تصوّر فني لما بدت عليه النجوم الأولى في الكون. حقوق الصورة: NASA
أحياناً من السهل أن تصبح فلكياً، عندما يكون هدفك على قبة السماء مباشراً وجلياً. فيكون حينها الأمر بسيطاً للغاية: فما عليك سوى أن تقوم بتوجيه التلسكوب نحو الهدف، وتنتظر حتى تتدفق جميع الفوتونات الفاتنة نحو فتحة التلسكوب.
لكن في أحيانٍ أخرى أنت أمام تحدٍ صعب، كما هو الحال عند محاولة دراسة أول نجوم ظهرت في الكون، فهي بعيدة للغاية وخافتة جداً إلى حد
صعوبة رؤيتها مباشرةً باستخدام التلسكوبات.
حتى تلسكوب جيمس ويب الفضائي وذائع الصيت، يمكنه فقط رؤية أقدم المجرات، وذلك عن طريق تجميع الضوء القادم من مئات مليارات النجوم.
إذاً هناك صعوبة في رصد أي من النجوم الأولى، وهذا يُسبب إحباطاً كبيراً.
لذلك شرع علماء الفلك نوعاً ما في اختلاس نظرة خاطفة نحو الكون، كمحاولة للكشف عنها عن طريق القيام بخدعة مع الهيدروجين المتعادل!
دعونا نعود بالماضي إلى العملية التي تُعرف باسم “حقبة عودة التأين،” والتي تُشير إلى أن الكون كان يتألف بأكمله تقريباً من الهيدروجين النقي، المتعادل الخالص. أي إلكترون وحيد سالب الشحنة متحداً مع بروتون موجب الشحنة منفرد هو الآخر في تناغم متقن، وهذا قبل تكون النجوم الأوائل.
ومن ثم ظهرت أوائل النجوم، لتسكب إشعاعها عالي الطاقة في جميع أنحاء الكون، غامرة كوننا بوفرة من الأشعة السينية وأشعة غاما. تسببت حدة هذا الإشعاع في تأين الهيدروجين المتعادل الذي يؤلف الكون بأكمله إلى إلكترونات وبروتونات، وتحويله إلى البلازما الرقيقة الساخنة التي نشهدها في كوننا إلى يومنا هذا.
وبدأت هذه العملية التي تُسمى إعادة التأين Reionization في بقاعٍ صغيرة نَمت في نهاية المطاف لتشمل الكون بأكمله، كحفنة من الفقاعات الغريبة!
يبدو كل هذا مبهراً، أليس كذلك؟ لكن كيف يمكن لعلماء الفلك اكتشاف هذه العملية بحق؟
الجواب هو أنهم في الواقع يمكنهم ذلك من خلال دراسة المكوّن الأكثر وفرةً في الكون…الهيدروجين المتعادل.
فهو يصدر إشعاعاً له تردد مُحدد للغاية (1420 ميغاهرتز)، وهذا يتوافق مع طول موجي يساوي 21 سم.
ووفقاً لهذه الحقبة، فقبل مجيء النجوم الأولى مباشرةً، ضَخ الغاز المتعادل هذا الإشعاع ذو الـ 21 سم بكميات هائلة، وهذا يُعد إشارة، لكن إنبعاثه تضائل تدريجياً مع تحول محتويات كوننا بالكامل إلى بلازما.
إذاً يبدو وكأن هذه الإشارة هي الهدف، باستثناء بعض المعوقات، كصعوبة التقاط هذه الإشارة، نظراً لكونها ضعيفة بشكلٍ لا يصدق، ولوجود الكثير من الجسميات الأخرى في كوننا تصدر إشعاعات بتردداتٍ مماثلة، بما فيهم موجات أجهزة الراديو الموجودة على الأرض.
كذلك التشويش المزعج والذي يتطلب فصله عن هذه الإشارة الكونية المُثيرة للإهتمام، التدقيق في جبالٍ من البيانات. الأمر أشبه بالبحث عن إبرة بطول 21 سم في كومة من القش!
لذلك، وحتى الآن، يُعتَمد على مراصد كمرصد “مصفوفة مورتشيسون واسعة المجال” الذي يُعرف أيضاً ب”MWA” الواقع في غرب أستراليا لإجراء البحث، فهو مدعم بكل الأسس اللازمة لذلك، والتي تشمل توفير 200 تيرابايت من البيانات خلال رصده الأول، وهذه البيانات قيد التحليل من قبل بعضٍ من أكثر الحواسيب العملاقة دقةً.
وهذا لحين إطلاق الجيل الجديد من التلسكوبات الراديوية، مثل مشروع تلسكوب “مصفوفة الكيلومتر المربع.”