الحبسة هي اضطرابٌ لغويٌّ ينجم عن أذيّةِ منطقةٍ معيّنةٍ من الدماغ مسؤولةٍ عن التعبير والإدراك اللغويين، فيصبحُ الفردُ غيرَ قادرٍ على التواصل بشكلٍ فعّالٍ مع الآخرين.

غالباً ماتحدث الحبسة نتيجةَ سكتةٍ دماغيّةٍ أو بسبب أذيةِ الرأس؛ أي بشكلٍ مفاجئ، لكن يمكن للحبسةِ أن تتطوّرَ ببطءٍ في حال الإصابة بمرضٍ عصبيٍّ مترقٍّ أو ورمٍ دماغي، وقد تنجم الحبسة عن الإصابة بعدوى ما، وقد ترافقُ الخرف dementia ونلاحظُ أنها تصيبُ الذكور والإناث بنسبٍ متساويةٍ مع الميل لحدوثها لدى متوسطي وكبار العمر من كلا الجنسين.

– ماهي أنماط الحبسة؟

تتعدد أنماط الحبسة تبعاً للمنطقة المتضرِّرة من الدماغ، ومدى الضَّرر الذي لحق بها، علي سبيل المثال:

١- حبسة بروكا Broca’s aphasia: تكون الأذية في الجزء الأمامي للقسم المسؤول عن اللغة في الدماغ.

٢- حبسة فيرنيك Wernicke’s aphasia: وهنا تكون الأذية في الجزء الجانبي للقسم المسؤولة عن اللغة في الدماغ.

٣- الحبسة الشاملة: يترافق هذا النمط مع أذية جزءٍ كبيرٍ من القسم المسؤول عن اللغة.

وبالتالي فإنَّ الأعراض تختلفُ تبعاً للمنطقة المصابة وذلك وفقاً لمايلي:

١- في حال الإصابة بحبسة بروكا: قد يستطيعُ الأشخاص فهمَ الكلامِ الموجَّه لهم، كما أنَّهم يدركون مايريدون قولَه، لكنَّهم يبذلون جهداً كبيراً للنُّطق بالكلمات، ويُلاحَظُ خلال حديثهم أنهم يحذفون كلماتٍ صغيرة، كما يحذفون حروف العطف، و “ال التعريف”.

بالإضافة لذلك، يعاني هؤلاء الأفراد من ضعفٍ في الجانب الأيمن من الجسم، أو شللٍ في الذراعِ والقدمِ اليُمنَى، نظراً لأنَّ الفصَّ الجبهي يلعبُ دوراً هامّـاً في التّحكُّم بحركات الجسم أيضاً.

٢- في حال الإصابه بحبسة فيرنيك: هنا يتحدثُ الأشخاص بسهولةٍ وطلاقةٍ بعباراتٍ طويلة لا معنًا لها، أو قد يتفوهون بكلماتٍ غير ضروريةٍ، كما أنهم لايستطيعون فهمَ الكلام الموجَّهِ لهم عادةً، ولايدركون عدمَ قدرةِ الآخرين على فهم كلامهم.

٣- في حال الحبسة الشاملة: يترافقُ هذا النمط بضعفٍ في الفهم، وصعوبةِ تكوينِ الكلمات والجمل، حيث يعاني الأشخاص من إعاقةٍ شديدةٍ في التعبير والفهم.

– كيف تُشخَّص الإصابة بالحبسة؟

يتمُّ ذلك عن طريق مجموعةٍ شاملةٍ من الاختبارات اللّغويّة التي يجريها اختصاصي أمراض النطق واللغة، كما يمكن الاستعانة بوسائلَ تشخيصية أخرى، مثل:
التصوير المقطعي المحوسب”CT”، والتصوير بالرنين المغناطيسي”MRI”، والتصوير المقطعي بالإصدار البوزيتروني”PET” بهدف تأكيد الإصابة الدماغية، وتحديد موقعها بدقة.

– ماهو علاج الحبسة؟

يُلاحِظُ الأشخاصُ المصابون بالحبسة تحسُّناً كبيراً في لغتهم، وقدراتهم على التواصل في الأشهر القليلة الأولى التالية للإصابة -حتى بدون علاج- ولكِنْ قد تبقى الحبسةُ بعد فترة التعافي الأولية في العديد من الحالات؛ فنلجأ لعلاجِ النطقِ واللغةِ لمساعدةِ المرضَى على استعادةِ قدرتِهم على التواصل؛ إذ أثبتت الدراسات أنَّ القدرات اللغوية، وقدرات التواصل لدى الفرد يمكن أن تستمرَّ في التحسن لأشهرٍ وسنواتٍ عديدة تالية للإصابة.

يهدفُ علاجُ الحبسة إلى تحسين قدرة الفرد على التواصل من خلال مساعدته في استخدام القدرات اللغوية المتبقية، وتحسينها، واستعادة القدرات اللغوية المفقودة قدر الإمكان، وتعلُّم طرقٍ جديدة للتواصل مع الاخرين؛ كالإيماء، واستخدام الصور والأجهزة الالكترونية.

مِنْ المهم التأكيدُ على الدور الحاسم للأسرة في علاج الحبسة، فمن الضروري لأفراد الأسرة معرفة أفضلَ طريقةٍ للتواصل مع قريبهم المصاب بالحسبة، ومن أهم التوصيات الموجهة لأسرة المصاب:

أ) استخدامُ جملٍ قصيرةٍ، وكلماتٍ بسيطةٍ وواضحةٍ، وتكرارُ الكلماتِ الأساسية، وكتابتها بهدف توضيح المعنى المراد منها.

ب) إشراكُ الشخص المصاب بالحبسة في المحادثات، وعدم تصحيح أخطائه أثناء التكلم.

ج) إعطاءُ الشخصِ المصاب بالحبسة وقتاً كافٍ للتعبير عن نفسه.

د) التواصلُ مع المصابِ بالحبسة بكلِّ الطرقِ الممكنة، كالتحاور، الإيماء، الإشِارة، والرسم.

هـ) يمكن لأجهزة الحاسوب أن تفيد في التواصل وتحسين القدرات اللغوية للمصابين.

– ماذا يقدّمُ العلم لهذا المرض؟

يختبرُ الباحثونَ أساليبَ جديدة لعلاجِ النطق ومشاكل اللغة لدى المصابين بالحبسة؛ سواءٌ كانت حديثةً أو مزمنةً، ومن هذه الأساليب:

تحسين القدرات المعرفية المُساهِمة في تكوين وبناء اللغة، كالذاكرة قصيرة الأمد، والانتباه، كما يمكن للتمثيل العقلي للأصوات والكلمات والجمل أن يساعد في علاج المرض، بحيث يصبح من السهلِ الرجوعَ إليها عند الحاجة.

يختبرُ الباحثون دورَ الأدويةِ في علاج الحبسة الكلامية، وإمكانيَّة استخدامِ الأدويةِ المؤثرة على النواقل العصبية الكيميائية في الدماغ مع العلاج اللغوي لتحسين إمكانية استعادة وظائف اللغة المختلفة.

يُعتَـبَـرُ تحفيزُ الدماغ غيرُ التداخلى المُستخدَم إلى جانب العلاج اللغوي من الأمور المثيرة للاهتمام في أبحاث مرض الحبسة، فهو يعتمد على تغيير النشاط الطبيعي للدماغ بشكلٍ مؤقتٍ في المنطقة المُحفّزَة، ويدرس الباحثون دورَ هذا التغيير في مساعدة الأفراد المصابين بالحبسة على إعادة تعلُّمِ استخدام اللغة، ويشمل التحفيز طريقتين:

• التحفيز المغناطيسي عبر القحف(TMS).
• التحفيز باستخدام التيار المباشر عبر القحف(tDCS).

وهكذا نرى أنَّ الدراسات العلمية لازالت جارية بهدف علاج هذا المرض، وتحسين نمط حياة المرضى، وتوفير حياةٍ اجتماعيةٍ مريحةٍ لهم.

nasainarabic.net