- جو تيدي
- مراسل شؤون الأمن الإلكتروني في بي بي سي
قبل 51 دقيقة
تتبع هانا لوسون-ويست نظاما حياتيا أثناء الليل مثل معظمنا، لكنها تُضمّن هذا النظام عملاً لا يقوم به كثيرون.
ويتمثل هذا العمل في القيام بآلاف العمليات الحسابية المعقدة التي تستهدف المساعدة في الوصول إلى علاج لـ كوفيد-19.
وتأوي هانا إلى فراشها في حوالي الساعة 22:30 وتشغّل نظام التدفئة، حتى تنتهي من غسل وجهها وأسنانها. وما أن تدلف إلى الفراش، حتى تلقي نظرة على الأخبار وعلى إنستغرام، وتوصّل هاتفها بالشاحن قبل أن تستسلم للنعاس.
وعلى مدى ثماني ساعات، وبينما تكون هانا البالغة 31 عاما نائمة في شقتها القائمة في لندن، يستمر هاتفها المحمول في العمل، ويتيح قدراته لباحثين يجرون دراسة للوصول إلى علاج لـكوفيد-19.
داومت هانا على هذا النظام كل ليلة لمدة عام أتمّ فيها هاتفها المحمول نحو 2,500 عملية حسابية.
وتُعدّ هانا واحدة من بين مئة ألف شخص حول العالم يسخّرون قدرات هواتفهم الذكية لمصلحة تطبيق “دريم لاب” DreamLab.
ويقوم هذا التطبيق بعمل محاكاة رقمية لجزيئات الأغذية بهدف الوقوف على توليفات العناصر الغذائية التي قد تساعد الأطباء في علاج كوفيد-19 أو أولئك الذين يعانون الأعراض طويلة الأمد لفيروس كورونا.
ولم يظهر حتى الآن أي دليل على أن هناك غذاء بعينه قادر على تقديم المساعدة للمصابين بـ كوفيد-19، أو الوقاية من الإصابة به. وثمة حاجة إلى المزيد من البحث للوصول إلى نتائج هذا المشروع ومن ثم الوقوف على مدى جدواه.
وتشترك جامعة إمبريال كوليدج لندن ومؤسسة فودافون الخيرية في إجراء الدراسة التي تُنشر نتائجها في دورية يشرف عليها عدد من الباحثين.
قوة الحوسبة التطوعية
يقول المنظمون إن شبكة العمل التطوعي لحواسيب الهواتف الذكية تقدم خدمة لا تقدر بثمن؛ إذ تستطيع هذه الشبكة تجميع بيانات في ثلاثة أشهر كان تجميعها بالحاسبوب العادي يتطلب ما لا يقل عن 300 عام.
تقول هانا: “استخدمت التطبيق أول مرة عندما شخّص الأطباء مرض أبي بأنه سرطان في الدم. ومن ثمّ كانت الدراسة الأولى التي سخّرتُ هاتفي لخدمتها تستهدف تسريع الوصول إلى علاج للسرطان”.
وتضيف هانا: “ولمّا ضرب وباء كوفيد-19 العالم، فكرت في تغيير الوجهة صوب علاج هذا الوباء”.
تقول هانا: “يطيب لي الرجوع إلى التطبيق أيام العطلات الأسبوعية. وما زالت تدهشني فكرة القيام بعمل خيري أثناء النوم، وللصراحة فإني أتساءل لماذا لا يقدم المزيد من الناس على القيام بذلك”.
وأنجزت هواتف متطوعين من أمثال هانا أكثر من 53 مليون عملية حسابية حتى الآن. ويتاح التطبيق حول العالم، وهو الآن مستخدم في 17 دولة منها المملكة المتحدة، وأستراليا، وجنوب أفريقيا، وألمانيا، واليونان، وإسبانيا، والبرتغال.
وعلى مسافة 900 ميل من هانا في لندن، تقيم أنجليكا أزيفيدو في لشبونة وتسخّر هي الأخرى قدرات هاتفها المحمول لخدمة المشروع ذاته أثناء ساعات نومها.
تقول أنجليكا: “قضت أمي بسرطان الدم بعد تفشي الوباء. ومن هنا جاءت حساسيتي للأمور الطبية. ولو كان بإمكاني القيام بأي شيء للمساهمة في عملية الوصول إلى علاج لـكوفيد، فلن أتخلف عن المحاولة بكل تأكيد”.
وتؤكد أنجليكا ذات الثمانية وعشرين ربيعا أنها تحب أن يكون أول ما تقوم به كل صباح الرجوع إلى تطبيق DreamLab للوقوف على كمّ العمليات الحسابية التي أجراها الهاتف على مدار الليل “وهكذا يداخلني شعور بأنني ساهمت في شيء”.
“عظيم أن يسخّر الناس حواسيبهم لمساعدتنا”
يتوجّه كيريل فيسيلكوف الباحث في كلية الطب بجامعة إمبريال كوليدج لندن بوفير الشكر لكل من يُسهم في نجاح المشروع الذي يشرف على تنفيذه فريق من الباحثين.
وأنجزت حتى الآن نسبة 55 في المئة من مشروع “كورونا-الذكاء الاصطناعي”، وبرغم الاستعانة بالحواسيب المتقدمة في جامعة إمبريال كوليدج لندن، لم يستطع فريق الباحث كيريل إنجاز ما تحقق بمساهمة المتطوعين في فترة وجيزة.
يقول كيريل: “تفوق سرعة مئة ألف من الهواتف المحمولة سرعة الحواسيب المتقدمة التي أستخدمها بمقدار مرتين إلى ثلاث مرات. إنه شيء عظيم أن يسخر الكثير من الناس حواسيبهم لمساعدتنا كل ليلة”.
ويوضّح كيريل: “مع كل مرة ينجح فيها متطوع في إتمام ‘عملية حسابية’ فإن ما يقوم به هاتفه في واقع الأمر هو الدخول في عملية محاكاة معقدة تستهدف الوصول إلى توليفات متنوعة لجزيئات غذائية لمعرفة أيّها يمكن نظريًا أن يساعد أحدَهم في التغلب على الإصابة بـكوفيد-19”.
ويضيف الباحث: “ثمة نحو مئة مليون توليفة مختلفة لجزيئات غذائية ينبغي محاولة الوصول إليها. وعليه، فكلما زاد عدد الهواتف التي تجري العمليات الحسابية، كان ذلك أفضل للوصول إلى نتائج على نحو أسرع”.
ويفترض أن تنشر نتائج مشروع الدراسة التي يشرف عليها الباحث كيريل في دورية هيومان جينوميكس.
وحتى الآن، تمكّن الفريق البحثي القائم على الدراسة من معرفة أكثر من 50 جزيئًا محددا يمكن من الناحية النظرية أن تحتوي على خصائص مضادة للإصابة بـكوفيد-19.
وعن هذه الدراسة، يقول سيمون كلارك، الباحث في جامعة ريدينغ: “إنها دراسة مهمة تستغل قواعد ضخمة من البيانات مستخدمة في ذلك الهواتف المحمولة للأشخاص، في طريقة جديدة يحاول عبرها العلماء التعرف أكثر على كوفيد-19”.
ويضيف كلارك: “على الرغم من أن تحديد عناصر غذائية بعينها قد يساعد في تقليص الإصابات بـ كوفيد-19، من الأهمية هنا التأكيد على أن مكافحة الوباء المتفشي يمكن أن تتم عبر مواصلة اتباع إجراءات التباعد الاجتماعي، والحرص على النظافة الشخصية، والحصول على اللقاحات الجاري تطويرها”.
جذور الفكرة
بدأت عمليات الحوسبة التطوعية في حقبة التسعينيات من القرن الماضي. وكان أول مشروع ضخم شارك فيه أكثر من مئة ألف متطوع هو مشروعSETI@home، وكان عبارة عن تجربة علمية أجرتها جامعة بيركلي.
وكان الهدف من مشروع SETI معرفة المزيد عن الحياة في الفضاء الخارجي. وتقررت الاستعانة بحواسيب متصلة بالإنترنت، وطلب الباحثون من المتطوعين تشغيل برامج مجانية تقوم بتحميل بيانات التلسكوبات اللاسلكية وتحليلها.
وكان الباحث ديفيد أندرسون أحد مؤسسي مشروع SETI، وعمد بعد ذلك إلى تدشين منصة برمجيات أطلق عليها اسم BOINC لتكون في خدمة الباحثين في إجراء دراساتهم.
يقول أندرسون: “القوة الضاربة من حواسيب العالم ليست في مراكز الحواسيب فائقة التطور، ولا هي موجودة في سحب إلكترونية، إنما هي في منازل الناس، في حواسيبهم الشخصية، في هواتفهم المحمولة، في سياراتهم، وأجهزتهم المنزلية. ثمة مليارات من تلك الأجهزة. وما تفعله الحوسبة التطوعية هو وضْع كل هذه الأجهزة تحت تصرُّف البحث العلمي”.
وثمة مشروع آخر يعتمد الطريقة ذاتها في علاج كوفيد-19 عبر لعبة الفيديو Eve Online شائعة الاستخدام على الحواسيب.
ويقول مصممو اللعبة إن أكثر من 171 ألف لاعب استجابوا لـ 47 مليون طلب أثناء مزاولتهم اللعبة للمساعدة في تصنيف خلايا فيروس كورونا.
وعبر تجميعات لأعداد متنوعة من الخلايا، يأمل الباحثون أن يصبح بإمكانهم تحليل الطريقة التي يؤثر بها الفيروس على جهاز المناعة.