رائد الفضاء بروس ماكاندليس الثاني وهو يستخدم وحدة المناورة المأهولة خارج مكوك الفضاء الأمريكي تشالينجر في 11 فبراير 1984. حقوق الصورة: ناسا


بقلم إيناس عيسى، كاتبة ومحررة مصرية درست الصحافة في كلية الإعلام، جامعة القاهرة، وتعمل كصحفية منذ عام 2008 وتكتب مقالات علمية منذ 2018.

 

الجاذبية هي إحدى الظواهر التي تخبرنا الكثير عن حياتنا على الأرض، وتفسّر عدداً من الأشياء التي كانت تبدو غامضةً في الماضي حول فكرة تجاذب الأشياء نحو بعضها البعض، أو سقوط الأجسام، وغيرها من الظواهر. لكن هل يتوقف دور الجاذبية داخل الأرض فقط، أم يمتد خارجها؟ وهل من الممكن أن تتأثر الحياة على كوكبنا بجاذبية كوكب آخر أو أحد الأجرام السماوية الأخرى؟

 

بتعريف موجز عن الجاذبية، فهي تلك القوى الطبيعية بعيدة المدى ذات التفاعل الأساسي بين الأجسام والتي تحرك الأشياء نحو بعضها البعض دون أي اتصال. كذلك فالجاذبية هي ما يعطي ثقلاً للأجسام المادية؛ أي ما يُطلق عليه الوزن، والذي له دورٌ كبيرٌ أيضاً في تحديد قوة الجاذبية، فالكتلة الأكبر تعني قوة أكبر. كذلك تحدد المسافة بين الجسمين حجم قوة الجاذبية بينهما، فهي تزداد بتقارب الجسمان وتقل بتباعدهما. بالإضافة إلى ذلك، هناك عوامل جيولوجية تؤثر على شدة قوة الجاذبية التي تتغير بتغير المكان والارتفاع على سطح الأرض، وترتبط بطبيعة الطبقات الجيولوجية المكونة للقشرة الأرضية.

 

هل يتوقف دور الجاذبية على تجاذب الأشياء؟


للجاذبية دورٌ هامٌ يتخطّى حدود حياتنا اليومية، دورٌ ساهم في تشكّل الكون منذ البداية. من خلال البحث في النظريات الرائدة عن تشكل المجرات الأولى، تشير إحدى النظريات إلى أنّ المجرات وُلدت عندما انهارت سحبٌ ضخمة من الغاز والغبار تحت تأثير جاذبيتها، ما سمح للنجوم بالتشكُّل لتتجمع معاً في مجرات. بينما تظهر نظرية أخرى أنّ الكون الجديد احتوى على العديد من “التكتلات” الصغيرة من المادة، التي تجمعت معاً لتشكل مجرات. وفقا لهذه النظرية، كانت معظم المجرات الكبيرة المبكرة عبارة مجرات حلزونية. لكن مع مرور الوقت فقد اندمجت لتُشكِّل مجرات اهليجية. إذن، فمن الواضح أنّ الجاذبية كان لها دورٌ كبيرٌ أيضاً في تكوّن المجرات وتشكُّل الكون.

 

تأثير الجاذبية في الفضاء الخارجي


نستطيع أن نتلمّس آثار الجاذبية الأرضية في كل لحظةٍ في حياتنا، سواء بسقوط جسم ما على الأرض، أو الشعور بالتعب ونحن نصعد السلّم لبذل مجهودٍ مضاعف تحتّمه علينا الجاذبية. لكن السؤال الذي يتوارد للكثير منا، هل هناك جاذبية في الفضاء الخارجي؟ ولماذا دائماً ما تصوّر لنا أفلام الخيال العلمي رواد الفضاء يطفون، ما يوحي بانعدام الجاذبية تماماً؟

 

بإجابة موجزة، نعم، فتأثير الجاذبية يمتد أيضاً عبر الفضاء وذلك التأثير يشمل هؤلاء الرواد؛ كل ما في الأمر أنهم يقطنون داخل مركبة فضائية تسير بسرعة فائقة تسمح لهم بالدوران حول الأرض لتفادي السقوط والارتطام بها. تسير المركبة الفضائية بسرعةٍ متوسطة لا تقل عن 7.9 كيلومتر في الثانية (4.9 ميل في الثانية) – أي أكثر من 20 ضعف سرعة الصوت – من أجل الوصول إلى الفضاء. عند تلك النقطة، يدخل الصاروخ الذي يصل إلى السرعة المدارية (السرعة الكونية الأولى) في مدار حول الأرض، وعند بلوغ سرعة الهروب (السرعة الكونية الثانية)، يتحرك الصاروخ بعيداً. بالتالي، يستمر رواد الفضاء في السقوط الحر نحو الأرض أثناء دورانهم حولها، ما يعني أنّ الجاذبية الأرضية هي المتحكمة في حركتهم وأنّ الأرض لا زالت تؤثر بجاذبيتها عليهم.

 

الكل يؤثر ويتأثر


من الجدير بالذكر أنّ لجاذبية الأجرام السماوية الأخرى في الفضاء تأثير مباشر على الأرض، بدايةً مع ظاهرة المد والجزر التي تتسبب فيها جاذبية القمر (والشمس بدرجة أقل)، وصولاً لتغيّر المناخ على الأرض بسبب جاذبية زحل والمشتري.

 

بالحديث عن واحدة من الظواهر الهامة التي تحدث على كوكبنا – المد والجزر في المسطحات المائية – نلاحظ مدى التأثير المباشر لجاذبية القمر على كوكبنا. تؤثر هذه الظاهرة بشكلٍ كبيرٍ على مستوى الماء في المسطحات المائية بشكل عام، وهي تحدث نتيجة تأثيرات مشتركة بين قوى جاذبية القمر والشمس ودوران الأرض. كذلك تؤثر المسافة المتغيرة التي تفصل بين القمر والأرض على ارتفاعات المد والجزر؛ فعندما يكون القمر قريباً جداً من الأرض، يزداد نطاق التأثير، وعندما يكون بعيداً، يصبح نطاق تأثيره أقل. كذلك للجاذبية الشمسية دورٌ هامٌ في التأثير على تلك الظاهرة بالإضافة إلى ميل خط الاستواء ومحور دوران الأرض، وميل مستوى المدار القمري والشكل الإهليجي لمدار الأرض حول الشمس.

 

عند رصد تأثير هام آخر لجاذبية الكواكب الأخرى على الأرض، فقد تبين أن جاذبية زحل والمشتري – على وجه الخصوص – قد أثرت على الميل المحوري للأرض، ما أثر على زاوية سقوط أشعة الشمس على الأرض وبالتالي أثر على مناخها، وذلك وفقاً لدراسةٍ في جامعة تورنتو نُشرت عام 1997.

 

وبسبب هذه السرعة الكبيرة التي تدور بها الأرض، طوّرت الأنواع البشرية وغيرها من الكائنات الحية أنماطها اليومية خلال ساعات النهار والليل لتتمكّن من الحفاظ على حياتها.


 

nasainarabic.net