- ماريكو أوي
- بي بي سي نيوز – كيوتو
قبل 13 دقيقة
تخيل لو كان بإمكانك وضع صفيحة طاقة شمسية رقيقة جداً وشفافة على نافذتك لتوليد الطاقة، ليس فقط من ضوء الشمس بل ومن الأضواء الاصطناعية داخل غرفتك أيضاً؟
يُنظر إلى هذه التقنية، المسماة بيروفسكايت، على أنها أكثر الخلايا الشمسية الواعدة من الجيل المقبل، وهي بالضبط ما تحاول شركة Enecoat Technologies اليابانية تطويرها.
عندما تصبح التقنية جاهزة، تأمل الشركة التي يقع مقرها في كيوتو، أن تنتج الصفيحة نفس الكمية من الطاقة مثل الألواح الشمسية العادية من نفس الحجم.
يقول المؤسس المشارك والرئيس التنفيذي للشركة، ناويا كاتو: “نأمل في تسويقها في غضون ثلاث إلى أربع سنوات”. “ولكن لاستخدامها في الهواء الطلق، نحتاج إلى جعلها متينة مقاومة لكل الظروف الجوية، لذلك سيستغرق ذلك وقتاً أطول”.
الشركات الناشئة مثل هذه تحمل اسم “التكنولوجيا العميقة”.
إنها شركات صغيرة تزاوج بين الابتكار الهندسي عالي التقنية والاكتشافات العلمية.
ومن المـأمول أن يؤدي ذلك إلى تطوير منتجات ثورية، لكن إطلاق منتج ناجح في هذا القطاع يستغرق وقتاً طويلاً، ونتيجة لذلك، قد تكون الصناديق الاستثمارية الخاصة التي تمنح القروض لأصحاب هكذا مشاريع أكثر حذراً في الاستثمار فيها.
وهنا يأتي دور جامعة كيوتو الحاسم. ربما تشتهر الجامعة بالعدد الكبير من جوائز النوبل التي حصدها الأكاديميون فيها مقارنة بأي جامعة أخرى في آسيا (11 جائزة)، لكنها تشتهر أيضاً بتمويل الشركات الناشئة الجديدة من قبل الطلاب والباحثين من خلال صندوقي تمويل.
شركة “إينيكوت تكنولوجيز” هي واحدة من المستفيدين، وحصلت على إجمالي 500 مليون ين، أي ما يعادل 3.6 مليون دولار.
قدمت الحكومة اليابانية للجامعة 300 مليون دولار في عام 2015 لتشجيع ريادة الأعمال.
يقول كوجي موروتا، الذي يرأس مكتب الجامعة للتعاون الأكاديمي المجتمعي من أجل الابتكار: “جامعة كيوتو قوية في مجالات العلوم الصعبة للغاية مثل الطب التجديدي والخلايا الجذعية وتكنولوجيا الطاقة النظيفة”.
“ولكن وصول شركات التكنولوجيا العميقة هذه إلى مرحلة الإنتاج التجاري والربح، يتطلب وقتاً طويلاً ومبلغاً كبيراً من المال”.
يضيف موروتا أنه في حين أن فترة الاستثمار النموذجية لصندوق رأس المال الاستثماري قد تتراوح من ثماني إلى عشر سنوات، إلا أن هذه ليست فترة طويلة بما فيه الكفاية في مجال التكنولوجيا العميقة، لذلك تقدم الجامعة الدعم المالي لفترة قد تصل إلى 20 عاماً.
منذ أن افتتحت جامعة كيوتو قسم الابتكار وصندوق الاستثمار الخاص بها قبل سبع سنوات، تضاعف عدد الشركات الناشئة التي أنشأها طلابها ووصل إلى 242 شركة ناشئة.
وجامعة كيوتو هي ثاني جامعة تتلقى الدعم المالي الحكومي في هذا المجال، إذ سبقتها جامعة طوكيو، لكن معدل نمو جامعة كيوتو أعلى من ذلك بكثير من جامعة طوكيو.
ولكن حتى قبل أن تبدأ الجامعة في تقديم الدعم لرواد الأعمال، تعتبر مدينة كيوتو منبع الشركات الناشئة، ومثال على ذلك لعبة ننتيندو.
قد تكون الآن لعبة كمبيوتر عملاقة، ولكن عندما انطلقت في عام 1889 كانت تنتج أوراق اللعب.
شركة أخرى ناجحة تأسست في كيوتو هي شركة كيوسيرا العملاقة للتكنولوجيا، التي أسسها الراحل كازو إيناموري، أحد أشهر قادة الأعمال في اليابان في عام 1959.
من قصص نجاح الأعمال مؤخراً في المدينة، شركة تصنيع الرقائق الإلكترونية “فلوسفيا” الناشئة في مجال التكنولوجيا العميقة. وبدعم من الجامعة أيضاً، تقوم الشركة بتصنيع رقائق إلكترونية مخصصة لتحسين كفاءة استهلاك الطاقة، وبالتالي إطالة عمر منتجات مثل السيارات الكهربائية.
يقول توشيمي هيتورا، خريج جامعة كيوتو ورئيس شركة فلوسفيا: “ينبع تميز كيوتو من كونها مدينة صغيرة ومتنوعة، وتقع الجامعة في قلبها، ومع وجود العديد من الباحثين في مجتمع صغير، يمكن لأي شخص الحصول على المعلومات اللازمة لبدء مشروع تجاري”.
“لكن جميع مؤسسي الشركات الواقعة في كيوتو يقولون أيضاً بعكس الشركات الموجودة في طوكيو، إنه ليس لديهم العدد الكافي من الزبائن هنا في كيوتو، لذلك كان عليهم التفكير على المستوى العالمي منذ البداية”.
ويضيف هيتورا: “لقد مرت أكثر من 10 سنوات منذ أن أسسنا شركة فلوسفيا، لأن التكنولوجيا العميقة تستغرق زمناً طويلاً، وأشعر أن سكان كيوتو يدركون ذلك”.
قبل حوالي 30 عاماً، كانت اليابان رائدة في صناعة أشباه الموصلات، لكنها اليوم تمتلك أقل من عشرة في المئة من حصة السوق العالمية.
بالنسبة لشركة فلوسفيا، يمثل حصولها على نصيب ملموس من سوق صناعة أشباه الموصلات العالمية الشديدة التنافس، والتي تهيمن عليها شركات مثل سامسونغ الكورية الجنوبية و TSMC التايوانية، تحدياً كبيراً لها، خاصة وأن الصين والولايات المتحدة تحاولان أيضاً ترك بصمتهما على السوق.
في الولايات المتحدة، يقود الجهود في هذا المجال البيت الأبيض، حيث أقر مجلس النواب قانوناً حكومياً في تموز/يوليو، تعهدت بموجبه الحكومة بتقديم حزمة دعم بقيمة 280 مليار دولار، لإنتاج الرقائق محلياً وإجراء الأبحاث في هذا المجال.
ترغب الولايات المتحدة في تقليل اعتمادها على الدول الأخرى في مجال الرقائق الإلكترونية.
لكن هيتورا يعتقد أن المنتجين اليابانيين أمثاله، يتمتعون بميزات خاصة.
“اليابان جيدة في إجراء البحوث الأساسية والعمل باستخدام مواد جديدة، لذلك أشعر أن لدينا إمكانات كبيرة”.
ويضيف أن فلوسفيا لديها الآن تحالفات مع معظم الشركات الرئيسية المصنعةللرقائق الإلكترونية في تايوان.
“هناك طلب عالمي كبير على أشباه الموصلات، لذلك قد تحاول بعض الحكومات التدخل لضمان الإمداد لأسواقها المحلية، لكن إنتاج أشباه الموصلات يستغرق زمناً طويلاً”.
“لإنتاجها بكميات كبيرة، نحتاج إلى الكثير من الأطراف الفاعلة والكثير من الشركات في العديد من البلدان. ولهذا السبب أعتقد أن تحالفاتنا مع الشركات الأخرى مهمة”.
ونظراً لأن اليابان تحاول اللحاق بالركب في مجال أشباه الموصلات، فإن قدرة جامعة كيوتو على أداء دور فاعل على مدار سنوات عديدة بالتعاون مع شركات مثل فلوسفيا، تعزز الأمل في نجاح البلاد.