حقوق الصورة (© Shutterstock).

من الممكن أن يكون تصلب اللب الداخلي inner core قد أدى إلى تقوية الحقل المغناطيسي للأرض.

خَلُصت دراسةٌ جديدةٌ إلى أن عمر اللب الداخلي الصلب للأرض يُقدر بمليار سنة فقط.

تُشبه الأرض المعاصرة كعكةً ذات طبقاتٍ، بقشرةٍ خارجية صلبة، وغطاءٍ لزج ساخن، ولبٍّ خارجي outer core سائل، ولبٍّ داخلي صلب. يزداد حجم اللب الداخلي ببطء عندما يبرد الحديد السائل المتواجد في اللب ويتبلور، وتساعد هذه العملية على تفعيل حركة تمازج اللب الخارجي السائل للأرض، والتي تخلق بدورها الحقل المغناطيسي المحيط بالأرض الذي يساعد على حماية الكوكب من الإشعاعات الكونية المضرة.

بعبارةٍ أخرى، لللب الداخلي للأرض أهميةٌ كبرى.

لكننا لا نعلم الكثير عن تاريخ هذه الكرة الحديدية التي يبلغ عرضها 1,500 ميل ( 2,442 كيلومترًا)؛ تراوحت تقديرات عمرها بين نصف مليار سنة إلى أكثر من 4 مليار سنة، أي تقريبًا بمثل عمر الأرض نفسها الذي يُقدر ب 4.5 مليار سنة. حاليًا، حشر باحثون قطعةً صغيرة جدًا من الحديد بين ألماستين وفجروها بواسطة الليزر ليتوصلوا إلى تقديرٍ جديد تراوح بين مليار و1.3 مليار سنة؛ نطاق زمني تزامن مع تقويةٍ قابلةٍ للقياس للمجال المغناطيسي للأرض التي وقعت في نفس الفترة الزمنية.

أفاد مؤلف الدراسة جونج فو لين Jung-Fu Lin، عالم الجيولوجيا بجامعة تكساس التي تتخذ من أوستين مقرًا لها في تصريح لمجلة Live Science: “تُعَدُ الأرض كوكبًا فريدًا من نوعه في نظامنا الشمسي بامتلاكها لحقل مغناطيسي، وبكونها قابلةً للسكن؛ في النهاية يمكن أن تُستعمل نتائجنا للبحث عن سبب عدم امتلاك كواكب أخرى داخل مجموعتنا الشمسية لحقول مغناطيسية”.

مولّد الأرض


يشتغل الحقل المغناطيسي للأرض بواسطة ما يطلق عليه العلماء اسم “مولِّد الأرض” geodynamo، وهو حركة اللب الخارجي للأرض الغني بالحديد، والذي يُحول الكوكب إلى مغناطيس عملاق، وإن كان فوضويًا إلى حدٍّ ما. يُعدّ مولّد الأرض مسؤولًا عن القطبين الشمالي والجنوبي للأرض ودرع الجاذبية shield of magnetism غير المرئي الذي يتسبب في انحراف الجزيئات المتدفقة من الشمس ويحتجزها، وإلا فإنه يمكن لهذه الجزيئات أن تُجرّد الأرض تدريجيًا من غلافها الجوي.

تتسبب الحرارة في تفعيل جزءٍ من حركة اللب الداخلي للأرض، وتُعرف بكونها مصدر طاقته الحرارية؛ عندما يبرد لب الأرض تدريجيًا، يتبلور من الداخل إلى الخارج؛ تُنتج عملية التبلور crystallization هذه طاقةً قادرةً على أن تزيد في قوة حركة اللب الخارجي للأرض الذي لا يزال سائلًا. يقول لين: “يُعرف إطلاق الطاقة هذا الناجم عن عملية التبلور بمصدر الطاقة التركيبية لمولّد الأرض”.

أراد لين وفريقه استعمال أدلة تجريبية ليُحددوا الطاقة في كل واحدة من هذه المصادر، مع العلم بأن حجم الطاقة من شأنه أن يساعدهم على تقدير عمر اللب الداخلي للأرض.

لبلوغ ذلك، أعاد الباحثون صياغة خصائص لب الأرض على مقياسٍ صغير، فسخنوا قطعة من الحديد لا يتجاوز سمكها ستة ميكرونات microns (تقريبًا نفس طول خلية دموية حمراء) في درجات حرارة وصلت إلى 4,940 فهرنايت (2,727 درجة مئوية Celsius)، وحشروا النموذج بين ألماستين لمحاكاة الضغط العالي الموجود في لب الأرض، وبعد ذلك، قاسوا موصلية conductivity الحديد في ظل هذه الظروف.

لب صغير


مكّن قياس الموصلية هذا الباحثين من حساب التبريد الحراري للب الأرض المتواجد لتشغيل مولد الأرض، نقلت مجلة Live Science في وقتٍ سابقٍ أن الباحثين استنتجوا أن مولد الأرض قد استمد نحو 10 تيراواط terawatts من الطاقة من نواة التبريد؛ فقط أكثر من خُمس كمية الحرارة التي تُبددها الأرض في الفضاء انطلاقًا من سطحها (46 تيراواط).

أفاد لين أنه بمجرد تحصلهم على قياس لحجم ضياع الطاقة energy loss، سيتمكن العلماء من حساب عمر اللب الداخلي للأرض؛ مكّن تحديد نسبة ضياع الطاقة الباحثين من قياس المدة التي يستغرقها الحصول على كتلة صلبة بحجم كتلة لب الأرض الحالي انطلاقَا من نقطة الحديد المنصهر.

قال لين: “تشير النتائج التي تتراوح بين مليار و1.3 مليار سنة إلى أن لب الأرض صغيرٌ نسبيًا”.

لا يُعد هذا التقدير بمثل صغر بعض التقديرات، كذلك الذي نُشر في سنة 2016 في مجلة Nature الذي استعمل طرائقَ مشابهة، ولكنه توصل إلى أن عمر اللب لا يتجاوز 700 مليون سنة، صرّح لين بأن التجربة الجديدة اقد ستعملت وسائل يمكن الوثوق فيها أكثر للتحكم في الضغط والحرارة التي ينتجها اللب، ما يجعل التقدير الأصغر أقل قابليةً لأن يكون صحيحًا.

أثبتت صخور الجاذبية magnetic rocks القديمة أن حقل الجاذبية أصبح فجأةً أكثر قوةً من مليار إلى مليار ونصف سنة مضت وفقًا لما خَلُصت إليه دراسةٌ نُشرت في سنة 2015 في مجلة Nature. قال لين: “يتفق العمر الجديد بشكلٍ جيدٍ مع تلك الحقيقة، حيث أن تبلور اللب الداخلي يمكن أن يكون قد أدى إلى جعل حقل الجاذبية أكثر قوة”.

أفاد لين أنه لا يزال هنالك تساؤلات عن كيفية تحرك الحرارة داخل اللب، فخلافًا للنموذج الذي أخضعوه للتجربة، لا يتكون لب الأرض من الحديد فحسب، فهو يحتوي أيضًا على عناصر أخرى أخف على غرار الكربون، والهيدروجين، والأكسجين، والسيليكون والكبريت، ولكن أحجام هذه العناصر الخفيفة مجهولة، ما يجعل من الصعب معرفة كيفية تغييرها لموصلية اللب الداخلي للأرض، وذلك هو ما يسعى لين وفريقه الى اكتشافه حاليًا.

أفاد لين: “نحن نحاول فهم كيف يمكن لوجود هذه العناصر الخفيفة أن يغير فعليًا خصائص النقل الحراري thermal transport properties للحديد بضغطٍ عالٍ مشابهٍ وفي درجات حرارة مرتفعة”.

عرض الباحثون نتائج أبحاثهم بتاريخ 13 أغسطس/آب في مجلة Physical Review Letters.

nasainarabic.net