قبل 47 دقيقة
طور فريق من العلماء في الهند اختبارا ورقيا غير مكلف للكشف عن الإصابة بفيروس كورونا، ويمكن للاختبار أن يعطي نتائج سريعة تشبه اختبار الحمل. مراسلا بي بي سي، سوتيك بيسواس وكروتيكا باثي، يسلطان الضوء على طريقة عمل هذا الاختبار.
يعتمد الاختبار، الذي أطلق عليه اسم “فيلودا”، وهو اسم محقق شهير في مجموعة قصص هندية، على تقنية تحرير الجينات الوراثية المعروفة باسم “كريسبر”، ويقدّر العلماء ظهور نتائج الاختبار في غضون أقل من ساعة بتكلفة 500 روبية (أي حوالي 6.75 من الدولارات).
وترعى شركة “تاتا” الهندية الرائدة اختبار “فيلودا”، الذي قد يكون أول اختبار ورقي في العالم لاكتشاف الإصابة بكوفيد-19 يُطرح في الأسواق.
وقال الأستاذ الجامعي كيه فيجاي راغافان، المستشار العلمي البارز للحكومة الهندية، لبي بي سي: “هذا اختبار بسيط ودقيق وموثوق وقابل للتطوير ورخيص الثمن”.
واستطاع باحثون في معهد علم الجينوم والبيولوجيا التكاملية “سي إس آي آر” ومقره دلهي، الذي طور اختبار “فيلودا”، تجربة الاختبار على عينات شملت نحو ألفي مريض، بما في ذلك أشخاص ثبتت إصابتهم بالفعل بفيروس كورونا.
وخلص الباحثون إلى أن الاختبار الجديد أظهر نسبة حساسية بلغت 96 في المئة، ودقة بنسبة 98 في المئة. وتعتمد دقة الاختبار على هاتين النسبتين، إذ يستطيع الاختبار شديد الحساسية أن يكتشف كل مصاب بالمرض تقريبا، كما يستبعد الاختبار، الذي يتميز بدرجة عالية من الدقة، بطريقة صحيحة كل شخص غير مصاب بالمرض.
فالنسبة الأولى تضمن عدم وجود الكثير من النتائج السلبية الخطأ، بينما تضمن النسبة الثانية عدم وجود الكثير من النتائج الإيجابية المضللة. وأجازت هيئة تنظيم الأدوية في الهند الاختبار للاستخدام التجاري.
وتعد الهند ثاني أكبر دول العالم من حيث عدد حالات الإصابة بكوفيد-19، إذ سجلت البلاد حتى الآن إصابة ما يزيد على ستة ملايين شخص ووفاة 100 ألف شخص.
وتختبر الهند حاليا، مقارنة ببدايتها البطيئة، مليون عينة يوميا في أكثر من 1200 مختبر في جميع أنحاء البلاد.
وتستعين البلاد باختبارين: الأول هو اختبار مسحة “بي سي آر”، والذي يستخدم المواد الكيميائية لتكبير الجين الحامل للفيروس في المختبر. والثاني هو اختبار الأجسام المضادة السريع، والذي يعمل عن طريق الكشف عن بقايا الفيروس في العينة.
ويعد اختبار “بي سي آر” من الاختبارات الموثوق بها بشكل عام، وتصل تكلفته إلى 2400 روبية، لكنه يحتوي على معدلات إيجابية مضللة منخفضة، فضلا عن معدلات سلبية مضللة منخفضة.
وتعد اختبارات الأجسام المضادة أرخص ثمنا، وأكثر دقة في الكشف عن حالات الإصابة الإيجابية، لكنها تظهر نتائج سلبية خاطئة أكثر من اختبار “بي سي آر”.
ويقول أنانت بهان، الباحث في الصحة العالمية والسياسة الصحية، إن توسيع نطاق الاختبارات في الهند لا يعني سهولة توافرها حتى الآن.
ويضيف بهان لبي بي سي: “لا تزال توجد قوائم انتظار طويلة في ظل عدم توفر اختبارات. ونحن نجري الكثير من اختبارات الأجسام المضادة السريعة التي تحتوي على مشاكل مع نتائج سلبية مضللة”.
وثمة اعتقاد بأن اختبار “فيلودا” يمكن أن يحل محل اختبارات الأجسام المضادة لأنه قد يكون أرخص نسبيا وأكثر دقة.
ويقول أنوراغ أغاروال، مدير معهد علم الجينوم والبيولوجيا التكاملية، لبي بي سي: “الاختبار الجديد موثوق به، مثل اختبار بي سي آر، كما إنه أسرع، ويمكن إجراؤه في مختبرات أصغر لا تحتوي على أجهزة متطورة”.
وسوف يكون جمع العينات لاختبار “فيلودا” مشابها لاختبار “بي سي آر”، عن طريق مسحة يتم إدخالها بضع بوصات في الأنف للتحقق من وجود فيروس كورونا في الجزء الخلفي من ممر الأنف، ولا تسمح الهند حتى الآن بإجراء اختبارات كوفيد-19 من عينات اللعاب.
ويقوم اختبار “بي سي آر” التقليدي على إرسال العينة إلى مختبر معتمد، حيث يجب أن يمر الاختبار بعدة “دورات” عمل، قبل تشخيص الإصابة بالفيروس.
ويستخدم اختبار “فيلودا” الجديد تقنية “كريسبر”، التي تشمل تحرير الجينات الوراثية لاكتشاف الفيروس.
ووفقا للباحثين، يعمل تحرير الجينات بطريقة مشابهة لمعالجة الكلمات، مثل استخدام المؤشر لتصحيح خطأ مطبعي عن طريق إزالة الحرف غير الصحيح وإدخال حرف صحيح، وهذه التقنية دقيقة للغاية ويمكنها إزالة وإضافة جينوم واحد. ويستخدم التعديل الجيني بشكل أساسي لمنع العدوى وعلاج أمراض مثل مرض فقر الدم المنجلي.
وعند استخدام تقنية “كريسبر” كأداة تشخيصية – مثل اختبار “فيلودا”- تلتصق تلك الأداة بمجموعة من أحرف الجين الذي يحمل بصمة فيروس كورونا، وتبرزه، وتعطي قراءة على قطعة من الورق.
ويشير الخطان الأزرقان في ذلك الاختبار إلى نتيجة إيجابية، بينما يشير الخط الأزرق الأحادي إلى أن نتيجة الاختبار سلبية.
ويقول ستيفن كيسلر، الباحث في كلية الطب بجامعة هارفارد: “يظل الاختبار موردا محدودا، ويلزم أن نبذل قصارى الجهود لتحسين توافره، لذا فإن اختبار فيلودا خطوة مهمة على هذا الدرب”.
وتعد الاختبارات التي تقوم على تقنية “كريسبر” جزءا من “موجة ثالثة للاختبارات” بعد اختبارات “بي سي آر” المستهلكة للوقت والمجهود الكبير، وفقا لتوماس تساي، من معهد هارفارد للصحة العالمية.
ويقوم العديد من الشركات والمختبرات البحثية، في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، بتطوير اختبارات شرائط ورقية مماثلة يمكن أن تكون رخيصة الثمن ومنتجة بكميات كبيرة، وكان من أكثرها إثارة للنقاش، الشريط الورقي الذي طورته شركة “شيرلوك بايوساينس”، الذي وافقت إدارة الغذاء والدواء الأمريكية على استخدامه في حالات الطوارئ.
ويقال إن الاختبار يكتشف “البصمات الجينية الفريدة لأي تسلسل “دي إن إيه” أو “آر إن إيه” في أي كائن حي أو عامل ممرض.
والحمض النووي “دي إن إيه” والحمض النووي الريبي “آر إن إيه” هما جزيئات شقيقة مسؤولة عن تخزين جميع المعلومات الجينية التي تدعم الحياة.
ويقول تساي: “سيكون الاختبار الورقي هو الاختبار المثالي والنهائي الذي يمكنك إجراؤه من المنزل. لكن بالطبع، هناك بعض القيود البيولوجية على التقنية، إذ لا يمكننا أن نتوقع من الناس استخراج وتكبير الحمض النووي الريبي من المنزل”.
وقال ديبوجيوتي تشاكرابورتي، عالم جزيئات وعضو رئيسي في فريق الباحثين الذين طوروا اختبار “فيلودا”، لبي بي سي إنهم يعملون على نموذج أولي لاختبار يمكن من خلاله “استخراج وتكبير الحمض النووي الريبي باستخدام جهاز بي سي آر في المنزل”.
وأضاف: “نحاول توفير اختبار بسيط، وبأسعار معقولة، يحقق الرعاية، لذا فإن الاختبار واسع النطاق لا يقتصر على توافر الآلات، أو القوى البشرية العاملة”.
ويقول كيسلر: “لدى الهند فرصة لإظهار قيمة هذا الاختبار، نظرا لتعداد سكانها الكبير، كما يمكن إجراؤه في الوقت المناسب عندما تكون هناك حاجة إليه، وإذا ثبتت فعالية الاختبار، يمكن أن يكون له فوائد في شتى أرجاء العالم.”
وسيكون اللقاح أمرا بالغ الأهمية للشفاء التام من الوباء، ويضيف كيسلر: “في العالم المثالي الذي أتخيله، سيكون إجراء الاختبار سهلاً مثل تنظيف أسنانك بالفرشاة أو تحضير الخبز المحمص”.