حقوق الصورة: Matt Roden


رغم تشابهنا الجينيِّ الكبير، نحن نمتلك ألوانًا مختلفةً للبشرة، فما سبب ذلك؟ ولِماذا تختلف ألوان بشرة الأشخاص الذين ينتمونَ إلى مناطق مختلفةٍ من العالم؟ ولِمَ تكون بشرة الأشخاص الذين يقطنون بالأماكن الاستوائية داكنةً، بخلاف أولئك الذين هم في المناطق ذات المناخ البارد؟

تُعَدُّ التنوعاتُ في لون البشرة صفةً مكتسَبةً تتناسب مع المنطقة الجغرافية ومقدار التعرض للأشعة فوق البنفسجية، مع بعض المسببات الجينية.

امتلك البشر الأوائل (الأسلاف المباشرون) بشرةً بيضاء مغطاةً بالشعر. ومع التَّطوُّر إلى بشرٍ أكثر قدرةً على الصيد، ظهرت الحاجة إلى وجود نظامِ تبريدٍ فعَّالٍ للجسم، إذ ازداد عدد الغدد العرقية بالتناسب مع قلة شعر الجسم.

كانت المحافظة على برودة الجسم من التحديات المهمة التي واجهت الإنسان في أثناء تنقله إلى المناطق الحارة بحثًا عن الطعام والماء.

ولكن شكلت البشرة قليلة الشعر مشكلةً بسبب تعرضها لأشعة الشمس القوية، خاصّةً في المناطق القريبة من خط الاستواء، وبما أنَّ التَّعرُّضَ القويَّ للشَّمس يسبب ضررًا لها، كان الحلُّ حدوثَ تطوُّرٍ طبيعيٍّ للبشرة، إذ صارت داكنةً بفعل الميلانين، فأدى ذلك إلى حمايةٍ أكبر من أشعة الشَّمس الضَّارة.

فالميلانين مادَّةٌ تُعطي البشرةَ والشعرَ والأعيُنَ لونَها الداكنَ، وإن الاختلاف في مستوى الميلانين فيها يسبِّبُ تلك التغيُّرات في ألوانها.

ويعمل الميلانين على حماية العناصر الغذائية الموجودة في خلايا الجلد كالفلافين وحمض الفوليك، فهما حسَّاسانِ جدًّا لتلك الأشعة.

لكن الأشعة فوق البنفسجية أساسيةٌ لإنتاج فيتامين دال (د)، فمعظم مخزون هذا الفيتامين يأتي من تأثيرها على الكحول الستيروئيدية (الستيرولات) التي تُنتَج -بشكلٍ طبيعيٍّ- في البشرة.
لذلك، إن عدم التعرُّض لهذه الأشعة يُسبِّبُ عَوَزًا في فيتامين دال (د)، فيؤدي هذا العوزُ إلى أضرار خطيرة مثل الإصابة بالكساح لدى الأطفال وترقق العظام لدى البالغين، وبعض العيوب الحوضية التي تشكل خطرًا كبيرًا في أثناء الولادة.

فلا بُدَّ من حدوث توازنٍ دقيقٍ في كميَّة الأشعة فوق البنفسجية التي تتعرض لها البشرة.

يسبب الانتقاء الطبيعي ظهور لون البشرة الفاتح عند الانتقال إلى مناطق بعيدة عن خط الاستواء، فيسمح للأشعة فوق البنفسجية باختراق البشرة وإنتاج كمية كافية من فيتامين دال (د). في حين أنَّ البشرة الداكنة للأشخاص القاطنين بالقرب من خط الاستواء ضروريةٌ لمنع حدوث عوز حمض الفوليك.

يُعتبر الميلانين واقيًا شمسيًّا طبيعيًّا يحمي القاطنينَ بالمناطق الاستوائيَّة من العديد من التأثيرات الضارة للأشعة فوق البنفسجية.
فهو يحمي من ضرر الأشعة فوق البنفسجية بطريقتينِ:

الأولى: يمتص الأشعة فوق البنفسجية ويمنع دخولها عبر سطح البشرة.

الثانية: يمتص المنتجات الكيميائية الضارة الناتجة عن الأشعة فوق البنفسجية، والتي قد تكون سامَّةً أو مسرطنةً للجسم.

أكدت الدراسات الجينيَّة وجودَ عاملٍ جينيٍّ مرتبطٍ بالانتقاء الطبيعيِّ للون البشرة.

فإن بعض الأوروبيين حصل لهم تطوُّرٌ جينيٌّ واحدٌ أدى إلى حدوث شحوبٍ في لون بشرتهم، وهذا الشحوب يُعتبر حديثًا نسبيًّا.

إذ يُنسب كافة الأوروبِّيِّينَ إلى البشر الأوائل ذوي البشرة الداكنة، ويعود ظهور الشحوب في لون البشرة إلى العصر البرونزي (3000 عام قبل الميلاد). لكن هذا التغير الجيني لا يظهر لدى المجموعات العرقية الأخرى مثل الآسيويينَ. لذا، توجَدُ أسبابٌ جينيةٌ مختلفةٌ لتبدلات لون البشرة؛ يعني هذا أنَّ التعرض للأشعة فوق البنفسجية ليس التفسير الوحيد لحدوث تبدلٍ للون البشرة.

من النظريات الأخرى: نظرية الزِّراعة.

إذ تفترض أن الحِمية كانت تقتصر على الحبوب والقمح، فكانت فقيرةً إلى فيتامين دال (د). وهذا ما جعل البشرة تصبح أفتح لإنتاج فيتامين دال (د) بشكلٍ أفضل بوجود الأشعة فوق البنفسجية.

يوجَدُ عاملٌ آخر يؤثر على لون البشرة، إذ إنَّ الأشخاص الذي يسكنون السواحل وذوي الحِميات الغنيَّة بالطعام البحري يحصلونَ على مصدرٍ إضافيٍّ لفيتامين دال (د).

وكذلك فإنّ بعض القاطنين بالقطب الشّمالي مثل ألاسكا وكندا، يمكن أنْ تبقى بشرتهم داكنةً حتى في المناطق ذات الأشعة فوق البنفسجية المنخفضة، فهم يحصلون في الصيف على مستوياتٍ عاليةٍ من الأشعة فوق البنفسجية المنعكسة عن الثلوج والجليد، فتحمي بشرتهم الداكنة من هذه الأشعة المنعكسة.


 

nasainarabic.net