تلسكوب جيمس ويب الفضائي أثناء عملية تصنيعه. حقوق الصورة: Photo Credit: NASA/Chris Gunn
من المتوقع أن تطلق الوكالات الحكومية والشركات التجارية أكثر من 2000 قمر صناعي خلال العقد الحالي ومن المتوقع إرسال 300 قمر صناعي بكتلة أكبر من 50 كيلوغرام كل عام تقريباً حتى مطلع العام 2026. مع زيادة الأعداد المطلوبة والكلفة العالية للتصنيع والحاجة لاستدامة عمل تلك الأقمار الصناعية بفاعلية عالية، ازداد الطلب على المنشآت التي تؤمن بيئة نظيفة لصناعة المعدات بدون أن تُلوّث، إذ إن تصليحها في الفضاء الخارجي هو أمر صعب للغاية.
تمتلك الجسيمات العالقة بأي مكوّن للقمر الصناعي القدرة على تعطيل مهامه. من المهم جداً أخذ هذا الأمر بعين الاعتبار خصوصاً في مجال البصريات، التي تعُتبر مكوناً أساسياً من مكونات القمر الصناعي، إذ إنّ مواصفات عدسات الأقمار الصناعية مضبوطة بدقّة بحيث أنّ الغبار وحده قد يسبب عطلاً كبيراً فيها. بالمثل، فإنّ الجسيمات والبقايا على أسطح المرايا قد تسبب امتصاص أو انعكاس الحرارة بالفضاء ما يسفر عن تعطيل القمر الصناعي. بالإضافة لذلك، فإنّ الجسيمات العالقة قد تسبب تآكل الإلكترونيات ما يسبب عجز الآليات عن الحركة وتوقف عمل الأجهزة.
لعلّ الخسائر الفادحة التي تكبدتها مهمات الفضاء الفاشلة، والحاجة الماسة لإطلاق صواريخ ومركبات فضائية بدون أن تنقل جراثيم وبكتيريا إلى الفضاء الخارجي، قد دفعت المهندسين للجوء إلى مختبرات تصنيع نظيفة ومعقمة مثل ما يُعرف باسم “الغرف النظيفة”. بالإضافة إلى أهمية تجنب الغبار والملوثات التي قد تعطّل مهام الأقمار الصناعية، فإنّ إرسال الملوثات إلى الفضاء يُعد انتهاكاً دولياً لمعاهدة الفضاء الخارجي التي تم التوقيع عليها من قبل 110 دول عام 1967. يُعد تلويث الكواكب بالمواد العضوية عائقاً للمركبات الفضائية التي تبحث عن الحياة خارج كوكب الأرض.
الإنسان هو المصدر الأساسي للتلويث أثناء عملية التصنيع إذ يُطلق ما بين مليون وثلاثة ملايين جسيم بحجم أكبر من 0.3 مايكرومتر بالدقيقة الواحدة، (يتراوح عرض شعرة الإنسان بين 20 و200 مايكرومتر). لذلك، فإن الحاجة إلى غرف نظيفة هو أمر ضروري جداً لتصفية الجسيمات الغير مرغوبة.
ولكن ما هي الغرفة النظيفة؟
الغرفة النظيفة “cleanroom” هي منشأة خالية من الغبار والملوثات، تُستخدم عادةً في تصنيع الرقائق الالكترونية والدارات المتكاملة والشاشات ميكروية الحجم والمعدات الطبية. تسمح بيئة الغرفة النظيفة، عن طريق نظام التهوية الخاص بها، بالتخلص من الجسيمات الزائدة وتطبيق ضغط ثابت ملائم لعمليات التصنيع. علاوةً على ذلك، فإنّها تمنع دخول الهواء الخارجي بفضل مسداتها الهوائية.
يتوجب على كل شخص يدخلها أن يرتدي ملابس خاصة تغطي كامل جسمه من الشعر إلى القدمين. يرتدي العامل أيضاً بالغرفة النظيفة أحذية خاصة وشبكة لتغطية الشعر وقفازات وكمامة طبية وفي بعض الأحيان نظارات للحماية. يحمي هذا اللباس المواد التي يتم تصنيعها من التآكل بوساطة جسيمات الجلد الميت أو المواد المفرزة من الغدد الدهنية للإنسان. يعتمد نوع اللباس على فئات الغرف النظيفة المصنفة حسب عدد الجسيمات الموجودة بالمتر المكعب الواحد.
بمجرد أن يجهز الفرد ويرتدي الملابس الخاصة بالغرفة النظيفة، يدخل حمام الهواء الذي يزيل بقايا الشعر المتساقط وخلايا الجلد والشوائب على الملابس.
تتميّز الغرف النظيفة بأنها مكيّفة هوائياً حيث تبقى الحرارة فيها 22 درجة مئويّة ونسبة الرطوبة 55%، التحكم بنسبة الرطوبة يحمي المكونات الالكترونية من التلف لأنّ الهواء الجاف يسبب ومضات كهربائية. بالحديث عن الكهرباء، فيجب ألا ننس أخذ الاحتياط من التفريغ الكهربائي الذي قد يسبب في جذب الغبار للقمر الصناعي وذوبان المعادن وإحداث تلف في الدارات.
يعتبر جسم الانسان ناقلاً للشحنات الساكنة ولذلك فإنّ عباءات الغرف النظيفة مصممّة لتكون غير ناقلة لهذه الشحنات، إذ تعمل خيوطها المتشابكة كمؤرِّض يصل الشحنات بالأرض ويمنع تجمع الشحنات عليها لحماية مرتديها من الصعق الكهربائي.
يسمح نظام التهويّة الخاص بالغرفة النظيفة بدوران مليون قدم مكعب من الهواء بالدقيقة الواحدة وذلك لمنع الجسيّمات ميكروية الحجم من التراكم على سطح الرقائق الإلكترونية. تعلّم المهندسون كثيراً من انفجارات الصواريخ الصاعدة إلى الفضاء وتلف التلسكوبات فاعتمدوا على الغرف النظيفة كحل لتصفية الغبار، فهل من مشاكل جديدة سيكون اكتشافها مفتاحاً لصناعة أجهزة اكتشاف أكثر استدامة وفعّالية؟