رسم توضيحي لمركبةٍ فضائيةٍ مستقبليةٍ في مدار الأرض، يجري تشييدها باستخدام منشأة بناء من النوع الحلقي. (Image: © Adrian Mann)

التواصل مع الأرض قد يكون صعبًا.

قد يواجه الأشخاص الأوائل الذين سيستعمرون عالمًا خارج نظامنا الشمسي صعوبةً في وصف موطنهم الجديد للناس على الأرض.

يبعد أقرب نجمٍ إلى الأرض، والذي يُدعى القنطور الأقرب Proxima Centauri، عنا 4.2 سنة ضوئية، بعيدًا جدًا لدرجة أن الوصول إليه باستخدام التكنولوجيا الحالية سيستغرق عشرات آلاف السنين، وبطبيعة الحال، فإن أغلب النجوم أبعد كثيرًا من ذلك، فيبلغ قطر مجرة درب التبانة 100,000 سنةٍ ضوئية.

لذلك من دون اكتشافٍ مفاجئٍ وعظيمٍ، مثل تطوير محركات المادة-المادة المضادة matter-antimatter engines، أو إتقان السفر عبر الثقوب الدودية، أو تطوير تقنية الحيوية المُعلّقة suspended-animation، فإن أيّ مهمةٍ بين نجمية مأهولةٍ ستكون مسألةً متعددة الأجيال. (التوقعات أكثر تفاؤلًا فيما يتعلق بالمهمات الروبوتية بين النجمية، وقد تبدأ أول مهمة من هذا النوع بعد بضعة عقود فقط من الآن، إذا نجح مشروع ستارشوت Starshot الذي تبلغ قيمته 100 مليون دولار).

تشير الدراسة التي أُجريت مؤخرًا، منوهةً إلى مرونة اللغة، أن الطول غير المريح للرحلات بين النجمية المأهولة قد يترك تأثيرًا كبيرًا على الاتصالات.

كتب عالما اللغة أندرو ماكنزي Andrew McKenzie وجيفري بانسكي Jeffrey Punske من جامعة كانساس وجامعة جنوب إلينوي، في الدراسة التي نُشرت في أبريل في مجلة Acta Futura: “من الصعب جدًا على متحدثي اللغة الإنجليزية الحديثة فهم مؤلفات تشوسر”. (كان جيفري تشوسر Geoffrey Chaucer، الذي اشتهر بـ “حكايات كانتربري” The Canterbury Tales، شاعرًا وكاتبًا إنجليزيًا في القرن الرابع عشر).

وكتب الثنائي:”إذا قرأتها بصوتٍ عالٍ فلن يفهمها إلا القليلون، حتى شكسبير في القرن السابع عشر لم يكن ليفهمها دون تعلّمِ لغةٍ مختلفةٍ – ولهجة شكسبير مختلفةٌ تمامًا عن اللهجة الحديثة”.

قد يكون الاختلاف اللغوي أكثر تعقيدًا بالنسبة لمسافري الرحلات بين النجمية، نظرًا إلى أنهم سيكونون معزولين جسديًا عن عالمهم الأصلي، ومن المحتمل أن يتواصلوا معه بشكلٍ ضئيلٍ للغاية، ففي نهاية المطاف، لا يمكنك إجراء محادثةٍ مع شخصٍ ما على بعد 10 سنواتٍ ضوئية، سيستغرق الأمر 10 سنوات حتى تصلهم رسالة “كيف حالك؟”، وعقدًا آخر حتى تصلك الاستجابة.

قال ماكنزي في بيان: “إذا كنت على متن هذه المركبة لمدة 10 أجيال، فستظهر مفاهيمُ جديدةٌ، وستظهر قضايا اجتماعية جديدة وسيخلق الناس وسائلَ للتحدث عنها، وستصبح هذه المفردات خاصةً بالمركبة”.

ويضيف ماكنزي: “قد لا يعرف الناس على وجه الأرض هذه الكلمات أبدًا، ما لم يكن هناك سببٌ لإخبارهم عنها، وكلما ابتعدت، قلما ستتحدث مع الناس على الأرض، تمر الأجيال، ولا يوجد أحدٌ على الأرض يمكنك التحدث معه، وليس هناك الكثير مما تريد قوله لهم، لأن الرسالة ستصلهم بعد سنوات، وسوف تُسمَع منهم بعد سنوات كذلك”.

نتيجةً لذلك، قد يضطر المستعمرون وسكان الأرض إلى التواصل من خلال نسخة “محفوظة” من اللغة الإنجليزية (أو الصينية أو الروسية أو أيًّا كانت اللغة المختارة).

كتب الباحثون في الورقة البحثية: “قد يُنظر إلى هذا الحفظ على أنه مماثلٌ لحفظ واستخدام اللغات الخامدة في الشعائر الدينية أو السياقات الدينية الأخرى، مثل استخدام الكنيسة الكاثوليكية للّاتينية، أو اللغة العبرية التوراتية في التقاليد اليهودية، أو اللغة العربية الفصحى في الإسلام، أو السنسكريتية في الديانات الهندية”.

قال ماكنزي وبونسكي إنه من السابق لأوانه رسم استراتيجيةٍ مفصلةٍ لمكافحة اختلاف اللغة في المهام بين النجمية، لكنهما شددا على أنه يجب توعية أعضاء طاقم المهمة بالمشكلة المحتملة، وأنّ عليهم تلقي تدريبٍ لغويٍّ مكثفٍ قبل الإطلاق للحدّ من آثارها السلبية.

كتب علماء اللغة في الدراسة: “ستكون هناك حاجةٌ إلى سياسةٍ لغويةٍ مدروسةٍ على متن المركبة يمكن الحفاظ عليها دون الرجوع إلى اللوائح القائمة على الأرض، ناهيك عن أن الرحلة ستوفر تجربةً طبيعيةً مهمةً للعلوم اللغوية، إذا كان أفراد الطاقم قادرين على تنفيذها. إن الوعي ما وراء اللغوي لن يساعد المهمة بشكلٍ حاسمٍ فحسب، بل سيضيف أيضًا إلى قيمتها العلمية”.

nasainarabic.net