- جيمس غالغر
- مراسل الشؤون العلمية والطبية بي بي سي
قبل 7 دقيقة
كان جيمي أولاغيري يظن أنه سينتظر عقودا قبل أن يشفى من مرض الأنيميا المنجلية الذي يعاني منه – لكن العلماء تمكنوا بالفعل من إدخال تعديلات على خلايا دمه لمعالجة مرضه الذي كان يسبب له ألما مزمنا.
يقول جيمي، وهو واحد من أول سبعة أشخاص من مرضى الأنيميا المنجلية يتلقون العلاج الجديد الثوري الذي يتضمن تعديل الجينات الوراثية، والذي تجري تجربته حاليا في الولايات المتحدة إن العلاج غير حياته: “أشعر وكأنني ولدت من جديد”.
“عندما أتذكر حياتي قبل العلاج، أكاد ألا أصدق كيف كنت متعايشا مع ذلك المرض”.
يضيف جيمي، البالغ من العمر 36 عاما والذي عانى من الأنيميا المنجلية منذ أن كان طفلا: “دائما ما تعيش بعقلية الحرب، إذ تدرك أن أيامك ستكون حافلة بالتحديات”.
الأنيميا المنجلية مرض وراثي يحدث نتيجة لطفرة جينية تؤدي إلى أن يقوم الجسم بإنتاج هيموغلوبين تالف. والهيموغلوبين هو البروتين الموجود في خلايا الدم الحمراء والذي يحمل الأكسجين إلى مختلف أنحاء الجسم. وخلايا الدم الحمراء في العادة تكون مستديرة وإسفنجية، ولكن الهيموغلوبين المتحور قد يجعلها جامدة متصلبة وتتخذ شكل المنجل.
وتجد الخلايا المنجلية صعوبة بالغة في السريان في الأوعية الدموية وتَعلق بداخلها، ما يؤدي إلى انسدادها. وتزداد خطورة الإصابة بالنوبة القلبية والسكتة الدماغية وتلف الأعضاء لدى مرضى الأنيميا المنجلية. وقد يحتاج جيمي إلى استبدال مفصل الورك لأن جزءا من نسيجه العظمي صار ميتا نتيجة حرمانه من الدم – وهي حالة طبية يطلق عليها النخر اللاوعائي.
وقد ظل الألم رفيقا لجيمي طوال حياته، ويصف جيمي ذلك الألم بأنه يشبه “سريان شظايا من الزجاج في شرايينك، أو قيام شخص بدق مفاصلك بمطرقة”.
لكن السمة الرئيسية المميزة لمرض الأنيميا المنجلية هو نوبات ألم حادة تسمى أزمات، وتتطلب تلقي الرعاية في المستشفى وأخذ عقار المورفين لتخفيف الألم. لسنوات طويلة ظل جيمي يدخل المستشفى ويخرج منها كل شهر تقريبا. وكان فصل الشتاء هو الأسوأ، إذ يؤدي الطقس البارد إلى تضييق الأوعية الدموية القريبة من الجلد ويزيد من خطورة انسدادها. ولهذا السبب انتقل جيمي وأسرته من ولاية نيوجيرسي الأمريكية إلى مدينة أتلانتا الأكثر دفئا في ولاية جورجيا جنوب شرق الولايات المتحدة.
أثر المرض على كافة جوانب حياته. يدير جيمي مشروعه الخاص في مجال التكنولوجيا، لأنه أدرك أنه لن يجد صاحب عمل يتعاطف مع زياراته المتكررة للمستشفى. وللهروب من ألمه المستمر، وجد جيمي السلوى في ألعاب الفيديو ومشاهدة مباريات فريق كرة القدم الإنجليزي ليفربول.
كانت عائلته تحثه على المشاركة في تجارب إكلينيكية أو الخضوع لعملية نقل نخاع العظام – وهي إحدى الخيارات المتاحة لمرضى الأنيميا المنجلية. لكنه رأى أن أيا من الأمرين سيتطلب بقاءه في المستشفى لفترات طويلة للغاية، ما سيكون له تأثير سلبي على جودة حياته. وقد آثر بدلا من ذلك أن يعلق آماله على علاج لم يكن العلماء قد توصلوا إليه. وقال لعائلته: “في يوم من الأيام، ربما بعد 20 أو 50 عاما، سيكون هناك علاج جيني يساعدني على الشفاء من الأنيميا المنجلية”.
لكن المستقبل جاء بأسرع مما كان يتصور.
في أواخر عام 2019، قرأ جيمي مقالا عن تجربة إكلينيكية جديدة تستخدم التعديلات الجينية، فأرسل على الفور رسالة إلكترونية للفريق الطبي. بعد ذلك بشهر، سافر جيمي وزوجته التي كانت في ذلك الوقت حاملا في شهرها الثامن إلى معهد سارة كانون للأبحاث في مدينة ناشفيل ليرى ما إذا كان مؤهلا للمشاركة في التجربة. عندما جاءه نبأ قبوله، قال جيمي إن ذلك كان “أفضل هدية تلقاها في أعياد الميلاد على الإطلاق”. كان هناك احتمال لتعطل التجربة بسبب وباء كورونا، حيث كان عدد متزايد من الرحلات الجوية الداخلية يتم إلغاؤه نظرا لقلة عدد المسافرين. ولكن جيمي قرر القيام برحلة بالسيارة مدتها أربع ساعات لحضور كل جلسة من جلسات التجربة.
وخلال التجربة، قام العلماء بإدخال تعديلات وراثية على جسمه لكي يتوقف عن إنتاج الهيموغلوبين التالف.
أولا، كان يتعين عليهم الوصول إلى الجزء الذي يصنع خلايا الدم الحمراء في جسمه، وهي الخلايا الجذعية التي تعيش داخل النخاع الإسفنجي الموجود داخل عظامنا. ثم في يناير/كانون الثاني عام 2020، أعطي جيمي أدوية لطرد الخلايا الجذعية من نخاع عظامه وإطلاقها في مجرى الدم. ثم تم توصيل آلة بجسمه لاستخراج الخلايا الجذعية من دمه.
يقول جيمي: “كنت أجلس على مدى ثماني ساعات وتقوم تلك الآلة حرفيا بمص دمي”.
في النهاية، شعر بأنه مستنزف جسمانيا وعقليا وحرفيا، واحتاج إلى نقل دم يحل محل ما أخذ منه. كان ذلك أصعب خطوات تلك العملية بأسرها، واضطر إلى تحملها أربع مرات.
وعاد جيمي إلى بيته للتعافي بعد نقل الدم الأخير، لكن الخلايا الجذعية التي استخرجت من جسمه كانت لا تزال في بداية رحلتها.
ليت عقارب الساعة تعود إلى الوراء
كان العلماء على وشك القيام بحيلة جينية مذهلة من شأنها إعادة عقارب الساعة إلى الوراء في دم جيمي.
عندما نكون أجنة في أرحام أمهاتنا، تستخدم أجسامنا نوعا مختلفا من الهيموغلوبين يسمى الهيموغلوبين الجنيني، والذي يلتصق بالأكسجين بإحكام أكبر، مقارنة بهيموغلوبين البالغين، ويعد في غاية الأهمية لأنه يمكن الجنين من امتصاص الأكسجين من مجرى دم الأم.
بعد أن نولد، يحدث تغير في الجينات، ويبدأ الجسم في إنتاج هيموغلوبين البالغين – وهو النوع الوحيد الذي يتأثر بالأنيميا المنجلية.
هذا التغير الجيني يطلق عليه اسم “بي سي إل 11 إيه”، وقد اكتشف في منتصف العقد الأول من الألفية الثانية. وأدى التقدم الذي تحقق في مجال تعديل الجينات الوراثية مؤخرا إلى تمكين العلماء من وقف ذلك التغير.
يقول دكتور هايدار فرانغول الذي عالج جيمي في مركز سارة كانون للأبحاث: “مقاربتنا تتمثل في وقف ذلك التغير، وزيادة إنتاج الهيموغلوبين الجنيني مرة أخرى، وكأننا نعيد عقارب الساعة إلى الوراء”.
أرسلت خلايا جيمي الجذعية إلى مختبرات شركة فيرتيكس للأدوية، حيث تم هناك تعديلها وراثيا.
وبحلول سبتمبر/أيلول عام 2020، كان الوقت قد حان لوضع الخلايا المعدلة وراثيا في جسم جيمي. يقول جيمي: “صادف ذلك أسبوع عيد ميلادي. شعرت بأنني أُمنح حياة جديدة”.
في البداية، تلقى جيمي علاجا كيميائيا لتدمير الخلايا الجذعية الموجودة في جسمه والتي كانت تنتج خلايا الدم المنجلية. ثم تم ضخ الخلايا المعدلة وراثيا في جسمه بغية تخليص دمه من المرض.
كانت العملية مرهقة، لكن بعد مرور أسبوعين، أصبح جيمي شخصا مختلفا تماما.
يقول: “أتذكر أنني بدأت أتحرك دون أن أشعر بالألم أو الضياع. بما أن حياتي مرتبطة بالألم بشكل كبير، كان ذلك الألم يمثل جزءا من كياني. وكان عدم شعوري بالألم شيئا غريبا”.
يقول الدكتور فرانغول إن بيانات المرضى السبعة الأوائل “مذهلة بحق”، وإنها قدمت “علاجا فعالا” لمرضهم.
يضيف الدكتور فرانغول إن “ما نراه الآن هو أن المرضى بدأوا يعودون لممارسة حياتهم الطبيعية، ولم يضطر أي منهم إلى دخول المستشفى أو إلى زيارة الطبيب بسبب تعقيدات مترتبة على مرض الأنيميا المنجلية.
وقد تم إجراء نفس عملية التعديل الجيني على إجمالي 45 مريضا إما بالأنيميا المنجلية أو بمرض آخر يصيب الدم هو الثلاسيميا من النوع “بيتا”( أو أنيميا البحر المتوسط من النوع “بيتا”) والذي ينتج عن بروتين هيموغلوبين مشوه. ولكن لم يتم بعد الانتهاء من فحص كافة البيانات الخاصة بجميع هؤلاء المرضى.
بعد تخلصه من الألم، أخيرا يشعر جيمي بأنه يستطيع أن يصبح ذلك الشخص الذي لطالما شعر به في أعماقه. يقول إن المرض جعله شخصا انطوائيا لأنه أجبره على المكوث في منزله وتوخي الحذر.
يضيف: “هناك مقارنة استخدمها لوصف حالتي: عندما ولد ابني، رأيته ينظر من نافذة السيارة ليرى العالم للمرة الأولى بوصفه شخصا جديدا. أكاد أشعر بنفس الشيء – فأنا أعيش حياتي الآن كإنسان جديد”.
كما يشعر جيمي بأنه أخيرا يستطيع أن يصبح الأب الذي كان يريد. “مجرد المشي مع ابني كانت من الأشياء التي ظننت أنني لن يكون باستطاعتي القيام بها”.