من المعروف بأن أعماق المحيط المظلمة ذات الضغط العالي والخالية من الهواء ليست مضيافة أبداً للبشر، لكنها تزدهر بالمخلوقات التي استطاعت البقاء في هذه البيئة القاسية. تتطلب دراسة هذه المخلوقات أدوات متخصصة مركبة على عربات التحكم عن بعد ROV التي تستطيع الصمود في هذه الظروف من أجل التقاط عينات. صُمّمت هذه الأدوات بشكل رئيسي من أجل التنقيب عن النفط تحت الماء والصناعات التعدينية، إلّا أنّها ضخمة وغالية الثمن ومن الصعب التحكم بها بالقدر المطلوب للتفاعل مع أحياء البحر الدقيقة. إن محاولة التقاط كائن بحري صغير من قاع المحيط بهذه الأدوات يشبه محاولة التقاط حبات العنب باستخدام أداة تقليم الشجيرات.
طورت مجموعة من المهندسين من مختلف الاختصاصات بالتعاون مع علماء أحياء بحرية وأخصائيي روبوتات جهاز التقاط عينات بديل يتميز بالمرونة والدقة وقابلية التعديل مما يسمح للعلماء بالتقاط مختلف أنواع الأحياء من البحر بلطف ودون الحاق أيّ ضررٍ بهم، بالإضافة إلى اعتماد تقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد لطباعة قطعٍ معدلة للجهاز خلال يومٍ واحدٍ دون الحاجة للعودة إلى المختبر الأرضي. نُشِر هذا البحث في مجلة بلوس وان PLOS One العلمية.
يقول روب وود Rob Wood، الحاصل على شهادة الدكتوراه وهو من الأعضاء المؤسسين لمعهد ويس Wyss Institute وبروفيسور في قسم تشارلز ريفر للهندسة والعلوم التطبيقية في كلية جون بولسون للهندسة والعلوم التطبيقية SEAS في جامعة هارفرد Harvard الأمريكية، ومن المؤلفين المشاركين في البحث: “عند التعامل مع كائنات بحرية دقيقة وناعمة فمن المنطقي أن تكون المعدات التي تستخدمها أيضاً ناعمة ولطيفة. تطور مجال الروبوتات الدقيقة مؤخراً ووصل إلى المرحلة التي تمكننا من بناء روبوتات “ناعمة” تستطيع الإمساك بهذه الحيوانات بشكلٍ موثوق ودون أي أذى”.
المقابض الدقيقة “الناعمة” التي صممها الفريق تمتلك من اثنين إلى خمسة أصابع مصنوعة من البولي يوريثين وغيرها من المواد الإسفنجية، وهي تفتح وتغلق عن طريق نظام ضخ هيدروليكي منخفض الضغط يستعمل مياه البحر ليقود حركته. تُغلَق هذه المقابض ببكرة خشبية تُحمل و يتم التحكم بها عن طريق الأدوات الخاصة بعربات التحكم عن بعد والتي تشبه المخالب، ويتم التحكم بهذه العربات بواسطة المشغل البشري على السفينة التي ترتبط العربة بها.
أطلق الفريق آخر نسخة من المقابض الدقيقة على متن رحلة R/V Falkor حول جزر فينيكس المحمية في المحيط الهادئ الجنوبي. تعني مثل هذه البيئة المعزولة بأن الحصول على قطع جديدة للمقبض سيكون أقرب للمستحيل، لذلك قاموا بإحضار طابعة ثلاثية الأبعاد لطباعة المكونات الجديدة بسرعة.
((يوجد فيديو توضيحي))
يقول المؤلف المشرف على البحث دانييل فوت Daniel Vogt الحاصل على شهادة الماجستير ومهندس باحث في معهد ويس: “كونك على سفينة لمدة شهر يعني بأنه كان من الواجب علينا صناعة كل ما نحتاجه، وقد تبين بأن الطابعات ثلاثية الأبعاد عملت بشكلٍ جيد للقيام بذلك على متن السفينة. لقد جعلناها تعمل على مدار الساعة كل يوم تقريباً، وكنا قادرين على الحصول على إفادات من متحكمي العربات عن تجربتهم من خلال استعمال المقبض الدقيق وصناعة إصدارات جديدة طوال الليل لتحديد أي مشكلة”.
تمكنت المقابض الدقيقة من التقاط الرخويات البحرية والمرجانات والإسفنج وأحياء بحرية أخرى بشكلٍ فعّال أكثر وأقل ضرراً بكثير عن أدوات التقاط العينات البحرية العادية. طبع الفريق امتداداتٍ للمقابض بمثابة “أظافر” وذلك وفقاً للمدخلات من متحكمي عربات التحكم عن بعد وذلك لمساعدة أصابع المقابض على الولوج تحت العينات المتموضعة على أسطح قاسية، وأُضيفت شبكة مرنة أيضاَ لكل اصبع للحفاظ على العينة ضمن إصبع المقبض. بالإضافة إلى ذلك، أُنشِئت نسخةٌ أخرى من المقبض بإصبعين استناداً إلى إلمام متحكمي العربات بالتحكم في قوابض ذات الإصبعين الموجودة مسبقاً، وطلبهم أن يكون الإصبعان قادرين على الاحتفاظ بعيناتٍ بالتقاطٍ دقيق كالقرصة (للأغراض الصغيرة) وإمساكٍ قوي (للأغراض الكبيرة). 
يتابع الفريق تطوير المقابض متأملين إمكانية إضافة حساسات يمكن أن تنبه المتحكم بالعربة عندما يلامس المقبض كائن حي ويستشعر فيما إذا كان دقيقاً أو ضخماً ويقوم بالقياسات الأخرى. في النهاية، يكمن هدفهم في القدرة على التقاط الأحياء البحرية في أعماق المحيط والحصول على بيانات فيزيائية وجينية كاملة دون أخذها بعيداً عن موطنها الأصلي.
((يوجد صورة توضيحية: التقاط دقيق لخيار البحر على عمق 1282 متر تحت سطح البحر. الحقوق Vogt et al., 2018, courtesy of Schmidt Ocean Institute)).
يقول مساعد منسّق التأليف للبحث دافيد غروبر David Gruber الحاصل على شهادة الدكتوراه وزمالة رادكليف Radcliffe للعام 2017-2018 والمستكشف في ناشيونال جيوغرافيك National Geographic وبروفيسور البيولوجيا وعلوم البيئة في جامعة مدينة نيويورك CUNY: “القدرة على طباعة أنواع مختلفة من الروبوتات الدقيقة بشكل ثلاثي الأبعاد خلال ساعات لتتفاعل بشكل آمن مع مختلف الأنماط من أحياء البحر لها القدرة على إحداث ثورة في الطريقة التي يتم بها العمل الميداني في مجال دراسة الأحياء البحرية”.
يقول مؤسس ومدير معهد وايس دونالد إنجبير Donald Ingber الحائز على شهادة الدكتوراه وأستاذ علم الأحياء الوعائي ومدير البرنامج في مشفى الأطفال في مدينة بوسطن Boston الأمريكية وبروفيسور الهندسة البيولوجية في SEAS: “تسمح التقنيات الحديثة لنا باستمرار بالتغلب على حدود التقنيات القديمة، والتي تُقبَل في أغلب الحالات باعتبارها “الوضع الراهن” دون أي إجراء لتغييرها. تسمح تكنولوجيا الطباعة ثلاثية الأبعاد والروبوتات الدقيقة لإجراءات التصميم وبناء النسخ المختلفة بأن تحدث في موقع التجربة وليس في المخبر مما يجعل ابتكار الحلول للمشاكل الموجودة أسهل وأسرع وأقل ثمناً”.

nasainarabic.net