خريطة لمحتوى المياه الموجود في الغلاف كوكب المريخ الجوي، تشير إلى أن الكوكب الأحمر كان في الماضي يأوي محيطًا يغطي 20% من مساحته، وهو ما يعادل خُمس مساحة الأرض. فُقد معظم هذا الماء في الفضاء. حقوق الصورة: (©NASA/Villanueva/Mumma/Gallagher/Feimer et al.)
قد تكون العواصف الترابية وحرارة الصيف قد أزالتا ما يساوي محيطَ مياهٍ من كوكب المريخ.
اكتشفت دراسة جديدة أن العواصف الترابية لكوكب المريخ تقذف الماء نحو الغلاف الجوي أعلى مما كان يُعتقد أنه ممكن في السابق، مما يساعد على تجريد الكوكب الأحمر من مخزون مياهه المحدود، وزيادةِ احتمالية مساهمة ذلك في خسارة ما يعادل محيطَ مياهٍ طوالَ مليارات السنين.
كشفت الدراسة أنه يمكن أن تُرسل العواصف الترابية الصيفية الماءَ نحو الجزء العلوي من الغلاف الجوي لكوكب المريخ، متسببةً في تحطيم الجزيء، ومتيحةً للهيدروجين (hydrogen) التسللَ نحو الفضاء.
يُعتقد أن كوكب المريخ قد آوى قديمًا محيطًا أو محيطينِ، ولكن الماء الذي كان في السابق سببًا في جعْل الحياة ممكنةً على سطح الكوكب قد فُقد على مر الحقبات الزمنية، وقد كان العلماء يبحثون عن السبب الكامن وراء ذلك. اكتشف العلماء بواسطة المسبار الفضائي المتطور لدراسة الغلاف الجوي لكوكب المريخ التابع لناسا مافن (NASA’s Mars Atmosphere and Volatile EvolutioN spacecraft, or MAVEN) أن العواصف الترابية الصيفية القوية يمكن أن تحمل الماء فوق الهيغروبوز (hygropause)، وهي طبقة باردة في الغلاف الجوي تحبس الماء في الأسفل.
قال المؤلف الرئيسي للدراسة شين ستون (Shane Stone) -وهو طالب دراساتٍ عليا بجامعة أريزونا- في رسالة إلكترونية لموقع (Space.com): “تُحدث العواصف الترابية ضخَّ مياهٍ بشكلٍ مفاجئٍ في الغلاف الجوي العلوي”.
عمل ستون وفريقه على استخدام البيانات المُجمعة من مسبار مايفن بإبحاره العميق في الغلاف الجوي على امتداد فترة زمية تجاوزت سنتين من سنوات كوكب المريخ، وهذا أقل بقليل من أربع سنوات من سنوات الأرض، وقد اكتشفوا أن وفرة المياه بلغت ذروتها خلال فصل الصيف الجنوبي، عندما يكون الكوكب أكثر قربًا من الشمس، وتكون إمكانية حدوث العواصف الترابية الكونية أعلى. نُشرت هذه النتائج في 13 تشرين الثاني/نوفمبر في مجلة (the journal Science).
صرح ستون قائلًا: “يُنتج النسق الجديد الذي وصفناه أثناء حصول عاصفة ترابية كونية ذرات من الهيدروجين بشكل يفوق 10 مرات من ذلك الذي يحصل في النسق القديم”.
ضخ مفاجئ للمياه
يعمل الهيغروبوز في الأرض كدرع يحتجز المياه في الغلاف الجوي السفلي. عندما يبلغ بخار الماء الرقعة الباردة من السماء، يتكثف من الحالة الغازية إلى الحالة السائلة ليُشكل السحب، وعندما يتكثف الماء يتوقف عن مواصلة طريقه نحو الأعلى.
في حين اقترحت دراسات سابقة أن الماء يمكن أن يُنقل فوق هيغروببوز كوكب المريخ، كشفت الدراسة الجديدة عن ظاهرة موسمية إضافة إلى علاقة ذلك بالعواصف الترابية في نسبة المياه التي عثر عليها في الغلاف الجوي العلوي. في المقابل، يسمح النموذج السابق لكيفية تبدد مياه كوكب المريخ لتسرب بطيء للماء انطلاقًا من الغلاف الجوي الأوسط مرورًا بالهيغروبوز ووصولًا إلى الفضاء.
قال ستون: “يشبه النسق القديم قطراتٍ بطيئةً وثابتةً من الهيدروجين في الغلاف الجوي العلوي التي تختلف بشكل طفيف من سنة مريخية إلى أخرى، في الوقت الذي يكون فيه النسق الذي نحن بصدد وصفه عبارة عن ضخٍّ مفاجئٍ للماء نحو الغلاف الجوي العلوي”.
بينما تمنع العواصف الترابية الضوء والحرارة من الوصول إلى سطح الكوكب، فإنها تُسخن الهيغروبوز، مضعفةً إياه ومتيحةً لكمية أكبر من المياه المرور عبره. تُسخن درجة الحرارة الأكثر دفئًا لموسم الصيف الجنوبي الغلاف الجوي لتجعل الهيغروبوز أكثر مساميةً.
عندما تبلغ جزيئات الماء الغلاف الجوي العلويِّ تتفاعل مع جزيئات مشحونة (الأيونات – ions) وتنشطر إلى ذرات هيدروجين وذرات أكسيجين. تتمكن بعض ذرات الهيدروجين -نظرًا لأن ذرة الهيدروجين تُعتبر أخف ذرة- من بلوغ سرعات كبيرة تمكنها من الإفلات من جاذبية المريخ.
قال ستون: عندما يبلغ الماء الغلاف الجوي العلوي، يكون عمره نحو أربع ساعات.
يأخذ مطياف كتلة الغازات المحايدة والأيون التابع لمسبار مايفن (MAVEN’s Neutral Gas and Ion Mass Spectromete NGIMS) عينات من الهواء عندما يبحر المسبار في أعماق الغلاف الجوي لكوكب المريخ على ارتفاع يبلغ 87 ميلا (125 كيلومترًا)، ويحصل ذلك كل 4 ساعات ونصف. لا يحسب مطياف (NGIMS) الماء بشكل مباشر، لأنه باستطاعة الهيدروجين والأكسجين الموجودان في الغلاف الجوي الالتحام داخل الجهاز لإنتاج الجزيئات. في المقابل، يُعول مطياف (NGIMS) على الأيونات التي يُميز بينها بواسطة الكتلة ليتمكن الباحثون من التعرف عليها وحساب كمية المياه المتواجدة في الغلاف الجوي العلوي.
في النموذج القديم، يتراجع معظم الماء الموجود في طبقات الغلاف الجوي الوسطى (middle atmosphere) الذي مزقته أشعة الشمس نحو السطح. تتمكن بعض ذرات الهيدروجين الجديدة فقط من التسلل عبر الهيغروبوز وتتجه نحو الغلاف الجوي العلوي لتغادر في النهاية الكوكب.
نافذة طويلة للحياة على كوكب المريخ: مئات الملايين من السنين؟
قال ستون: “يختلف بطء وثبات هذا النسق من سنة مريخية إلى أخرى، لذلك اكتشف العلماء منذ فترة تتراوح بين خمس وست سنوات، أن النموذج الكلاسيكي لا يمكن أن يكون مسؤولًا عن التقلبات السريعة في تسلل الهيدروجين الذي شوهد وقوعه في مقياس زمني يقل عن سنة مريخية”.
قال ستون: “لا يستبعد التدفق السريع للماء المُستنتج حديثا خلال فصل الصيف الجنوبي والعواصف الرملية النسق القديم الذي يستمر في الحصول إلى يومنا هذا. ولكن تُنتج العواصف الرملية الكونية والإقليمية التي تقذف الماء نحو الغلاف الجوي العلوي ذرات الهيدروجين بنسق يكون تقريبًا أسرع بعشر مرات من النموذج القديم”.
وأضاف: “يُنتج النسقان خلال جزء كبير من السنة المريخية نفس القدر -تقريبًا- من ذرات الهيدروجين التي تكون قادرةً على التسلل نحو الفضاء”.
من المحتمل أن يكون أكثر مثال مُعبر عن هذا المسار السريع في حدوثه هي العاصفة الترابية الكونية لسنة 2018، والتي تسببت في تعطل مسبار ناسا أوبورتونيتي NASA’s Opportunity) rover). لاحظت الحسابات التي أُخذت خلال يومين من العاصفة أن تدفق الماء يكون أكثر بعشرينَ مرة من ذلك الذي يحصل في النموذج القديم. يعتقد ستون وزملاؤه أن عاصفة ترابية وحشية قد تسببت في فقدان كوكب المريخ لتلك النسبة الكبيرة من المياه في ظرف 45 يومًا، وهي نفس نسبة الماء التي يفقدها خلال سنة مريخية كاملة، والتي تُعادل 687 يومًا من أيام الأرض.
صرح ستون: “تُنتج العواصف الترابية الإقليمية التي تحدث كل سنة من سنوات المريخ ازديادًا طفيفًا وملحوظًا -في نفس الوقت- في وفرة المياه في الغلاف الجوي العلوي، وما ينتج عنها من فقدان للهيدروجين”.
يعتقد العلماء أن العملية الموسمية -دون أخذ العواصف الترابية بعين الاعتبار- ستُجرد كوكب المريخ من 17.3 إنشًا (44 سنتيمترًا) من عمق طبقة المياه الكونية على امتداد مليار سنة. إذا افترضنا أن عاصفة ترابية كونية كتلك التي حصلت في سنة 2018 تحصل مرة كل عقد من الزمن، فإن6.7 إنشًا إضافيًا (17 سنتيمترًا) من عمق المياه الكونية ستُبدد في ذلك الوقت مصحوبة بعواصف ترابية كونية كل سنة ستتسبب في خسائر أكبر.
أدت خسارة مياه الكوكب الأحمر إلى تغير غلافه الجوي بشكل بطيء. يصعب مطابقة تغييرات مشابهة لأن تحولًا صغيرًا قد يُصبح أكثر تبلورًا على امتداد الـ 4.5 مليار سنة من عمر النظام الشمسي. ولكن ستون وزملاءه على قناعة من أن التغيرات الموسمية والعواصف الترابية ساهمتا بشكل كبير في إزالة المياه.
كتب المؤلف في الدراسة الجديدة: “من الممكن أن يكون نقل المياه الموسمي بواسطة العواصف الترابية نحو الغلاف الجوي العلوي قد ساهم بشكل كبير في تحول المناخ المريخي من حالته الدافئة والرطبة التي كان عليها منذ مليارات السنين للكوكب البارد والجاف الذي نشهده اليوم. من المرجح أن يكون كوكب المريخ قد فقد من المياه ما يكفي لتغطية سطح الكوكب بمحيط يتراوح عمقه من عشرات إلى مئات الأمتار، ومن المفروض أن حجم الخسارة كان أكبر في الماضي”.