- جيمس غالغر
- مراسل الشؤون الصحية والعلمية – بي بي سي
قبل 27 دقيقة
من منا لم يصرخ غاضبا على مدى العامين الماضيين “هل انتهى الوباء”؟ أو “متى يمكنني متابعة حياتي”؟
قد تظهر الإجابة على هذا السؤال في وقت قريب جدا.
وتتزايد الثقة في الفترة الأخيرة في أن متحور أوميكرون قد يدفع إلى انتهاء الوباء في بريطانيا.
لكن ماذا بعد الوباء؟ لن تكون هناك أنامل سحرية لإخفاء الفيروس. لكن الكلمة الرنانة التي يتعين علينا الاعتياد على سماعها هي “متوطن”، مما يشير إلى أن كوفيد باق دون شك.
بذلك، هل هناك عهد جديد وشيك من كوفيد، فماذا يعني ذلك لحياتنا؟
قال لي البروفيسور جوليان هيسكوكس، رئيس قسم العدوى والصحة العالمية في جامعة ليفربول “نحن على وشك الوصول، إنها الآن بداية النهاية، على الأقل في بريطانيا.. أعتقد أن الحياة في عام 2022 ستعود تقريبا إلى ما كانت عليه قبل الوباء”.
ما يتغير هو مناعتنا. ظهر فيروس كورونا لأول مرة منذ عامين في ووهان بالصين، وكنا معرضين للخطر. لقد كان فيروسا جديدا تماما لم تختبره أجهزتنا المناعية من قبل، ولم يكن لدينا أدوية أو لقاحات للتحصن منه.
كانت النتيجة مثل اصطحاب قاذف اللهب إلى مصنع للألعاب النارية. انتشر فيروس كوفيد بقوة في جميع أنحاء العالم. لكن النيران لا يمكن أن تستعر بالقوة عينها إلى الأبد.
يتبقى خياران، إما أن نقضي على كوفيد، كما فعلنا مع الإيبولا في غربي إفريقيا، أو أنه سيختفي ولكنه سيبقى معنا على المدى الطويل. سينضم إلى سرب الأمراض المتوطنة، مثل نزلات البرد، وفيروس نقص المناعة المكتسبة، والحصبة، والملاريا، والسل، المتواجدة دائما.
بالنسبة للكثيرين، كان هذا هو المصير المحتوم للفيروس الذي ينتشر في الهواء قبل أن تعرف حتى أنك مريض. تقول الدكتورة إليزابيتا غروبيلي، عالمة الفيروسات في جامعة سانت جورج لندن “الفيروس كتب عليه التوطن”.
وتضيف “أنا متفائلة جدا.. سنكون قريبا في موقف ينتشر فيه الفيروس بينما نعتني بالأشخاص المعرضين للخطر، جراء الإصابة ونسلم بأن الجميع قد يصابون به. وفي هذه الحالة يكون الشخص العادي على ما يرام رغم الإصابة”.
وغالبا ما يرجح علماء الفيروسات، الذين يدرسون معدلات انتشار الأمراض، أن مرض ما أصبح متوطنا عندما تتسم مستويات الإصابة بقدر من الثبات وتكون قابلة للتنبؤ بمسارها المستقبلي، وهو ما يأتي على النقيض مما نشاهده من موجات “الارتفاع الحاد والتراجع الكبير” في معدل انتشار الوباء.
لكن أذرا غاني، أستاذة الأوبئة في كلية الطب الملكية في لندن، رجحت أن آخرين يستخدمون النظرية نفسها ليرجحوا أن كوفيد لا يزال موجودا، لكن لا داعي لأن نقيد حياتنا.
وتوقعت غاني أن نصل إلى تلك المرحلة “بسرعة”، وأضافت “يبدو الأمر وكأنه استغرق وقتا طويلا، لكننا بدأنا التحصن باللقاحات المضادة للفيروس منذ عام واحد فقط، وهو ما أعطانا قدرا إضافيا من الحرية”.
وقد تكون المفاجأة الوحيدة التي يمكن أن تحدث هي ظهور متحور جديد يتفوق على أوميكرون ويسبب أمراضا أخطر مما تسببه السلالة الحالية.
إلى أي مدى قد تصل درجة الخطورة؟
من المهم ألا ننسى أن متوطن لا تعني بالضرورة أن يكون بسيطا. وقالت غاني “هناك بعض الأمراض المتوطنة التي تقتل الكثيرين”. فلدينا على سبيل المثال مرض الجدري الذي كان مرضا متوطنا، لكنه قتل ثلث من أصيبوا به. كما تعتبر الملاريا من الأمراض المتوطنة، لكنها تتسبب في مقتل 600 ألف شخص سنويا.
لكننا نرى الآن أن كوفيد أصبح أقل فتكا في حين أصبحت مقاومته مألوفة لأجسامنا.
وفي بريطانيا، هناك حملة لتوزيع اللقاحات المضادة لفيروس كورونا، وحملة لتوزيع الجرعات المعززة تزامنا مع موجة من الوباء تضمنت أربع سلالات من الفيروس.
وقالت إلينور رايلي، أستاذة علم المناعة في جامعة إدنبره “عندما يختفي أوميكرون، سوف يرتفع مستوى المناعة في بريطانيا، لفترة ما على الأقل”.
ودفعت البلاد ثمن المعدلات المرتفعة لانتشار الفيروس بوفاة حوالى 150 ألف حالة. لكن ذلك خلّف تركة من الحماية لدى أجهزتنا المناعية. ويرجح أن تتراجع مستويات تلك المناعة، مما يجعلنا عرضة للإصابة بكوفيد في المستقبل، لكن ينبغي أن نتوقع ألا تسبب حالة خطيرة.
وقال هيسكوكس، الذي يرأس المجموعة الإستشارية لمخاطر الفيروسات الصدرية الجديدة والناشئة التي تقدم الدعم للحكومة البريطانية، إن ذلك يعني أن الناس لن تلحق بهم أضرار بالغة.
وأضاف “سواء كانت الإصابة بسلالة جديدة أو قديمة، بالنسبة لمعظمنا، يرجح أن تكون مثل نزلة برد فيروس كورونا، وسوف نعطس ونشعر ببعض الصداع ثم نكون على ما يرام بعدها”.
كيف ينعكس ذلك على حياتنا؟
سوف يموت البعض بسبب كوفيد المتوطن، وهم من كبار السن والفئة الأكثر عرضة لخطر الوفاة بسبب الإصابة بالفيروس، لذلك لا نزال في حاجة إلى اتخاذ قرار بشأن كيفية التعايش معه.
وقال هيسكوكس “إذا كنا على استعداد لاتخاذ ما يلزم من إجراءات لضمان عدم وقوع أي وفيات بسبب كوفيد، فسوف نواجه مجموعة كبيرة من القيود ولن تنتهي اللعبة”.
وأوضح “لكن في موسم انتشار الإنفلونزا ووفاة ما يتراوح من 200 إلى 300 شخص يوميا بينما لا يرتدى أحد كمامات ولا تُرعى قواعد التباعد الاجتماعي، فربما سيكون ذلك غير مقبول على الإطلاق”.
ولن نشاهد إغلاقا للبلاد أو قيودا على التجمعات الكبيرة مرة ثانية، كما تنتهي حملات الاختبار الجماعية للكشف عن فيروس كورونا هذا العام، وفقا لما رجحه خبير الأمراض المعدية والصحة العالمية.
ورجح إلى حد كبير أن يستمر توزيع الجرعات المعززة من اللقاحات، للفئات الأكثر عرضة لخطر الوفاة بسبب الإصابة بكوفيد، على مدار فصل الخريف لتعزيز حمايتهم خلال الشتاء.
وقالت غروبيلي “ينبغي أن نتقبل حقيقة أن موسم الإصابة بالإنفلونزا سوف يكون موسما للإصابة بفيروس كورونا أيضا، وهو تحدي سوف نواجهه”.
على الرغم من ذلك، لا يزال من غير المؤكد إلى أي مدى من السوء سوف تصل فصول الشتاء، إذ أن للإنفلونزا وكوفيد الأعراض عينها التي تقتل الناس. وكما قال أحد الأطباء “لا يمكنك أن تموت مرتين”.
وقالت رايلي إننا لن نجبر على ارتداء الكمامات بعد اختفاء أوميكرون، لكن ارتدائها سوف يكون “مشهدا أكثر شيوعا” كما هو الحال في آسيا، إذ يرتديها الناس في الأماكن المزدحمة.
وأضافت “السيناريو الأقرب إلى التحقق لن يشكل فارقا كبيرا عما حدث في خريف 2019 عندما بدأنا في الحصول على لقاح الإنفلونزا”.
ماذا عن باقي العالم؟
بينما تتقدم بريطانيا على باقي دول العالم سواء على مستوى توزيع اللقاحات والأعداد الكبيرة من الحالات، لا يبدو أن العالم يقترب من نهاية للوباء.
فالدول الفقيرة لا تزال تنتظر اللقاحات لتوزيعها على الفئات الأكثر عرضة للخطر. في غضون ذلك، هناك عدد أقل من الوفيات ومناعة أقل أيضا لدى شعوب الدول التي تواجه الوباء وحدها.
وكانت منظمة الصحة العالمية واضحة تماما عندما رجحت أن العالم لا يزال على بعد مسافة طويلة من تحول فيروس كورونا إلى مرض متوطن. وقالت غروبيلي “بالنسبة للعالم، لا يزال وباء ومدعاة لحالة طوارئ مشددة”.