منذ 51 عاما مضت، عرض ستار تريك: المسلسل الأصلي Star Trek: The Original Series على شاشات التلفاز الأمريكية موقدا مخيلات الملايين من الأشخاص. لقد ألهمت ملحمة الخيال العلمي العظيمة هذه بواسطة محركات الاعوجاج وأجهزة النقل والرجال الآليين ومفاوضات الفضائيين جيلا كاملا من العلماء والمخترعين لتصور مستقبلها المتخيل، وفي كثير من الحالات خلق واستكشاف الاحتمالات التكنولوجية التي اقترحها كتابها ومستشاروها العلميون.
سترد فيما يلي خمس أمثلة من العالم الحقيقي لكيفية مساهمة الملحمة في تغيير المستقبل كما نعرفه.
1. ذكرت تقدما كبيرا في فيزياء الكم وعلم الفلك
إن من أهم ما بقي راسخا من ستار تريك هو تقديمه التقدير لفهم البشرية للكون. لقد عرف عن مبتكر البرنامج جين رودنبيري Gene Roddenberry أنه قد وظف فيزيائيا من مؤسسة راند وفريقا من كيلوم دي فورست للأبحاث عندما بدأ البرنامج وذلك للتأكد من صحة تصور كتاب البرنامج للمستقبل.
قال لورنس م.كراوس Lawrence M. Krauss وهو عالم في الفيزياء النظرية في مدرسة الأرض واستكشاف الفضاء التابعة لجامعة أريزونا ومؤلف كتيب “فيزياء ستار تريك”: “أعتقد أنه قد كان هناك إطراء على العلم كأداة في الحلقات الأولى”. يبين كراوس في كتابه كيف أن البرنامج كان على وشك ابتكار كلمة “ثقب أسود” في 1967. لقد قدمت الملحمة التقدير عبر السنوات لنظريات ستيفن هوكينغ Stephen Hawking الجديدة عن الفضاء المنحني وإمكانية السفر عبر الثقوب السوداء والإمكانات النظرية لتجاوز الزمن.
قال كرواس موضحا: “إن الكون الحقيقي أكثر إدهاشا من عالم الخيال العلمي، غير أن الخيال العلمي يوقد مخيلات الناس”. لقد ساعد ستار تريك في إيصال فهم العالم العلمي للكون إلى غرف معيشتنا، كما ساهم في إلهام جيل جديد من العلماء لتوسيع فهمهم للفيزياء في العالم الحقيقي.
2. تصورت ظهور الحواسيب والذكاء الاصطناعي
من الممكن أن معجبي ستار تريك يعتبرون أنظمة حاسوب الأنتبرايز الصوتية وأجهزة المراقبة التي تشتغل باللمس على الشاشة أمرا مسلما به، لكن تذكر أن المسلسل قد ابتكر في وقت كانت فيه الحواسيب تشغل غرفة بأكملها. بالرغم من عدم تحقق توقعات البرنامج لكيفية استخدامنا للحواسيب في حياتنا اليومية دائما (الانترنت)، إلا أن الفضل يرجع له في إلهام مجموعة متنوعة من تكنولوجيات الحواسيب الحديثة والحقيقية. فكر في الأقراص المرنة وتخزين الفلاش ومحركات USB، أو الأنظمة الصوتية مثل سيري Siri وإيكو Echoوأليكسا Alexa التي مازالت تبدو مشابهة بشكل غريب للحواسيب التي نسمعها في كون كابتن كيرك.
قال كراوس الذي أصبح هو أيضا من معجبي البرنامج ومستشارا فيزيائيا غير رسمي للبرنامج بعد تأليف كتابه: “هناك الكثير من معجبي ستار تريك في المجتمع العلمي. إنها تشبه معضلة البيضة والدجاجة؛ هل كانوا مهتمين بستار تريك لأنه جعلهم يهتمون بالعلم؟ أم أنهم كانوا مهتمين بستار تريك لأن اهتمامهم بالعلم كان يعني أنهم سيحبون البرنامج؟ أعتقد أن الأمر صحيح في كلا الحالتين”.
في الواقع، لا يزال المسلسل يلهم التقدم في الحواسيب الحديثة والذكاء الاصطناعي. حين سئل رئيس الجمعية الأمريكية للذكاء الاصطناعي عن الهدف الأعظم لميدانه، أجاب بالقول: “الملازم القائد داتا”.
3. تنبأت بتطور التكنولوجيا الطبية الحديثة
تقول الإشاعات أنه عند ظهور جهاز الفحص الطبي Tri-corder وجهاز العلاج bio-bed في المسلسل خلال الستينات، اتصل مطورو تكنولوجيات يعملون في سيمنز و جينيرال إيليكتريك بجين رودنبيري وسألوه عن كيفية معرفته بما كانوا يشتغلون عليه—أجهزة ستصبح فيما بعد النسخ الأولى لأجهزة التصوير بالرنين المغناطيسي والموجات فوق الصوتية. لقد تصور البرنامج مسبقا الفكرة الثورية التي تقول بأن الطب الحديث قد يتمكن يوما ما من تشخيص وعلاج الحالات المرضية بدون اللجوء إلى الجراحة.
لا يزال الباحثون الطبيون في وقتنا الحالي بصدد فهم ما تصوره كاتبو ستار تريك للمستقبل. لا يزال جهاز Qualcomm Tricorder XPRIZE يتحدى فرق البحث كل سنة لتصميم جهاز يحمل في اليد يستطيع تشخيص العديد من الحالات المرضية. في أواخر التسعينيات، طور علماء ناسا جهازا منخفض الرؤية يرتدى على الرأس أسموه JORDY نسبة إلى جهاز جوردي لا فورج Geordi La Forge الذي يحمل اسم VISOR الذي ظهر في The Next Generation. لا يجب أن ننسى أيضا التقدم الحديث في تكنولوجيا الشبكة الافتراضية المتمثلة في أجهزة تنظيم دقات القلب، والأطراف الاصطناعية المتحكم فيها بالأعصاب، والأجهزة المزروعة في القشرة الدماغية التي تنبأ بها كاتبو البرنامج حين ابتكروا واحدا من أكبر أعداء كابتن بيكارد النجميين: البورغ The Borg.
4. قدمت تصورا للتفاصيل المتعلقة باستكشاف الفضاء في المستقبل
إن أحد أهم إنجازات ستار تريك عبر السنوات هو وضع مفاهيمنا العلمية في ذلك الوقت في قالب موسع من اختراعه الخاص، ومن أهمها فكرة محرك الاعوجاج. في الأيام الأولى لكتابة البرنامج، كان على TOS Alumni إيجاد طريقة تمكن البشر من السفر من نجم إلى نجم بالسرعة الزمنية التي تتوافق مع حلقة واحدة. لقد فعلوا ذلك بتعديل استمرارية الزمكان التي وضعها إينشتاين في نهاية الأربعينيات، والتي تتمثل بشكل أساسي في خلق اعوجاج في الفضاء حول المركبة الفضائية لتمكينها من السفر أسرع من الضوء، وبالتالي فقد قدم البرنامج تصورا لاستكشاف واستعمار الفضاء في المستقبل.
بالرغم من أن محرك الاعوجاج قد يبدو مستحيلا، إلا أنه قد صنف كإمكانية فرضية في 1994 عندما اقترح الفيزيائي المكسيكي ميغال ألكوبييري Miguel Alcubierre بأن تقصير الفضاء أمام مركبة فضائية وتطويله بنفس الكمية من الخلف قد يخلق فقاعة آمنة تسافر بها المركبة بسرعات تفوق سرعة الضوء.
قال كراوس: “مع الأسف إن ذلك غير عملي”. سنكون بحاجة لمصدر طاقة يساوي 20,000 ميغا طن من مادة TNT لخلق فقاعة الاعوجاج تلك—وهو الأمر الذي حله البرنامج بذكاء بمزيج من تفاعلات المادة والمادة المضادة (والتي ثبت مؤخرا بأنها إمكانية علمية حقيقية) وكريستالات الديليثيوم الخيالية كمصدر للطاقة. قال كراوس: “إن المدهش في الأمر هو أن بعض الأشياء في ستار تريك التي ظننت بصراحة أنها مستحيلة حين ألفت الكتاب ليست كذلك”.
5. ألهمت أجهزة التواصل الحالية
قال كراوس مازحا: “لا أعتقد أن هاتفي الخلوي الأول كان سينفتح لو لا جهاز التواصل الخاص بستار تريك”. في الواقع، لقد حيّر تصور المسلسل للتواصل اللاسلكي الفوري مشاهدي البرنامج الأوليين الذين كانوا معتادين في ذلك الوقت على التحدث مع بعضهم البعض بواسطة مشغلات الهاتف وأسلاك النحاس. في الواقع، لقد اعترف مارتي كوبر Marty Cooper من شركة موتورولا الذي يعتبر أب الهواتف الخلوية الحديثة بأن مسلسل الخيال العلمي قد ألهم تصميمه لسماعات الشركة التجارية الأولى DynaTAC 8000x في 1983.
لقد تنبأ المسلسل كذلك بالعديد من الأفكار المبتكرة في تكنولوجيا الاتصال، بما في ذلك البلوتوث (جهاز الأذن الذي ارتدته الملازم أوهورا) وأجهزة الإرسال وتحديد المكان مثل نظام الملاحة GPS، وLojack وRFID، وتجاربنا الحالية في مجال أجهزة الترجمة العالمية، ولا يمكن أن ننسى ألواح شاشات اللمس التي ظهرت في The Next Generation، وهي تطور علمي واضح يخص اللوح الإلكتروني الذي ظهر في المسلسل الأصلي وهو ما يشبه بشكل كبير أجهزة الآيفون والآيباد في وقتنا الحالي.