يمكن للعلماء استخدام أنواع متعددة من الجزيئات الكمومية بمثابة كيوبيتات، حتى الفوتونات التي تشكل الضوء.
حقوق الصورة: Philip/Fotolia
الترانزستورات هي مفاتيح مصغرة تشكل حجر أساس للحوسبة الحديثة، حيث أن المليارات منها تشكل المسارات التي تنتقل عبرها الإشارات الكهربائية داخل جميع الأجهزة كالهواتف الذكية مثلاً.
تحتاج الحواسيب الكمومية إلى معدات وأجهزة تناظرية للتعامل مع المعلومات الكمومية، لكن قيود التصميم لهذه التقنية الحديثة ستكون صعبة، ولا يمكن إعادة استخدام أكثر المعالجات تطوراً المتوفرة اليوم كأجهزة كمية، وذلك لأن ناقلات المعلومات الكمية (تُسمى البت الكمومي أو الكيوبت qubits) يجب أن تتبع القواعد التي وضعتها فيزياء الكم.
يمكن للعلماء استخدام أنواع متعددة من الجزيئات الكمومية بمثابة كيوبيتات، حتى الفوتونات التي تشكل الضوء.
للفوتونات مزايا إضافية حيث أنها تنقل المعلومات عبر مسافات طويلة بسرعة كما أنها تتوافق مع الشرائح المُصنّعة، لكن جعل الترانزستور يتحفز عن طريق الضوء يعتبر تحدياً لأنه يتطلب أن تتفاعل الفوتونات مع بعضها البعض وهو شيء لا يحدث من تلقاء نفسه عادةً.
باحثون في كلية أي جيمس كلارك للهندسة (A. James Clark School of Engineering) ومعهد الفيزياء الكمومية ((Joint Quantum Institute (JQI) في جامعة ماريلاند (University of Maryland) بقيادة إيدو واكس (Edo Waks) بروفيسور الهندسة الكهربائية وهندسة الحاسوب، وزميل في معهد فيزياء الكم ومعهد أبحاث الإلكترونيات والفيزياء التطبيقية (Institute for Research in Electronics and Applied Physics) تمكنوا من تخطي هذه العقبة ببناء أول ترانزستور أحادي الفوتون باستخدام شريحة نصف ناقلة.
تم وصف الجهاز في مجلة العلوم (Science) العلمية على أنه مضغوط جداً حيث يمكن أن يتسع مليون ترانزستور منه تقريباً ضمن حبة ملح واحدة، كما أنه سريع ويمكنه معالجة 10 مليارات كيوبت فوتوني في الثانية.
يقول واكس: “باستخدام هذا الترانزستور سنتمكن من تفعيل بوابات كمومية (حالات كمومية منطقية) بين الفوتونات، فالبرمجيات العاملة على الحاسوب الكمومي تستخدم سلسلة من هذه العمليات لتحقيق تسارع أُسّي في معالجة بعض المسائل الحوسبية”.
تُصنع الشريحة الفوتونية من مادة نصف ناقلة تحتوي على ثقوب متعددة، الضوء الداخل إلى الشريحة ينعكس بشكل مستمر داخلها ويُحبس ضمن الثقوب في المنطقة التي تكون فيها كثافة الضوء أكبر ما يمكن، إذ توجد بلورة صغيرة تسمى نقطة الكم، تُناظِر هذه النقطة ذاكرة الحاسوب التقليدية فهي تخزن معلومات عن الفوتونات عند دخولها إلى الجهاز، ويمكنها أن تستغل ما خزنته في ذاكرتها بفعالية لتنظيم التفاعلات بين الفوتونات، بمعنى أن تصرفات فوتون ما تؤثر على الفوتونات الأخرى التي تصل لاحقاً إلى الشريحة.
يقول شو صن Shuo Sun المؤلف الأساسي لهذا البحث والباحث في جامعة ستانفود (Stanford University) الأمريكية: “في الترانزستور أحادي الفوتون يجب أن تستمر نقطة الكم بالعمل لفترة تكفي للتفاعل مع كل البتات الكمومية، وهذا يسمح لفوتون واحد بتحويل مسار تيار أكبر من الفوتونات، وهو أمر أساسي حتى نستطيع اعتبار الجهاز الجديد على أنه ترانزستور”.
من أجل اختبار أن الرقاقة تعمل مثل الترانزستور، قام الباحثون بفحص استجابة الجهاز لنبضات الضوء الضعيفة التي تحتوي عادةً على فوتون واحد فقط في بيئة عادية، فمثل هذا الضوء الخافت بالكاد يحدث تأثيراً، ولكن في هذا الجهاز يمكن للفوتون الوحيد أن يُحبس لفترة طويلاً مسجلاً وجوده في نقطة الكم المجاورة له.
لاحظ الفريق أنه بتفاعل الفوتون الوحيد مع نقطة الكم يصبح بإمكانه التحكم بإرسال نبضة ضوئية ثانية ضمن الجهاز، حيث تعمل النبضة الضوئية الأولى كمفتاح يفتح الباب للفوتون الثاني حتى يدخل الشريحة، وفي حال لم تكن النبضة الأولى تحتوي على فوتونات فإن نقطة الكم تحجب دخول الفوتونات التالية، ويشبه هذا سلوك الترانزستور التقليدي حيث يتحكم الجهد الصغير في مرور التيار عبر أطراف الترانزستور.
هنا نمكن الباحثون من استبدال الجهد بفوتون وحيد بنجاح وأظهروا أن الترانزستور الكمي الخاص بهم يمكنه تمرير نبضة ضوئية تحوي 30 فوتون قبل نفاذ ذاكرة النقطة الكمية.
يقول واكس إنه كان على فريقه اختبار جوانب مختلفة من أداء الجهاز قبل أن يعمل الترانزستور: “وحتى الآن، كنا نملك جميع المكونات اللازمة لصنع ترانزستور أحادي الفوتون، وهنا قمنا بتجميع جميع الخطوات في شريحة واحدة”.
كما يقول صن إنه باستخدام التحسينات الهندسية يمكن ربط العديد من الترانزستورات الفوتونية مع بعضها البعض، ويأمل الفريق في أن تساعد هذه الأجهزة السريعة المترابطة بشكل كبير في تصنيع حواسيب كمومية صغيرة جداً قادرة على معالجة أعداد كبيرة من الكيوبتات الفوتونية.