويتمثل العيب في هذه الطريقة في أنها تضاعف التكلفة تقريبا وتفتقر إلى مرافق الإنتاج على نطاق واسع، ومن ثم فإن 0.7 في المئة فقط من الهيدروجين المنتج عالميا هو الهيدروجين الأزرق.
لذلك، على الرغم من صورته وإمكانياته الصديقة للبيئة فإن الإنتاج العالمي للهيدروجين يُطلق حاليا ما يقرب من 3 أضعاف كمية ثاني أكسيد الكربون التي تطلقها دولة بأكملها مثل فرنسا.
وسيتوقف الكثير بعد ذلك على الكيفية التي تقرر بها البلدان إنتاج الهيدروجين.
بعض البلدان لديها بالفعل أولوية واضحة لتزويد المحلل الكهربائي بالطاقة، وتراهن معظم الدول التي تتعرض للشمس على الطاقة الشمسية بينما تعتمد فرنسا على الطاقة النووية.
وفي غضون ذلك، تعتز الصين بالهيدروجين الرمادي الرخيص من الفحم والغاز وتستثمر في البدائل الخضراء.
وتقود الولايات المتحدة وكندا وبريطانيا وهولندا والنرويج التوجه إلى الهيدروجين الأزرق عن طريق حقن الكربون المحتجز في حقول النفط والغاز لتخزينه على المدى الطويل، أو من أجل ما يسمى بالاستخلاص المعزز للنفط الذي يدعم عملية الاستخراج.
لكن الصورة في ألمانيا أقل وضوحا.
وينتقد فولكر كواشنغ، أستاذ أنظمة الطاقة المتجددة في جامعة برلين للعلوم التطبيقية، استراتيجية الهيدروجين في ألمانيا قائلا: “استخدمتها حكومة ميركل لإخفاء إخفاقاتها في عملية التحول في مجال الطاقة”.
ويجادل البروفيسور كواشنغ بأن الطاقة الشمسية وطاقة الرياح كان يجب أن يتم توسيع نطاق استخدامها بشكل أسرع لتسهيل إنتاج الهيدروجين الأخضر في المستقبل، وهي خطوة وعدت الحكومة الألمانية الجديدة باتخاذها.
ومع ذلك ، تتجادل الأطراف الثلاثة في الائتلاف الحاكم والوزارات الثلاث المسؤولة ومجلس الهيدروجين حول ما إذا كان يجب التركيز على الهيدروجين الأخضر أو قبول البديل الأزرق لسد الفجوة مؤقتا في العرض المحدود.
وتمثل البروفيسور غريم رأي الأغلبية في مجلس الهيدروجين في تفضيل مزيج متعدد الألوان.
وتقول: “إن قبول الهيدروجين الأزرق سيساعد في خلق الإمدادات التي نحتاجها، وسيعزز الاختراقات التكنولوجية في ألمانيا، ويشجع الموردين المحتملين على الاستثمار في إنتاج الهيدروجين الأخضر”.
وكان وزير الاقتصاد روبرت هابيك قد أعلن في يناير/كانون الثاني الماضي عن دفعة طموحة لمصادر الطاقة المتجددة ورفع المُستهدف من الإنتاج المحلي للهيدروجين الأخضر بحيث يرتفع 150 ضعفا من 70 ميغاوات اليوم إلى 10 غيغاوات بحلول عام 2030.
ويمثل هذا الهدف ربع هدف الاتحاد الأوروبي بأكمله وهو 40 غيغاوات، وهو أكبر من هدف فرنسا البالغ 6.5 غيغاوات.
وهكذا، بينما تتوسع ألمانيا في الإنتاج المحلي فإنها تتطلع إلى الحصول على الهيدروجين من الخارج.
ويقول أندرياس كوهلمان، رئيس وكالة الطاقة الألمانية (وهي شركة مملوكة للحكومة تسهل عملية التحول في مجال الطاقة بتنسيق مجلس الهيدروجين)، إن ألمانيا عجلت بشكل كبير في المفاوضات الدولية لشراء الهيدروجين.
ويمكن أن يشمل ذلك تطوير خطوط أنابيب الهيدروجين لربطها بجنوب أوروبا حيث تسمح الظروف المواتية للطاقة الشمسية وطاقة الرياح بإنتاج الهيدروجين بكفاءة عالية.
ويزور وزير الاقتصاد الألماني هابيك على عجل الدول المصدرة الطاقة. ففي غضون أسبوع واحد في مارس/آذار الماضي سافر إلى النرويج للاتفاق على دراسة جدوى لبناء خط أنابيب هيدروجين، وذهب إلى قطر لوضع اللمسات الأخيرة على شراكة في مجال الطاقة، وزار الإمارات العربية المتحدة لتوقيع 5 اتفاقيات تعاون.
ومن المتوقع وصول الشحنات الأولى من الإمارات في وقت لاحق من هذا العام.
كما أن هناك دولا أخرى في مجال اهتمام هابيك فيما يتعلق بالهيدروجين، وهي أيرلندا والسعودية وعمان وتشيلي وناميبيا وأستراليا.
وعلى الرغم من اعترافه بالحاجة إلى استيراد الهيدروجين، إلا أن البروفيسور كواشنغ يبدد بعض آمال هابيك. ويوضح أن “استيراد الهيدروجين من محطات انتاج الصحراوية سيكون بطيئا وغير فعال ومكلف”.
وتستخدم كل خطوة في سلسلة التوريد بعضا من الطاقة الأصلية: تحلية مياه البحر للحصول على المياه العذبة كمواد خام، والتحليل الكهربائي، وتسييل الهيدروجين للشحن، والنقل بواسطة ناقلات بحرية، والنقل المحلي عبر خط الأنابيب في ألمانيا، وإعادة تحويل الهيدروجين إلى كهرباء.
ويقول كواشنغ: “ستلتهم هذه الخطوات مجتمعة ما لا يقل عن 70 في المئة من الكهرباء المنتجة أصلا في الصحراء”.
ويضيف قائلا:”لذلك فإنه على الرغم من أن الألواح الشمسية في الصحراء تنتج كهرباء أكثر بنسبة 80 في المئة من تلك الموجودة في ألمانيا فإن الفاقد في الطريق كبيرة جدا، ومن ثم فإن الفعالية تزيد مرتين في حالة إنتاج الطاقة الشمسية مباشرة في ألمانيا”.
ونظرا لتكلفته العالية فإنه غالبا ما يشار إلى الهيدروجين على أنه شمبانيا عملية التحول في مجال الطاقة. إذن، من سيحصل على الرشفات الأولى؟
ويتفق معظم المراقبين على ذلك. ويوضح فيليكس ماتيس خبير الطاقة في معهد أوكو، وهو مركز أبحاث وعضو في مجلس الهيدروجين الألماني، قائلا: “من الأهمية بمكان أن نخصص الهيدروجين فقط لتلك الصناعات حيث لا يمكن توفير الكهرباء المباشرة”.
ومضى يقول:”لذلك يجب علينا أولا أن نستخدمه في إنتاج الفولاذ والكيماويات والزجاج”.
ويمكن أن تكون القطاعات اللاحقة هي الشحن والنقل بالشاحنات لمسافات طويلة وكذلك الطائرات لمسافات متوسطة أو طويلة. ويضيف أن الاستخدامات الأخرى في السيارات أو التدفئة هي مُشتتات غير فعالة ومكلفة وغير عملية.
ويقول ماتيس: “بالإضافة إلى ذلك، فإن توجه هابيك الجديد لمصادر الطاقة المتجددة سيخلق حاجة أكبر لموازنة إمدادات الكهرباء لدينا وهو ما يمكن أن يفعله الهيدروجين مع المحلل الكهربائي الذي ينتج الهيدروجين في الأيام المشمسة والأيام التي تشهد رياحا بحيث يكون بمثابة مخزن كبير في أيام الشتاء الملبدة بالغيوم”.
ويقع الضغط على ألمانيا للتوقف عن إنفاق الكثير على الطاقة الروسية، لكنها ستكون عملية صعبة.
ويأمل الكثيرون في أن يُسهل الهيدروجين هذا الانتقال من خلال الوفاء بوعده هذه المرة.