يكفي استنشاق غبار مادة الأسبستوس، لكي يحمل الإنسان في جسده مرضا كامنا يظهر بعد سنوات.
منذ وقوع انفجار مرفأ بيروت يوم الرابع منأغسطس/آب، بدأت التساؤلات والتحذيرات من خطر الردميات والنفايات التي خلّفتها الكارثة.
في الأحياء المجاورة للمرفأ، تنتشر البيوت القديمة، التي قد تحتوي على مادة الأسبستوس العازلة للحرارة والمقاومة للمواد الكيميائية.
الأسبستوس مادة ليفية، قادرة على الدخول عميقا داخل الرئتين إذا ما طافت في الهواء، وتسبب سرطان الرئة، ورم المتوسطة، سرطان الحنجرة والمبيض، وتليف الرئتين.
ويُستخدم الأسبستوس في صفائح التسقيف الإسمنتي، وأنابيب المياه والصرف الصحي، وبعض أنواع الرخام.
سادت حالة من الفوضى عقب الانفجار. تمكن المئات من الوصول إلى الجسر المحاذي للمرفأ، ودخول الأحياء المجاورة، من دون أن تعترض طريقهم أي جهة رسمية.
كما غصّت أحياء الجميزة ومار مخايل والرميل والأشرفية، التي شهدت الدمار الأكبر، بالمتطوعين لإزالة الردم وتنظيف الشوارع، أي أن الخطر بات في متناول أيديهم.
واختلطت النفايات التي خلفها الانفجار ومنها تلك الطبية بردم المنازل.
توضح سمر خليل، الأخصائية في الإدارة البيئية، أن البيوت القديمة قد تحتوي على دهان يحتوي على رصاص.
فيما تحتوي السيارات على مواد خطرة كالبطاريات، وإطاراتها على الأسبستوس.
وتلفت خليل إلى خطر النفايات الالكترونية كالحواسيب المدمرة، وهي نوع يحتاج إدارة خاصة.
تجربة مضنية
تعاني منطقة شكا شمال لبنان، من تداعيات الأسبستوس منذ سنوات، وأصيب العديد من قاطنيها بأمراض مزمنة وقاتلة.
وتعود القصة إلى وجود أطنان من الأسبستوس في الهواء الطلق، كمخلفات لـ “شركة أترنيت لبنان” التي أقفلت عام 2000.
ويقول بيار أبي شاهين، رئيس هيئة حماية البيئة في المنطقة، إن عمال الشركة البالغ عددهم 350 توفي أغلبهم بمرض ورم المتوسطة الخبيث.
ويروي أبي شاهين قصة أحد أبناء البلدة – يدعى جورج معلوف – الذي يعاني من المرض عينه.
ويقول شاهين إن والد معلوف كان عاملا في الشركة، وكأن يأتي إلى البيت بالأترنيت لاستخدامات البناء.
وبعد حوالى 10 سنوات، ظهر المرض لدى والديه، ما أدى إلى وفاتهما.
ويعاني 14 شخصا من عائلة معلوف من المرض.
وورم المتوسطة الخبيث (Malignant mesothelioma) – النادر والقاتل – هو نوع من السرطان يصيب خلايا المتوسطة، التي تكوّن غلاف الجنبة الذي يحيط بالرئة.
كيفية التخلص من النفايات
تقول سمر خليل إن أفضل ما يمكن فعله هو فرز النفايات من المصدر، لتسهيل إدارتها وتخفيف الكلفة ماديا وتقليل خطرها على الناس.
خليل تستفيض في الحديث عن الموادة الكيميائية المركّزة في المرفأ.
“نحن لا نملك بنى تحتية ولا تقنيات وخبرات في إدارة هذه المواد”.
وتضيف أنه يجب تصنيف هذه المواد “قابلة للاشتعال، متفجرة، متفاعلة، أحماض، قواعد (Base). ثم وضعها في عنابر مجهزة بخزانات منعا للتسرب، وتجهيزات خاصة بالحرائق”.
ولا يملك لبنان إلى الآن آلية للتخلص من المواد الكيميائية.
ولذلك، يمكن إرسال هذه المواد إلى بلدان قادرة على التخلص منها بموجب اتفاقية بازل، كما تفعل بعض المستشفيات وشركات الأدوية.
لون غريب
استغرب من شاهد فيديو انفجار المرفأ اللون البرتقالي للسحابة المنبثقة عنه، وسادت الخشية من أثرها الصحي والبيئي.
ويعزو فؤاد بزي، المدرب في مختبرات الكيمياء في الجامعة اللبنانية، الأمر إلى مادة أوكسيدات النيترات NOx السامة، التي ظهرت في السحابة البرتقالية.
ويشرح بزي أن هذه المواد سريعة التفاعل، أي أنها لا تبقى في الجو لوقت طويل. فخلال ساعات تحصل هذه التفاعلات وتتحول الأوكسيدات إلى مركب واحد هو حمض النيتريك.
وحال هطول الأمطار في اليوم التالي للانفجار دون أن يؤثر هذا الحمض على المعادن، لدى ارتداده الى الأرض.
ولفت بزي إلى أن الرياح التي رافقت الانفجار خففت من تركيز الغازات.