صورة ليلية للسماء التقطت بواسطة كاميرا المسبار الفضائي “إنسايت” المخصص لدراسة سطح المريخ في يناير/كانون الثاني 2020.
حقوق الصورة:  (NASA/JPL-Caltech)

تعكس هذه المرحلة مستوى متطورا من الرصد، حيث يستخدم العلماء صورا تم إلتقاطها بواسطة مسبار “إنسايت” للبحث عن شهب على سطح المريخ.

بإلقاء نظرة سريعة على الصور، تبدو النتائج واضحة: خطوط لا حصر لها تملؤ السماء. لكنها منحرفة قليلاً، ويتبين أن القصة أكثر سريالية. حيث تظهر أطياف الصور، ويصبح الخفي مرئيا، ويغرق المرئي بين ثنايا هذه الخدع البصرية.

في الواقع، إذا كنت على سطح المريخ وقت سطوع النجوم، فإنك سترى عالما مختلفاً بالكامل عما يظهر في الصور الليلية التي يرسلها المسبار “إنسايت” إلينا.

وقد قال مارك ليمن وهو  عالم تابع لمعهد علوم الفضاء وهو قائد مشروع مراقبة الشهب متحدثا لموقع Space.com  :”في الأساس، إن المحتوى الذي يمكن رؤيته بالعين المجردة ضئيل جداً في الصور التي حصلنا عليها حتى الآن.”
 

التقطت الصورة بواسطة جهاز يسمى “ICC” ,وهو أحد الجهازين المتبثين على مسبار “إنسايت.” وقد تم إضافة الكاميرا لمساعدة العلماء في فهم المكان الذي نشرت فيه المعدات الأساسية للمركبة.

ويعتبر مقياس الزلازل -و هو أحد معدات المركبة- السبب وراء البحث عن الشهب. حيث صُمم لاستشعار موجات الإهتزازات التي تنتقل عبر المريخ، وبالتالي يمكن للعلماء تحليل تلك البيانات لفهم نشاط وبنية الكوكب الداخلية.

قد تنشأ هذه الموجات من الهزات الزلزالية بالمريخ والتي تعرف ب “marsquakes.”

ويمكن أن تحدث في حال إرتطام حجر نيزكي على سطح الكوكب.

وبالتالي، فإن اهتمام العلماء بالشهب يكمن في مساعدة الباحثين في تفسير بيانات مقياس الزلازل عن طريق حساب عدد مرات حدوث التأثيرات السابقة على المريخ.

صورة: صورة سماء ليلية التقطت بواسطة المركبة الفضائية "سبيريت" سنة 2005 تشير إلى ظهور نجوم و سمات أخرى. حقوق الصورة: (NASA/JPL-Caltech/Cornell/Texas A&M/SSI)

صورة: صورة سماء ليلية التقطت بواسطة المركبة الفضائية “سبيريت” سنة 2005 تشير إلى ظهور نجوم و سمات أخرى. حقوق الصورة: (NASA/JPL-Caltech/Cornell/Texas A&M/SSI)

إن هذه المجهودات لا تمثل المجهودات الوحيدة التي قام بها العلماء لمراقبة الشهب في سماء المريخ. فمركبة “سبيريرت الفضائية والتي جالت على سطح المريخ من علم 2004 حتى 2010، أمضت صيف سنة 2005 بأكمله في مراقبة السماء. وقد أُتيحت هذه الفرصة بفضل حالة الطقس التي أزالت الكثير من الغبار عن الخلايا الشمسية للمركبة التي كانت تنتج الطاقة بطريقة مبالغ بها، حيث كان هذا الأمر نعمة لكن سرعان ما تحولت إلى نقمة!

يقول ليمون: “لقد كانت تلك الفترة أحد أكثر اللحظات نقاء والأكثر خلاء من الشوائب قد أمضته المركبة على سطح المريخ إطلاقا”. ويضيف ” خلال هذا الصيف، كان هناك الكثير من الطاقة الشمسية التي اضطروا لاستخدامها ليلاً، فحتى محاولة إهمالها فإن مجرد استخدامها خلال النهار كان يزيد من سخونة المسبار أكثر من اللازم.”

إذاً، فقد أمضت “سبيريت” ليال في مراقبة السماء، لكن لم يلاحظ العلماء وجود أي شهب ضمن البيانات. بالنظر إلى مستوى دقة الملاحظات التي تم جمعها إجمالياً، فإن هذا لا يعد حاسما بشكل كبير، فقد يعني هذا أن عدد الشهب التي تصل إلى المريخ أقل مما توقع العلماء، أو ببساطة أن الفريق لم يحالفه الحظ.

صورة: صور متحركة تم إلتقاطها بواسطة مركبة "سبيريت" الخاصة بقمري المريخ عام 2005، بالإضافة لعنقود "الثريا" النجمي. حقوق الصورة تابعة ل: (NASA/JPL/Cornell/Texas A&M)

صورة: صور متحركة تم إلتقاطها بواسطة مركبة “سبيريت” الخاصة بقمري المريخ عام 2005، بالإضافة لعنقود “الثريا” النجمي. حقوق الصورة تابعة ل: (NASA/JPL/Cornell/Texas A&M)

مركبة إنسايت التي وصلت في نوڤمبر/تشرين الثاني 2018، تولت تلك المهمة كمشروع منخفض الأولوية. جاءت الصور الأولى من الكاميرا “IDC” المتصلة بذراع المركبة والتي يمكن توجيهها إلى مواقع محددة.

لكن منذ شهور، كانت هناك مهام أكثر إلحاحاً لكاميرا “Instrument Deployment Camera” من الشهب.

 

فالالأداة الأساسية الثانية ل”إنسايت” عبارة عن مُجس للحرارة يسمى ب”المول” The Mole  و الذي قام بعمل شاق. فهو يطمر نفسه بعمق 16 قدماً (5 أمتار) أسفل السطح، لقياس النقل الحراري في صخور المريخ.

 

وتمر عملية الحفر ببطئ. وبشكل عام، فإن المجس يكافح لينغمس باتجاه الصخر. حيث تُدفع الأداة عن مكانها جزئياً في بعض الأحيان.ويشار الى أن المقصود بالصعوبات التي يواجهها أداة “المول” هو أن الكاميرا IDC تركز على تزويد المهندسين بأدلة بصرية عما يحدث للمُجس، وبالتالي لا يوجد وقت لمراقبة السماء.

صورة: صورة سماء ليلية التقطت بواسطة كاميرا المركبة إنسايت "Instrument Deployment Camera" في (25 يوليو/تموز 2019) حقوق الصورةتعود ل:  (NASA/JPL-Caltech)

صورة: صورة سماء ليلية التقطت بواسطة كاميرا المركبة إنسايت “Instrument Deployment Camera” في (25 يوليو/تموز 2019) حقوق الصورةتعود ل:  (NASA/JPL-Caltech)

لذلك، قام العلماء الباحثون عن الشهب بتجنيد كاميرا من نوع  (Instrument Context Camera)، وعلى غرار رفيقتها، فإن هذه الكاميرا هي إحدى بقايا المركبة “كيوريوسيتي”،فتصميمها من طراز يرجع لعام 1999، وقد تم تحديثه ليستطيع رؤية الألوان. (من المقرر أن تطلق ناسا مركبة للمريخ هذا الصيف، والتي ستحمل كاميرات جديدة تماماً مزودة بعدسات تكبير وإمكانية التصوير بالڤيديو).

ولكن على عكس كاميرا أداة التحكم، فإن كاميرا ICC ثابتة في مكانها، ومزودة بعدسات عين السمكة التي تحرف رؤيتها. فهي على الأقل لاتشكل عملية مراقبة طبيعية للسماء.
يقول ليمون: “إن ميزتها هي مجال رؤيتها الواسع، وبهذا يمكننا رؤية ثلث الأفق تقريباً. ولكن عييها الكبير يكمن في عدم الكشف عما في السماء من ارتفاع عالي. وبلغة أخرى فإنك إن كنت على الأرض تبحث عن الشهب، فلن تكون في حاجة للتركيز على الأفق.”

توضح الصور الملتقطة خلال النهار مدى صعوبة مراقبة النجوم: حيث يغطي المريخ معظم مجال الرؤية. وعلى الرغم من التماثل الظاهر للصور الليلية، يشغل سطح الأرض معظم مجال رؤية كاميرا ICC دون رؤية النجوم. ما يبقى فقط مساحة مقوسة من السماء أعلى الصخرة الحمراء (من الكوكب الأحمر) لتملتئ بالنجوم بعد غروب الشمس.

صورة: صورة نهارية التقطت بكاميرا  ICC التابعة لمركبة إنسايت المُثبثة يوم 1 فبراير/شباط 2020 حقوق الصورة تابعة ل: (Image credit: NASA/JPL-Caltech).

صورة: صورة نهارية التقطت بكاميرا  ICC التابعة لمركبة إنسايت المُثبثة يوم 1 فبراير/شباط 2020 حقوق الصورة تابعة ل: (Image credit: NASA/JPL-Caltech).

 

الى حدود اللحظة، وبالرغم من أن ليمون يتحقق من كل صورة محاولا الكشف عن شهب إلا أن صور “إنسايت” ظهرت فارغة.
ويقول ليمون عن عملية فحص كل صورة على حدة بحثا عن احتمالية وجود شهب والتي لاتنتهي بأي نتيجة أنها عملية مُحبطة.

وقال أيضاً أن العلماء على علم بكيف تبدو مثل هذه الأجسام (الشهب). تظهر عدسات عين السمكة أن الشهب تتبع مساراً منحنياً “Fisheye Lens” ،إلى جانب هذا، قال ليمون ينبغي أن تبدو شهب المريخ أشبه لمثيلتها على الأرض. وأضاف: “تظهر لديك مجموعة من الأجسام المتدرجة من مجرد شعاع ساطع عبر السماء، وصولا إلى كرة نار شديدة التوهج .وأضاف :” قد يعطي الجو الغني بثاني أكسيد الكربون الشهاب توهجاً برتقاليا، ولكنه ليس متأكدا من أن كاميرات “إنسايت” يمكنها الكشف عن هذا التغير على مستوى اللون.

ولكن أغلب الأضواء الطفيفة في صور المركبة “إنسايت” تنتج عن ظاهرة سماوية مختلفة تماماً: إنها الأشعة الكونية، أي شظايا الذرات المنتشرة عبر الكون في جميع الإتجاهات. على عكس نجوم المشاة الأرضية (النجوم الظاهرة من الأرض) والشهب، فمن الصعب جداً تصوير الأشعة الكونية من الأرض. حيث يمنع غلافنا الجوي الكثير من هذه الجسيمات من الوصول إلي السطح.

وقد يحالف الحظ إحدي الكاميرات على الأرض والمجهزة لأخذ صورة بتقنية التعريض الطويل “Long-Exposure Image”-  لالتقاط أشعة كونية هنا أو هناك.

وقال جاستن ماكي، عالم التصوير في مختبر الدفع النفاث التابع لوكالة ناسا في كاليفورنيا: ” لا يمتلك المريخ نفس الغلاف الجوي للأرض ليتجنب الأشعة الكونية، مما يجعله على استعداد لاستضافة كاشف للأشعة الكونية.”

بصمة الشعاع الكوني” هي العبارة  التي تطلق على كل بقعة مضئية أسفل منحنى الأفق الغير مرئي في صور كاميرا  ICC الليلية.

و أضاف ماكي: “الأشعة الكونية تغمر الكون، فببساطة لايمكننا أن  نضعها بالحسبان،وذلك لأنها في الأغلب تمر عبرنا أو عبر محيطنا.”

صورة: صورة سماء ليلية أُلتقطت بواسطة كاميرا المركبة إنسايت ICC يوم 24 يناير/كانون الثاني 2020 حقوق الصورة: (NASA/JPL-Caltech)

صورة: صورة سماء ليلية أُلتقطت بواسطة كاميرا المركبة إنسايت ICC يوم 24 يناير/كانون الثاني 2020 حقوق الصورة: (NASA/JPL-Caltech)

 

على الرغم من أنها لن تؤثر على بيانات “إنسايت” الأخرى، فصور الأشعة الكونية قد تغذي فضول العلماء حول هذه الجسيمات، خاصةً ترددها  بكوكب المريخ.

طول الشعاع والزاوية التي يسافر بها، لهما دلالة على نوع الجسيم، فعادةً الشعاع الأطول قد يكون بروتون أو ميوون (جسيم أولي شبيه للإلكترون) ذوو طاقة عالية.

وأضاف ماكي: “بعض منها آتٍ من الشمس، والبعض الآخر لا نعلم مصدره”.

فالألوان المعروضة بالصورة السابقة قد تكون مجرد لون الناتج عن ارتطام الشعاع الكوني أداة الاستشعار.

ويقول ماكي :”تلتقط صور “إنسايت” الليلية ظلال الأشعة الكونية أيضا. و هذا راجع أن لكل توجيه للكاميرا لمدة 5 دقائق، تلتقط صورا فورية لإنقاصها من الصور الرئيسية كنوع من المعايرة. فإذا ارتطم شعاع ضوئي عند التقاط الصورة اللحظية وليس خلال الصورة الرئيسية، تكون النتيجة بقعة داكنة تعبر عن ظل مكان ظهور الشعاع الكوني.

لكن الصور الغريبة التي تعرض الشهب لن تستمر في القدوم من المريخ. فالوقت ينفذ للحصول على صور سماوية من الكاميرا ICC ،,وذلك بسبب اقتراب بدء موسم العواصف الترابية سيء السمعة، وهذا يجعل الأفق غير مرئي تماما.

وقال ليمون: “خلال بضعة أسابيع، لا أظن أن سيكون بمقدرونا رؤية حتى نجم ساطع في السماء.”

يالطبع لايزال بإمكانهم رؤية الأشعة الكونية، ولكنهم قد رأوا الكثير منها!


nasainarabic.net