قبل 27 دقيقة
كشف علماء الفلك اليوم عن صورة التقطت للمرة الأولى لثقب أسود عملاق يتمركز في وسط مجرتنا المعروفة باسم مجرة درب التبانة .
ويبلغ حجم الثقب الأسود المسمى “ساغيتاريوس إيه ستار” أربعة ملايين ضعف حجم الشمس.
وما نراه في الصورة هو منطقة سوداء مركزية يربض فيها الثقب، محاطاً بالضوء القادم من الغاز الساخن جداً والذي يتسارع بفعل قوى الجاذبية الهائلة.
ولتقريب الصورة فيما يتعلق بالحجم، فإن الحلقة الضوئية المحيطة بالثقب هي تقريباً في حجم مدار كوكب عطارد حول الشمس.
ويبلغ قطر المدار تقريباً حوالي 60 مليون كيلومتر، أو 40 مليون ميل.
ومن حسن الحظ أن هذا “الوحش” يبعد عنا مسافة طويلة جداً- حوالي 26 ألف سنة ضوئية، وبالتالي ليست هناك أي إمكانية على الإطلاق لتعرضنا لأي خطر منه.
والصورة هي نتاج عمل فريق دولي يدعى “فريق التعاون الخاص بتلسكوب “إيفنت هورايزون” المعروف اختصاراً بـ “إي أتش تي”.
وهذه هي الصورة الثانية لهم بعد نشرهم في 2019 صورة لثقب أسود عملاق في قلب مجرة أخرى يدعى ” ميسيير 87 أو إم 87″. وذلك الثقب كان أكبر من هذا بألف مرة حيث كان حجمه يزيد عن حجم الشمس بحوالي 6.5 مليار مرة.
ما هو الثقب الأسود؟
- ·الثقب الأسود هو منطقة من الفضاء تأكلت داخله مادته
- الجاذبية قوية جداً لدرجة أنه لا يمكن لأي شيء، حتى الضوء، أن يفلت منها
- تظهر الثقوب السوداء من زوال نجوم كبيرة معينة بالانفجار
- لكن بعضها ضخم للغاية وهي أكبر بمليارات المرات من حجم الشمس
- من غير المعروف كيف تشكلت هذه الثقوب العملاقة، التي عثر عليها في وسط المجرات
- لكن من الواضح أنها تنشط المجرة وستؤثر على تطورها
تعتبر الصورة نتاج تقدم تقني كبير.
فعلى بُعد 26 ألف سنة ضوئية عن الأرض، يظهر الثقب الأسود “ساغيتاريوس إيه ستار” كوخزة الإبرة الصغيرة في السماء. من أجل تمييز مثل هذا الهدف، كان الأمر يتطلب دقة عالية جداً.
والوسيلة التي حققت هذا الهدف للتليسكوب هي تقنية تدعى “قياس التداخل للمصفوفة الأساسية الطويلة جداً”.
وتتمثل هذه التقنية أساساً في ربط شبكة تتألف من ثمانية هوائيات لاسلكية واسعة المساحة من أجل تقليد عمل تليسكوب بحجم الأرض.
ويتيح هذا الترتيب للتلسكوب أن يقطع زاوية في السماء يتم قياسها بالميكرو ثانية قوسية. ويتحدث أعضاء فريق التلسكوب عن درجة وضوح الرؤية بشيء قريب من قدرتك على رؤية رغيف من خبر البيغل على سطح القمر.
وحتى بعد أن يحدث ذلك، هناك حاجة لساعات ذرية ولوغاريتمات ذكية وساعات لا حصر لها من عمليات الحوسبة الخارقة من أجل بناء صورة من عدد من “البيتابايت” (البتابايت الواحد يعادل مليون جيجابايت) من البيانات المجمعة.
إن الطريقة التي يحني فيها الثقب الأسود الضوء تعني أن لا وجود لشيء تراه سوى “الظل”، لكن تألق المادة التي تحيط بهذا الظلام وتنتشر على شكل دائرة تعرف باسم قرص التراكم، لا تشي بمكان وجود الثقب.
وإذا ما قارنت الصورة الجديدة بالصورة السابقة للثقب إم 87 ، فإنك قد تتساءل ما الفرق بينهما. لكن هناك فروقات أساسية بينهما.
ويشرح عضو الفريق، زيري يونسي، من جامعة لندن في المملكة المتحدة ذلك بالقول: “نظراً لأن الثقب “ساغيتاريوس إيه ستار” هو أصغر حجماً بكثير من الثقب الأسود السابق- أصغر بحوالي ألف مرة- فإن تركيبة حلقته تتغير بجداول زمنية أسرع بألف مرة. وهو متحرك للغاية. والنقاط الساخنة التي تراها في الحلقة تتحرك في المكان من يوم لآخر.”
وهذا واضح جداً من تجارب المحاكاة التي أجراها الفريق حول ما يمكن أن تراه لو تمكنت بطريقة ما من الانتقال إلى وسط مجرتنا ورؤية المشهد بعيون حساسة للترددات اللاسلكية.
يسير الغاز الساخن جداً، أو البلازما، في الحلقة حول الثقب الأسود بسرعة تعادل جزءأً كبيراً من سرعة الضوء (300 ألف كيلومتر في الثانية أو حوالي 190 ألف ميل في الثانية). والمناطق اللامعة هي على الأرجح الأماكن التي تدور فيها المادة نحونا وحيث يتم تنشيط الانبعاثات الضوئية أو تعزيزها نتيجة لذلك.
وتعتبر هذه التغيرات السريعة في محيط الثقب الأسود “ساغيتاريوس إيه ستار” أحد الأسباب التي جعلت انتاج الصورة يستغرق وقتاً أطول من صورة الثقب الأسود “إم 87”. فقد كان تفسير البيانات تحدياً أصعب.
في الحقيقة أن ملاحظات التلسكوب للثقبين الأسودين تم الحصول عليها خلال الفترة نفسها من أوائل العام 2017، لكن الثقب الأسود “إم 87″، بحجمه الأكبر وببعده البالغ 55 مليون سنة ضوئية، يبدو ساكناً بالمقارنة مع الثقب الثاني.
وقد بدأ العلماء باستخدام القياسات في الصورة الجديدة من أجل اختبار الفيزياء التي نستخدمها حالياً في وصف الثقوب السوداء. وحتى الآن، فإن ما يرونه يتماشى تماماً مع المعادلات التي وضعها آينشتاين في نظريته عن الجاذبية وعن النسبية.
كنا نشك طوال عقود عديدة بوجود ثقب أسود هائل الحجم في قلب المجرة. وإلا ما الذي ينتج قوى جاذبة تسرّع النجوم المجاورة عبر الفضاء فتجعلها تسير بسرعة تصل إلى 24 ألف كيلومتر في الثانية ( بالمقارنة فإن شمسنا تسير حول المجرة بسرعة 230 كيلومتر في الثانية).
ولكن، وعلى نحو مثير للاهتمام، فإنه عندما كرمت لجنة جائزة نوبل عالمي الفلك رينهارد غينزل وأندريا غيز بجائزتها في مجال الفيزياء في 2020 على عملهما على الثقب الأسود “ساغيتاريوس إيه ستار”، فإن التنويه تحدث فقط عن “جسم مكتنز هائل الحجم”. وكان ذلك طريقة للتملص تحسباً من أن تكون ظاهرة غريبة أخرى هي التفسير لذلك.
لكن الآن لم يعد هناك مجال للشك بعد أن اتضحت الأمور.
واعتباراً من أغسطس/ آب القادم، سيحول تلسكوب الفضاء الضخم الجديد “جيمس ويب” عدساته إلى الثقب الأسود “ساغيتاريوس إيه ستار”. ولن يتمتع التلسكوب الذي بلغت تكلفته 10 مليارات دولار بالدقة الكافية لالتقاط صورة مباشرة للثقب الأسود وحلقته التراكمية، لكنه سيجلب إمكانية جديدة لدراسة البيئة حول الثقب الأسود من خلال أدواته الحساسة جداً للأشعة تحت الحمراء.
وسيدرس علماء الفلك بتفاصيل غير مسبوقة السلوك والطبيعة الفيزيائية لمئات من النجوم التي تدور حول الثقب الأسود. وحتى أنهم سيبحثون عن إمكانية وجود ثقوب سوداء بحجم النجوم في المنطقة، وعن أي دليل على وجود تكتل مركز للمادة غير المرئية أو السوداء.
وقالت البروفيسورة جيسيكا لو، من جامعة كاليفورنيا في بيركلي بالولايات المتحدة، والتي ستقود حملة ويب: “في كل مرة نحصل على منشأة جديدة يمكنها أن تلتقط صورة أوضح للكون، فإننا نبذل قصارى جهدنا في تدريبها على مركز المجرة، ونحن نتعلم في نهاية المطاف شيئاً رائعاً”.
هذا وسيتم نشر النتائج التي توصل إليها فريق التعاون حول تليسكوب “إي أتش تي” في عدد خاص من مجلة “ذي أستروفيزيكال جورنال ليترز”.