صورة لأحد رواد الفضاء أثناء عمله على سطح القمر المغبّر. حقوق الصورة: (NASA ©).

لن تدرك ذلك بالنظر إلى القمر فقط، لكنه في الواقع كبسولةٌ زمنيةٌ، إذ واجه سطحه الفراغ ما يقارب 4.5 مليار سنة، وفي غضون ذلك غذّته جزيئات شمسية وأخرى من خارج النظام الشمسي. بقيت هذه الجسيمات مدفونةً تحت سطح القمر، ما وفّر سجلًا مفصلًا لتاريخ نظامنا الشمسي، وحتى مجرتنا بأكملها؛ كل شيء هناك، ونحن فقط بحاجة للبحث والحفر.

الشمس


إلى جانب الضوء، تُصدر شمسنا باستمرار رذاذًا ثابتًا من الجسيمات عالية الطاقة، والمعروفة مجتمعةً باسم الرياح الشمسية. تتكون الرياح الشمسية بشكلٍ أساسيٍّ من الإلكترونات والبروتونات، لكن النواة الثقيلة في بعض الأحيان تنزلق من طوق جاذبية الشمس.

تتدفق الرياح الشمسية عبر النظام الشمسي بأكمله، لكن قلّة من هذه الرياح تصل إلى سطح الأرض، حيث يمكننا دراستها بسهولة أكبر. بسبب مجال الأرض المغناطيسي -الذي يقوم بعمل رائع في إعادة توجيه مسارات تلك الجسيمات المشحونة وإجبارها على اتّباع طرق محددة حول كوكبنا- وغلافها الجوي الذي يمتص الجزء الأكبر من الرياح الشمسية على شكل شفق قطبي جميل.

ليس للقمر أيٌ من هذه الميزات، على الأقل، لم يحدث ذلك في الـ 4.5 مليار سنة الماضية. في الماضي عندما كان القمر لينًا، من المحتمل أنه امتلك مجالًا مغناطيسيًا مؤقتًا، لكن هذا كان في الماضي البعيد. طوال هذه المليارات من السنين، كان القمر يمتص جزيئات الرياح الشمسية بشكل مطّرد إلى أرضيته.

في مواجهة ذلك الهجوم المستمر، تغيّرت الأرضية، وربما تكون الجسيمات عالية الطاقة قد عطلت التركيب الكيميائي لسطح القمر.

ويبدو أن عناصر مثل البوتاسيوم التي يجب أن توجد بكثرة، قد تحولت إلى عناصر أخرى طفت بعيدًا.

لقد تعرض الغبار القمري أيضًا لحروقٍ شمسية، وعلى الرغم من أن كلّ جسيمٍ فرديٍّ صغيرٍ جدًا، فإنّه ليس للقمر غلافٌ جوي، وبالتالي لا يتعرض للتآكل، تاركًا نفس النفايات لمواجهة الشمس مرارًا وتكرارًا، ويمزّق كل جسيم شمسي صغير ثقبًا مجهريًا في تلك النفايات، ومن خلال دراسة البنية الأرضية للقمر، يمكننا رؤية سجل توهج الشمس.

تستشيط الشمس أحيانًا، مرسلةً دفعاتٍ شديدة من الجسيمات عالية الطاقة أعلى بكثير من رذاذ الرياح الشمسية المعتاد، وكان على القمر أن يواجه هذه الانفجارات مرارًا وتكرارًا لمليارات السنين. كلما زادت طاقة الحدث، تعمقت جزيئات الرياح الشمسية في الأرضية القمرية، لذا فإن الحفر سيخبرنا عن أوقات إلقاء الشمس لنوبات الغضب في الماضي.

بصمات المجرة


الشمس ليست المصدر الوحيد للجسيمات الدقيقة عالية الطاقة التي تسبح في النظام الشمسي، ولكن تأتي الجزيئات من خارج حدود نظامنا، ولها اسم مختلف: “الأشعة الكونية”. إنها ليست أشعةً على الإطلاق، ولكنها مزيج من البروتونات والنوى الأثقل التي تأتي من جميع الاتجاهات، وعادةً ما تملك طاقةً أكبر من الرياح الشمسية التي تمكنت من عبور الخلجان البينجمية، وبعد كل شيء، هذا ليس بالأمر السهل.

تأتي الأشعة الكونية من مجموعة متنوعة من العمليات فائقة القوة في المجرة، وأبرزها انفجارات المستعر الأعظم التي تمثل الموت النهائي للنجوم الضخمة، يمكن لهذه الانفجارات العملاقة أن تسطع على مجرات بأكملها وتطلق فيضانًا مؤذيًا من الأشعة الكونية.

لحسن الحظ، لسنا قريبين في أي مكان من حدث مرتقب للمستعر الأعظم، حتى المرشحون مثل العملاق الأحمر منكب الجوزاء (Betelgeuse) بعيدون جدًا عن إلحاق الضرر بنا، لكن لم تكن الحال هكذا دائمًا. بسبب مدارنا حول مركز درب التبانة، يمر النظام الشمسي عبر ذراع حلزوني مجري كل 180 إلى 440 مليون سنة، ويكمن الشك الكبير حول ذلك بصعوبة قياس سرعة دوران الأذرع نفسها.

الأذرع الحلزونية هي أماكن تكون فيها النجوم مكثفة داخل المجرات؛ لهذا السبب تبرز الأذرع الحلزونية كثيرًا عندما ننظر إلى المجرات البعيدة، فهي موطن لنجومٍ زرقاء ضخمةٍ ومشرقةٍ، لكنّ النجوم الزرقاء الضخمة الساطعة لا تعيش طويلًا، وعندما تموت تميل إلى الارتفاع في وميض مستعر أعظم.

لذلك في المليارات القليلة الماضية، اقترب نظامنا الشمسي على الأرجح من أكثر من بضع مفاجآت سيئة للمستعر الأعظم، وسوف يمتص الغلاف الجوي للأرض الأشعة الكونية المنبعثة من هذه الانفجارات، وإذا وصل أي منها إلى السطح وزرع نفسه في قشرة كوكبنا، فإن التآكل والنشاط البنائي سيمحوان في النهاية أي ذكرى للكارثة.

يتذكر القمر أن للأشعة الكونية عالية الطاقة قدرةً على ترك آثارٍ صغيرة في التربة القمرية، التي يمكن رؤيتها تحت المجهر. يمكن للأشعة الكونية أيضًا تغيير التركيب الجزيئي للأرضية القمرية، ما يؤدي إلى تحطيم النوى وتحويلها. وأخيرًا، يمكن للأشعة الكونية أن تتهادى محبوسةً في تراب القمر بعد ولادتها المتفجرة ورحلتها الطويلة.

البحث عن الأحافير الصغيرة


جمع البشر عيناتٍ من القمر سابقًأ، إذ أعادت كل من بعثات أبولو (Apollo) الست التي قامت بها ناسا في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي هدايا تذكارية، وحمل المسبار الصيني شينج 5 (Chang’e 5) أول صخور قمرية جديدة منذ عقود في وقت سابق من هذا الشهر.

لكن لا يكفي تجميع الصورة الكبيرة التي يبحث عنها العلماء، ووفقًا لورقة بحثية نُشرت على خادم ما قبل الطباعة أركسيف arXiv في تشرين الثاني/نوفمبر، فإننا نحتاج إلى المزيد من صخور القمر ونحن بحاجة إلى حفر متر واحد على الأقل وجمع عينات من أي مواقع عديدة قدر الإمكان، لاستغلال القمر بشكل موثوق كحافظ للأحداث الشمسية والمجرّية.

إنه لأمرٌ جيد أن ترغب وكالة ناسا ووكالات الفضاء الأخرى في بناء بيئات طويلة المدى على سطح القمر، وسنحتاج إلى تلك المرافق لبدء دراسة النفايات القمرية بمزيد من التفاصيل، وكشف تاريخ نظامنا الشمسي وممرنا عبر المجرة.

nasainarabic.net