- ديفيد براون
- أخبار بي بي سي
قبل 3 دقيقة
وجد الملايين من الناس أنفسهم بحاجة إلى مكاتب في منازلهم للمرة الأولى في حياتهم العملية. استخدم البعض الكراسي الموجودة في مطابخ بيوتهم أو جلسوا على الأرائك مع حواسيبهم لأشهر طويلة.
ولكن، وحتى في حالة التوصل إلى لقاح فعال لمرض كوفيد-19، قد لا يعود العديد من الناس للعمل في مكاتبهم الأصلية كل الوقت. والمؤشرات إلى التأثيرات السلبية للوباء على الصحة العقلية للبريطانيين ليست مشجعة على الإطلاق.
فقد ارتفعت مستويات الإصابة بالكآبة، بينما أظهر استطلاع أجراه مؤخرا المعهد الملكي للمعماريين البريطانيين أن الكثيرين من الذين شاركوا فيه قالوا إن ممارسة أعمالهم من منازلهم جعلتهم أكثر شعورا بالإرهاق والتعب.
فما الذي نستطيع فعله لجعل العمل من المنازل أكثر راحة وسعادة؟
اسمح للضوء بالدخول
يقول أخصائي الأمراض النفسية والعقلية د. تي بي أس بالامورالي إن “الناس مختلفون إلى حد بعيد فيما يتعلق بشخصياتهم، ولكن المبادئ الأساسية واضحة جدا. فضياء الشمس، إضافة إلى الهواء المنعش وقدرة التواصل مع الطبيعة، كلها عوامل نافعة لصحة الإنسان الذهنية والعقلية”.
فضوء الشمس يحفز المخ على إفراز هرمون السيروتونين، الذي يساعد الإنسان في أن يشعر بالهدوء والسكينة ويجعله أكثر قدرة على التركيز، كما يلطّف المزاج ويقلل من الشعور بالقلق.
ويقول المعماري بين تشانون، مدير الشؤون الصحية في دار أسايل للهندسة المعمارية، إن “منافع ضوء الشمس هائلة”.
ويضيف أن “ضياء الشمس هو الحجر الأساس لتأثيره الكبير على الطريقة التي نستشعر بها الفضاءات ودوره في تنظيم نومنا. والتعامل مع وباء كوفيد-19 كان مرهقا للجميع، ولذا فلضوء الشمس أهمية استثنائية في الوقت الراهن”.
ولكن الجانب الإيجابي للموضوع، حسب ما يقول تشانون، هو أن “بإمكان الناس السيطرة على الضوء أكثر مما قد يعتقدون”.
وينصح تشانون بنقل طاولات العمل إلى أماكن قريبة من الشبابيك إذا كان ذلك ممكنا. ويقول إنه يجب التأكد من فتح الستائر بشكل كامل وأن الشبابيك نظيفة من الداخل والخارج. فتجمع الغبار على زجاج الشبابيك يعرقل إلى حد كبير قدرتها في أيصال الضوء.
وينبغي أيضا استخدام المرايا لنشر الضوء في الغرف. ومن المفيد دهان الغرف باللون الأبيض أو بلون فاتح لجعلها أكثر نشرا للضوء. اختر غرفة في الطابق العلوي إذا تمكنت من ذلك، فالغرف العليا أكثر عرضة لأشعة الشمس وكذلك الغرف ذات السقوف العالية.
منع الضوضاء
تقول د. ريبيكا ديوي، وهي أخصائية في الكيفية التي يتعامل بها الدماغ مع الأصوات من جامعة نوتينغهام في بريطانيا، إن الأجزاء المختلفة من الدماغ تحاول باستمرار التعرف على الأصوات المختلفة والتغييرات التي تطرأ عليها.
وتقول “من شأن الأصوات الزائدة والضوضاء أن تشتت الذهن وتعرقل سلاسة العمل، والأصوات الحادة تعدّ مشكلة أكبر من الأصوات الخافتة”. وبينما يقوم الدماغ بالبحث عن أي تغييرات في الأصوات، “قد يشعر الإنسان بالحيرة وتشتت الذهن عند توقف الأصوات”.
ويفسر عالم الأعصاب الأستاذ أدريان ريس من جامعة نيوكاسل البريطانية ذلك بالقول “تؤثر الأصوات في رد المواجهة أو الهروب عند الإنسان”.
فالأصوات المزعجة تحفز جزءا في الدماغ يقال له “اللوزة” لإصدار إيعازات تشير إلى وجود خطر ما. ويستلم جزء آخر من الدماغ، وهو “الوطاء أو الهايبوثالاموس” هذه الإيعازات الذي يوعز بدوره للغدتين الكظريتين بإفراز الأدرنالين في الدورة الدموية مما يؤدي إلى رفع ضغط الدم.
ويقول أ. ريس “يتعلق هذا بما يعنيه الصوت بالنسبة للإنسان”.
فعلى سبيل المثال، يكون التغاضي عن بكاء طفلك أصعب بكثير من التغاضي عن صوت حركة المرور حتى وإن كان الصوتان بشدة متساوية”.
قد تقدم سدادات الأذن حلا بالنسبة للبعض، ولكن إذا أراد المرء الذهاب إلى أبعد من ذلك، يقترح معماريون استخدام سجاد سميك وستائر أكثر سمكا من أجل امتصاص الأصوات.
وإذا لم تفلح هذه الخطوات في حل المشكلة، يمكن اللجوء إلى استخدام ألواح تثبت تحت السجاد واستبدال السقوف وتثبيت ألواح إضافية على الجدران ومسدات للشبابيك شريطة أن لا تحجب أشعة الشمس بشكل كبير.
إزالة الفوضى
توصلت دراسات إلى أن الفوضى والبعثرة وتكدس الحاجيات الزائدة تؤدي إلى ارتفاع في هرمون كورتيزول المعني بالضغط والإجهاد. السبب في ذلك أن الفوضى تبعث بإيعازات متناقضة إلى الدماغ، الذي عليه حينها بذل المزيد من الجهد لترشيح الإشارات غير المفيدة.
وتقول د. ألينور راتكليف، عالمة النفس المتخصصة بالتأثيرات البيئية في جامعة ساري البريطانية، “المشكلة الرئيسية التي تتعلق بالفوضى هي زيادة التحفيزات التي تؤدي إليها”.
وتضيف أنه من الطبيعي جدا أن ترتفع مستويات الكورتيزول في بعض الأحيان، ولكن الارتفاع المستمر في هذا الهرمون مرتبط بالقلق والكآبة والصداع والأرق؟
وتقول د. راتكليف، “عليك التأمل في احتياجاتك.” وبينما قد لا يشكل قدرا معقولا من الفوضى أي مشاكل في منزل مريح قد يتغير هذا الوضع إذا تحول المنزل إلى مكان عمل.
وتقول “في هذه الحالة تتغير طبيعة احتياجاتك، وعليك تقليل مصادر الإرباك”.
لذلك، تخلص من الحاجيات والمواد الفائضة عن حاجتك ونظم نفسك وحاول الحصول على أماكن خزن مناسبة إذا تمكنت من ذلك.
إذا كنت من الكثيرين الذين توقفوا عن التوجه إلى مكاتبهم أو أماكن عملهم، فإنك توقفت عن المشي إلى محطة الحافلات أو محطة القطار، وتوقفت أيضا عن تسلق السلالم لحضور الاجتماعات وما إلى ذلك.
فإذا كان المشي الوحيد الذي تمارسه في الوقت الراهن هو من غرفة نومك إلى غرفة عملك أو الطاولة الموجودة في المطبخ، تكون قد فقدت النشاط البدني الذي يعزز لياقتك الذهنية والبدنية.
وتوصلت عدة دراسات إلى أن التمارين الرياضية هي علاج طبيعي للقلق، وتقلل من الضغوط التي يشعر بها الإنسان وترفع مستوى الطاقة البدنية والذهنية وتعزز الشعور بالصحة من خلال زيادة إفراز الإندورفين.
تقول د. راتكليف إن “قلة التمرين والنشاط لها تأثير كبير. فإذا كان الناس محرومون من التمرين، عليهم التفكير في كيفية ترتيب أيامهم وعليهم بذل جهود حقيقية من أجل معالجة الوضع الذي هم فيه”.
أحد الخيارات المتاحة هو استخدام مكتب للواقفين (أي مكتب لا يوجد له كرسي)، واستعماله بالشكل المطلوب. قف على قدميك لجزء من اليوم واجلس في الجزء الآخر، وبإمكانك أيضا أخذ أقساط من الراحة تستغلها في المشي خارج المنزل.
وتقول أ. غايل كينمان، عضوة جمعية علماء النفس البريطانيين، “قبل تفشي الوباء، كانت عملية التنقل من المنزل إلى مكان العمل وبالعكس تمثل بالنسبة للكثيرين فرصة للتخلص من الضغوط التي تشغلهم”.
“فقد كانت تتيح الفرصة للناس لبناء حاجز واضح بين أعمالهم من جهة وحياتهم المنزلية من جهة أخرى. ولكن عندما تكون تعمل من المنزل، تصبح هذه الحواجز هلامية ونفّاذة.” وتضيف أن الخروج من المنزل لممارسة التمارين بشكل دوري قد تمنح العديد من العاملين من منازلهم الفرصة التي هم بحاجة إليها للتنفيس عن الضغوط التي يشعرون بها.
استعن بالنباتات
هناك الكثير من الحجج التي تقول إن للتواصل مع الطبيعة فوائد ذهنية جمة، من خفض ضغط الدم إلى تقليل مستويات القلق والإرهاق والتفكير الزائد بشتى الأمور، كما ينفع في تحسين الانتباه والذاكرة ونوعية النوم.
ولذا فإن لإدخال النباتات وغيرها من الطبيعيات إلى مكان العمل في المنزل تأثير كبير على نوعية العيش فيه.
شرحت لنا د. راتكليف ما يطلق عليه “نظرية ترميم الإنتباه”.
وتقول، إن “النظر إلى الأجسام الطبيعية قد يعطي دماغك فسحة – أو سلسلة من الفسحات الصغيرة – تريحك من التركيز المستمر. فالنظر إلى النباتات وغيرها يأخذ انتباهك ولكن ليس بطريقة زائدة أو كثيرة التحفيز. وهذا أمر مفيد”.
وتضيف، “علاوة على ذلك، فنحن كثيرا ما نربط بين الطبيعة والراحة والاستجمام، وهو أمر يحسّن بدوره مزاجنا”.
التواصل الاجتماعي – ولكن ليس من خلال الإنترنت فقط
يقول د. بالامورالي إن على أولئك الذين لا يشعرون بالسعادة وهم يعملون من منازلهم التفكير بجد حول الأمور التي يفتقدون إليها بعدم التوجه إلى مكاتبهم وأماكن عملهم، وأن يحاولوا تعويض ما فقدوه.
وبالنسبة للكثير من الناس، يتصدر موضوع فقدان التواصل الاجتماعي قائمة الأمور التي يفتقدونها ويشتاقون إليها.
ويقول إن الكثيرين منّا يحصلون على 80 إلى 90 في المئة من تواصلهم الاجتماعي في أماكن العمل.
وإذا كان ذلك عن طريق الدردشة مع زملاء العمل في المكتب أو في المطعم أو في المصعد أو على السلالم، فإن هذا النوع من التواصل مفيد ونافع لعدد كبير من الناس.
ولكنه مضى للقول “عندما فرضت إجراءات الإغلاق، تبخر كل ذلك فجأة. الأمر يعتمد على نوع شخصيتك، ولكن العامل المشترك هو أن الكثيرين من الناس يحتاجون إلى مزيد من التواصل الاجتماعي بطرق أخرى”.
“ولذا، حاول الخروج من المنزل في وقت الغداء وفي الأماسي، تواصل مع الأصدقاء والأقارب والجيران وكل الناس الذين تشعر بالرغبة في البقاء على اتصال بهم”.
ورغم أن الالتقاء بالآخرين أصبح أمرا أكثر صعوبة في زمن الإغلاق، يطرح د. بالامورالي فكرة الالتقاء مع شخص واحد لممارسة التمرين أو المشي معه.
ويضيف، “إن الإنسان حيوان اجتماعي، ولذا لن يكفيه النظر إلى الشاشة واستخدام زوم”.
الرسوم: برينا شاه