- هيلين بريغز
- مراسلة البيئة
قبل ساعة واحدة
كشف باحثون غموضا أحاط بإحدى أغرب الرحلات في الحياة الطبيعية على الإطلاق.
ففي كل عام تخرج أسماك الأنقليس (أسماك الثعابين) من أنهار أوروبية في رحلة ماراثونية صوب بحر سارجاسو في شمال الأطلسي حيث تتكاثر مرة واحدة في العمر قبل أن تموت.
على أن هذه الوجهة الأخيرة (بحر سارجاسو) ظلت طويلا محلّ شكّ؛ فلم يقم عليها دليل مباشر وقاطع قبل الآن.
وبالاستعانة بتقنية التتبّع عبر الأقمار الاصطناعية بعد تثبيت شرائح على أجسام أسماك الأنقليس، تمكّن باحثون من تتبّع مسار هذه المخلوقات حتى وجهتها الأخيرة.
ويرى الباحثون أن معرفة المسار كاملا كفيلة بالمساعدة في الحفاظ على هذه الأنواع المهددة بالانقراض.
يقول روس رايت، الباحث في وكالة البيئة بالمملكة المتحدة: “هذه هي أول مرة نتمكن من تتبّع أسماك الأنقليس حتى بحر سارجاسو، وكم نحن سعداء بإحراز أول دليل مباشر يرصد أسماك الأنقليس الأوروبية حتى تبلغ المنطقة التي تضع فيها بيضها”.
ويؤكد رايت، الذي يقود فريق الباحثين: “هذه الرحلة ستكشف معلومات عن هجرة الأنقليس التي لم يكن أحد يعرف عنها شيئا من قبل”.
وتواجه أسماك الأنقليس الأوروبية مخاطر عديدة في دورة حياتها، بما في ذلك التغيّرات التي تطرأ على تيارات المحيطات والناتجة عن عدد من الأسباب منها: التغيّر المناخي، التلوث، الصيد غير المشروع والعوائق التي تعترض طريقها في الماء كالسدود.
وظلّ دان هايتر، الباحث المتخصص في دراسة أسماك الأنقليس، يراقب تلك الأسماك في في مياه نهر بلاك ووتر في مقاطعة إسيكس بإنجلترا مدة 20 عاما وقد لاحظ تراجعا خطيرا في أعداد تلك الأسماك.
يقول هايتر: “مقارنة بالأرقام التاريخية، ومنذ حقبة الثمانينيات تحديدا، تراجعت أعداد أسماك الأنقليس بنسبة كبيرة تناهز 95 في المئة”.
تدابير للحفاظ على أسماك الأنقليس
تصل أسماك الأنقليس إلى الساحل الأوروبي وهي لا تزال كائنات ضئيلة الحجم هشّة وشفافة كالزجاج، بعد أن تقطع رحلة عبر الأطلسي تطول لسنتين أو ثلاث سنوات قادمة من بحر سارجاسو.
وتتكيف أسماك الأنقليس مع المياه العذبة وتنمو في الأنهار -ويصل طول بعضها إلى نحو متر- ريثما تستعد للسباحة مجددا لتقطع طريق العودة كاملا من حيث أتت أوّل مرة (بحر سارجاسو) وهناك تضع بيضها مرة واحدة في العمر قبل أن تموت.
ولم تكن دراسة هجرة أسماك الأنقليس عبر المحيط أمرًا سهلا قبل الآن؛ ولقد تمكنت دراسات سابقة من تتبّع مسار أسماك الأنقليس البالغة طوال الرحلة حتى جُزر الأزور في البرتغال، لكن الأثر كان يضيع بعد ذلك.
ولقد عمد الباحثون إلى تثبيت شرائح على أجسام الأنقليس في جُزر الأزور حتى يتمكنوا من متابعتها عبر الأقمار الاصطناعية. وقد تبيّنت قدرة هذه الأسماك على السباحة طوال الطريق حتى بحر سارجاسو.
يقول روس رايت من وكالة البيئة: “كنا بالفعل نعلم أنها قادرة على السباحة حتى جُزر الأزور، لكن هذه الوجهة الأخيرة (بحر سارجاسو) لم تكن معلومة قبل الآن”.
ويضيف رايت: “وقد رأينا أننا لو قمنا بتثبيت شرائح على أجسام الأنقليس في جُزر الأزور وتتبّعنا مسارها بالأقمار الاصطناعية، فقد نستطيع العثور على هذه الحلقة المفقودة – وقد تمكنّا من ذلك بالفعل – ويمكننا الآن تأكيد أننا عرفنا الوجهة الأخيرة لرحلة أسماك الأنقليس وهي بحر سارجاسو”.
ويعدّ اكتشاف المسارات التي تتخذها أسماك الأنقليس والمكان الذي تضع فيه بيضها، أمرًا بالغ الأهمية للوقوف على الأسباب وراء تراجُع أعدادها وإبلاغ الجهات البيئية المعنية لاتخاذ التدابير اللازمة للحفاظ على هذه المخلوقات.
دورة حياة غامضة
لطالما وقف العلماء في حيرة إزاء دورة حياة أسماك الأنقليس. حتى الفيلسوف اليوناني الأشهر أرسطو تساءل عن المصدر الذي تأتي منه أسماك الأنقليس، قبل أن يقرر أنها تنشأ تلقائيا من الطين.
وقبل نحو مئة عام، كان يُعتقد أن الوجهة الأخيرة لأسماك الأنقليس هي بحر سارجاسو، شمالي الأطلسي على مقربة من جُزر البهاما، لكن لم يكن هناك دليل على ذلك قبل الآن.