ظلّ علاجُ الشلل يمثلُ تحديًا للأطباء لعقودٍ من الزمن، نظراً لكون جهازنا العصبي لا يملكُ القدرةَ على إصلاحِ نفسه بعد الإصابة، إلى أن تمكَّن باحثون من جامعة نورث ويسترن Northwestern University من تطوير علاجٍ جديدٍ بواسطةِ الحقن؛ يستخدم “جزيئات الرقص” Dancing Molecules لعكس الشلل، وإصلاح الأنسجة بعد إصابات الحبل الشوكي الشديدة.

جزيئات الرقص هي ببتيداتٌ قصيرةٌ مُعدَّلةٌ؛ تُحاكي البروتيناتِ الطبيعيةِ اللازمةَ لحثِ الاستجاباتِ البيولوجيةِ المرغوبة، وبناءً على ذلك؛ أعطى الباحثونَ حُقنةً واحدةً من هذه الجزيئات للأنسجةِ المُحيطةِ بالحبال الشوكية لفئران مشلولةٍ، وبعدَ أربعةِ أسابيع فقط، استعادت الحيواناتُ القدرةَ على المشي.

بإرسالِ إشاراتٍ نشطةٍ بيولوجيًا لتحفيزِ الخلايا على الإصلاح والتجديد، حسَّنَ هذا العلاجُ بشكلٍ كبير الحبالَ الشوكيةَ المُتضررةَ بشدةٍ بواسطةِ خمسِ طُرقٍ رئيسية:
1. تجديدُ امتداداتِ الخلايا العصبية المقطوعةِ، والتي تُسمى المحاور العصبية Axons.
2. تقليصُ حجم النسيجِ الندبي بصورةٍ كبيرة وهو النسيج الذي يعيق عملية التجديدَ والإصلاح.
3. إعادةُ تشكيلِ غمد النخاعين Myelin حول الخلايا؛ وهو الطبقةُ العازلةُ للمحاور العصبية والمهمةُ في نقل الإشارات الكهربائية بفعاليةٍ.
4. تشكيلُ أوعيةٍ دمويةٍ فعَّالةٍ، مهمَّتُها توصيل المُغذيات إلى الخلايا في موقع الإصابة.
5. الحفاظ على المزيد من الخلايا العصبية المحركة وإنقاذها من الأذية.

بعد تأديةِ العلاج لوظيفته، ونظراً لكون الموادِ الداخلةِ في تركيبه تتمتعُ بعُمرِ نصفٍ قصيرٍ جدًا، فإنها تتحللُ بيولوجيًا إلى مُغذياتٍ للخلايا في غضون 12 أسبوعًا ثم تختفي بالكامل من الجسم دون تأثيراتٍ جانبيةٍ ملحوظة. هذه هي الدراسةُ الأولى التي يتحكمُ فيها الباحثون في الحركة الجماعية للجزيئات بإجراء تغييراتٍ في التركيب الكيميائي بهدف زيادة فعالية العلاج.

يكمنُ السرُ وراءَ فعالية هذا العلاجِ الجديد في قدرته على ضبطِ الحركةِ الجماعيةِ لأكثر من 100,000 جزيءٍ حتى تتمكنَ من العثورِ على المستقبلاتِ الخلوية المتحركةِ باستمرار والارتباط بها بشكلٍ صحيح.

تتحولُ الجزيئات المحقونة -التي تكون سائلة في البداية- بشكلٍ فوري بعد حقنها إلى شبكةٍ مُعقدةٍ من الألياف النانويَّة التي تحاكي المُطرس Matrix خارج الخلوي للحبل الشوكي.
بمطابقة بنية المُطرس، ومحاكاة حركةِ الجزيئات البيولوجية، ودمج الإشاراتِ القادمةِ من المُستقبلات، تكون المواد الاصطناعية قادرةً على التواصلِ مع الخلايا بصورةٍ أكثرَ فعاليةً.

وجدَ الباحثونَ أنَّ هذا الضبطَ الدقيق لحركةِ الجزيئات داخلَ شبكةِ الألياف النانوية لجعلها سريعةَ الحركة أدى إلى فعاليةٍ علاجيةٍ أكبر في الفئران المشلولة، كما أكدوا أنَّ علاجَهم المبني على الحركة الجزيئية المُحسَّنة قد أعطاهم نتائج أفضل أثناء التجارب المخبرية على الخلايا البشرية.

نظراً لكون الخلايا ومستقبلاتها في حالة حركةٍ دائمة، فمن المنطقي أن تلتقي الجزيئات التي تتحرك بسرعةٍ كبيرة مع تلك الخلايا ومستقبلاتها في كثيرٍ من الأحيان، أما إذا كانت الجزيئات بطيئةً فقد لا تتلامسُ أبداً معها.

عند التقاءِ الجُزيئاتِ بالمستقبلات، تُطلقُ الجزيئاتُ المُتحركة إشارتين متتاليتين، وكلاهما مُهمٌ لإصلاحِ الحبل الشوكي، حيث تُنشّطُ إحداها المستقبلَ الغشائي β1-integrin، وتنشط الأُخرى مُستقبلَ عامل نمو الأرومة الليفية القاعدي-2.

أثبت الباحثون أن إحدى الإشارتَين تحثُّ المحاورَ العصبية على التجدُد. هذه المحاور العصبية -بشكلٍ مشابهٍ للكابلات الكهربائية- تنقلُ إشاراتٍ بين الدماغ وبقية أنحاءِ الجسم، وبالتالي يمكنُ أن يؤدي قطعُها أو إتلافُها إلى فقدانِ الإحساس في الجسم أو حتى الشلل، ومن ناحيةٍ أُخرى، فإنَّ إصلاحَها يؤدي إلى زيادة التواصل بين الجسم والدماغ. أما الإشارةُ الثانيةُ فتساعدُ الخلايا العصبية على النجاةِ بعد الإصابة من خلال إسهامها بتكاثرِ أنواعٍِ أخرى من الخلايا، مما يُعززُ إعادةَ نُمو الأوعيةِ الدمويةِ المُخَرَبَة التي تُغذي الخلايا العصبية والخلايا الهامة لإصلاحِ الأنسجة.

يقول مؤلف الدراسة صاموئيل ستوب samuel stupp: “إن أنسجةَ الجهاز العصبي المركزي التي نجحنا في تجديدِها في الحبل الشوكي المُصاب تشبهُ تلك الموجودة في الدماغ والمتأثرة بالسكتة الدماغية، والأمراض التنكسيَّة العصبيَّة؛ كداء باركنسون، ومرض ألزهايمر؛ وبناءً على ذلك، فإنَّ اكتشافَنا الجوهري لطريقة التحكم في حركة التجمعات الجزيئية لتعزيزِ إشارات الخلية يمكنُ تطبيقُُه عالمياً لأهداف طبية حيوية عديدة”.

nasainarabic.net