- ميير سابيير
- بي بي سي بنغالي، دكا
قبل 38 دقيقة
عندما كشف لي أبو ساركر راحة يده المفتوحة في مكالمة فيديو من منزله في بنغلاديش لم يكن هناك شيء غير عادي في البداية، ولكن عندما دققت النظر تمكنت من رؤية الأسطح الملساء لأطراف أصابعه.
ويعيش أبو، البالغ من العمر 22 عاما، مع أسرته في قرية في منطقة راجشاهي الشمالية، وكان يعمل كمساعد طبي حتى وقت قريب، فيما كان والده وجده مزارعين.
ويبدو أن الرجال في عائلة أبو يتشاركون في طفرة جينية نادرة جدا لدرجة أنه يُعتقد أنها تؤثر فقط على حفنة صغيرة من العائلات في العالم، فهم ليس لديهم بصمات أصابع.
ولم يكن وجود بصمات أصابع أمرا مهما أيام جد أبو، وقال أبو: “لا أعتقد أنه فكر في الأمر على أنه مشكلة”.
ولكن على مدى عقود، أصبحت الأخاديد الصغيرة التي تدور حول أطراف أصابعنا، والمعروفة باسم ديرماتوغليفس، أكثر البيانات الحيوية التي تم جمعها في العالم حيث نستخدمها في كل شيء من المرور عبر المطارات إلى التصويت وفتح هواتفنا الذكية.
وعندما كان أبو لا يزال صبيا في عام 2008، قدمت بنغلاديش بطاقات الهوية الوطنية لجميع البالغين، وكانت قاعدة البيانات تتطلب بصمة الإبهام.
ولم يعرف الموظفون المرتبكون كيفية إصدار بطاقة لأمل ساركر، والد أبو، والذي حصل عليها أخيرا مختومة بـ “لا توجد بصمة إصبع”.
وأصبحت بصمات الأصابع إلزامية لجوازات السفر ورخص القيادة في عام 2010، وبعد عدة محاولات تمكن أمل من الحصول على جواز سفر بإبراز شهادة من لجنة طبية.
ومع ذلك، لم يستخدم أمل جواز سفره مطلقا، ويرجع ذلك جزئيا لخشيته من المشاكل التي قد يواجهها في المطار، وعلى الرغم من أن ركوب الدراجة النارية أمر ضروري لعمله في المجال الزراعي إلا أنه لم يحصل على رخصة قيادة.
وقال أمل: “لقد دفعت الرسوم، واجتزت الاختبار، لكنهم لم يصدروا لي رخصة لأنني لم أستطع تقديم بصمة إصبع”.
ويحمل أمل إيصال دفع رسوم الترخيص معه، لكن لا يساعده ذلك دائما عندما يتم إيقافه، فقد تم تغريمه مرتين.
وقال أمل إنه شرح حالته للضابطين المرتبكين، ورفع أطراف أصابعه لهما، لكن لم يتنازل أي منهما عن الغرامة.
وأضاف أمل قائلا: “إن هذه تجربة محرجة دائما بالنسبة لي”.
وفي عام 2016، ألزمت الحكومة مطابقة بصمة الإصبع مع قاعدة البيانات الوطنية من أجل شراء شريحة للهاتف المحمول.
وقال أبو بابتسامة ساخرة: “لقد بدوا مرتبكين عندما ذهبت لشراء شريحة، وظل برنامجهم يتجمد في كل مرة أضع فيها إصبعي على جهاز الاستشعار”.
وقد تم منع أبو من شراء شريحة، ويستخدم جميع أفراد عائلته الذكور الآن شرائح صادرة باسم والدته.
وتسمى الحالة النادرة التي من المرجح أن عائلة ساركر مصابة بها بأديرماتوغليفيا، وهي حالة أصبحت معروفة على نطاق واسع لأول مرة في عام 2007 عندما اتصلت امرأة سويسرية، في أواخر العشرينات من عمرها، ببيتر إيتين، طبيب الأمراض الجلدية السويسري، حيث كانت تواجه مشكلة في دخول الولايات المتحدة، فرغم تطابق وجهها مع الصورة الموجودة في جواز سفرها لكن لم يتمكن ضباط الجمارك من تسجيل أي بصمات أصابع لها لأنه لم يكن لديها بصمات أصابع.
وعند الفحص، وجد البروفيسور إيتين أن المرأة و8 أفراد من عائلتها يعانون من نفس الحالة الغريبة.. وسادات أصابع مسطحة وانخفاض عدد الغدد العرقية في اليدين.
ومن خلال العمل مع طبيب أمراض جلدية آخر، هو إيلي سبريشر، وطالبة الدراسات العليا جانا نوزبك، فحص البروفيسور إيتين الحمض النووي لـ 16 فردا من العائلة ليجد أن 7 منهم له بصمات أصابع و9 بدونها.
وقال البروفيسور إيتين لبي بي سي: “الحالات المعزولة نادرة للغاية، ولم يتم توثيق أكثر من بضع عائلات”.
وفي عام 2011، استقر الفريق على جين واحد هو إس إم آر سي إيه دي 1، والذي تحور في أفراد الأسرة الـ 9 الذين يفتقدون لبصمات الأصابع، وحدده الفريق البحثي على أنه سبب المرض النادر.
وعمليا لم يكن هناك شيء معروف عن الجين في ذلك الوقت، ويبدو أن تلك الطفرة لا تسبب أي آثار صحية سيئة باستثناء التأثيرات على اليدين.
وقال البروفيسور سبريشر إن الطفرة التي كانوا يبحثون عنها في تلك السنوات أثرت على جين “لم يكن أحد يعرف شيئا عنه”، ومن هنا استغرق الأمر أعواما للعثور عليه.
وأضاف قائلا إن الطفرة أثرت بالإضافة إلى ذلك على جزء محدد جدا من الجين”يبدو أنه ليس له وظيفة، في جين عديم الوظيفة”.
وبمجرد اكتشافه، تم تسمية المرض باسم أديرماتوغليفيا، لكن البروفيسور إيتين أطلق عليه اسم “مرض تأخير الهجرة” بعد مشكلة مريضته الأولى في دخول الولايات المتحدة.
ويمكن أن يؤثر مرض تأخير الهجرة على أجيال من الأسرة.
وقد اضطر غوبيش، عم أبو ساركر، الذي يعيش في ديناجبور، على بعد 350 كيلومترا من دكا عاصمة بنغلاديش، إلى الانتظار لمدة عامين للحصول على جواز سفر.
وقال غوبيش: “اضطررت للسفر إلى دكا 4 أو 5 مرات في العامين الماضيين لإقناعهم بأنني مصاب بهذه الحالة بالفعل”.
وعندما بدأ المكتب الذي يعمل فيه في استخدام نظام الحضور ببصمة الإصبع، كان على غوبيش إقناع رؤسائه بالسماح له باستخدام النظام القديم، وهو التوقيع يوميا في كشف حضور.
وقد قام طبيب أمراض جلدية في بنغلاديش بتشخيص حالة الأسرة على أنها تقرن جلدي راحي أخمصي خلقي، ويعتقد البروفيسور إيتين أنها حالة تطورت إلى أديرماتوغليفيا ثانوية، وهي نسخة من المرض يمكن أن تسبب أيضا جفاف الجلد وتقليل التعرق على راحة اليد والقدمين، وهي الأعراض التي تحدث عنها أفراد أسرة ساركر.
وستكون هناك حاجة إلى مزيد من الاختبارات للتأكد من أن الأسرة لديها شكل من أشكال الأديرماتوغليفيا.
وقال البروفيسور سبريشر إن فريقه سيكون “سعيدا جدا” لمساعدة الأسرة في الاختبارات الجينية، وقد تجلب نتائج هذه الاختبارات لعائلة ساركر بعض اليقين، ولكن لا راحة من النضالات اليومية للتنقل في العالم دون بصمات الأصابع.
وبالنسبة إلى عائلة ساركر المنكوبة بهذه الحالة، يبدو أن المجتمع يصبح غير عملي بالنسبة لهم بشكل متزايد، بدلا من أن يتطور لاستيعاب حالتهم.
فلقد عاش أمل ساركر معظم حياته دون الكثير من المتاعب، لكنه يشعر بالأسف على حال أبنائه.
وقال أمل: “ليس بيدي هذا الأمر، إنه شيء ورثته”.
وأضاف قائلا:”لكن الطريقة التي نواجه بها أنا وأولادي جميع أنواع المشاكل، هذا أمر مؤلم حقا بالنسبة لي”.
وحصل أمل وأبو مؤخرا على نوع جديد من بطاقات الهوية الوطنية الصادرة عن حكومة بنغلاديش بعد تقديم شهادة طبية.
وتستخدم هذه البطاقة بيانات بيومترية أخرى أيضا مثل مسح شبكية العين والتعرف على الوجه.
لكنهم ما زالوا غير قادرين على شراء شريحة هاتف محمول أو الحصول على رخصة قيادة، كما أن الحصول على جواز سفر عملية طويلة للغاية.
وقال أبو: “لقد سئمت من شرح الموقف مرارا وتكرارا، لقد طلبت النصيحة من العديد من الأشخاص ، لكن لم يتمكن أي منهم من إعطائي أي إجابة محددة، واقترح أحدهم أن أذهب إلى المحكمة، فإذا فشلت كل الخيارات ، فهذا ما قد أفعله”.
وأضاف قائلا إنه يأمل في أن يتمكن من الحصول على جواز سفر، فهو يريد السفر خارج بنغلاديش، ويحتاج فقط لبدء تقديم الطلب.