قد تكون الجائحة “بشرى خير” لمواسم الإنفلونزا القادمة

اتخذت بلدان كثيرة تدابير الحماية من أجل الحد من انتشار فيروس كوفيد-19 في العالم أجمع. شملت تلك التدابير الحجر الصحي والتباعد الاجتماعي وإغلاق المدارس والمطاعم وغيرها من الأماكن العامة.
كما أوصت الحكومات الجميع باتخاذ تدابير أكثر لحماية أنفسهم من الإصابة بالمرض، من ضمنها غسل الأيدي وارتداء أقنعة الوجه.
لكن نتائج دراسات أجراها باحثون في اليابان قد أشارت إلى أن هذه الجائحة قد تؤثر على انتقال الإنفلونزا الموسمية-و قد نشهد تراجع معدلات الإصابة بالإنفلونزا هذا العام.
لكن ما مدى منطقية هذه الدراسة و ما السبب وراءها؟
قد توضح نظرة شاملة للأدلة الحالية عن طرق انتقال الإنفلونزا الأمر.

عادات النظافة
دفع هذا الوباء الهيئات الصحية إلى التشديد على أهمية غسل اليدين والتعقيم والتباعد الإجتماعي. ومع الإلتزام الصحيح بتدابير الصحة العامة البسيطة، ستساهم هذه التدابير في الحد بفعالية من انتشار أمراض مثل الإنفلونزا.

حقوق الصورة: (Michael Walter/Unsplash)


 

تمامًا مثل انتقال فيروس كورونا-تنتقل الإنفلونزا عبر رذاذ المخاط أو لعاب المصاب، وبمرور الوقت، ينتقل الفيروس إلى الأيدي والأسطح الأخرى. يعمل غسل اليدين بالماء الدافئ والصابون على التخلص من تلك القطرات على أيدينا، والقضاءعلى الفيروس، إذ يعمل التعقيم على تعطيل انتقال الفيروس على أيدي أو أسطح ملوثة.

وقبل تفشي الوباء، كانت مخاوف تلوث اليد أمرًا مألوفا. وتشير دراسة بحثية أجريت على نطاق واسع في المملكة المتحدة بأن معظم الناس لا يغسلون أيديهم جيدًا. وأوضحت الدراسة أن 32% فقط من الرجال و64% من النساء يغسلون أيديهم بعد استخدام المراحيض العامة.

وعلى النقيض من ذلك، أظهرت نتائج دراسة حديثة أجريت في آذار/مارس 2020 أن 83% من الأشخاص الذين شملهم الإستطلاع الأخير قد التزموا بغسل أيديهم بانتظام، بالرغم من أنه من غير المؤكد أن كلا منهم قد غسل يديه كما هو موصى لمدة 20 ثانية، فلو فرضنا أن هذا العدد يمثل سكان المملكة المتحدة على نطاق أوسع، فمن المرجح أن يساهم هذا في تقليص انتقال الإنفلونزا.

إغلاق المدارس


ويرجح أيضًا تأثر بعض فئات السكان بالعدوى دون غيرها، وقد تتأثر في بعض الأحيان لأسباب غير معروفة، وأحيانا بسبب عوامل أساسية أخرى (بسبب ظروف صحية مثل الإصابة بمرض السكري أو أمراض القلب) التي تجعل هذه الفئات أكثر عرضة للعدوى.

وبالنسبة للإنفلونزا، فقد أُجري تحديد أطفال المدارس ضمن مجموعة فرعية سريعة التأثر، حيث سجلت هذه المجموعة معدل إصابة عالٍ في كل حالة تفشٍّ، ويعزى ذلك جزئيا إلى تناقص مناعة الأطفال و زيادة فرص الإتصال الواسعة لانتقال العدوى التي تحدث داخل المدارس.

ومع إغلاق المدارس على نطاق واسع في معظم البلدان لإبطاء انتشار فيروس كورونا، فإن الكثير من الأطفال متواجدون في منازلهم، ويرجح أن يحد الإغلاق من انتقال الإنفلونزا إلى حد معين.

التباعد الاجتماعي


يعتبر مدى قرب اتصال الناس بشخص مصاب من العوامل الرئيسية التي تؤثر على انتقال الإنفلونزا. أظهرت إحدى الدراسات أنه يمكن للمصاب بالأنفلونزا نشر الرذاذ الملوث إلى مسافة تصل إلى 1.8 متر، ويمكن انتشار هذا الرذاذ من خلال السعال و العطس أو الكلام.

بعد بدء تفشي فيروس كورونا المستجد، دعت المنظمات الصحية إلى اعتماد التباعد الإجتماعي، وقد فُرضت قيود على التجمعات الجماهيرية، ولم يوصى بالسفر إلا للضرورة، واعتمدت معظم الدوائر والوظائف العمل عن بعد. كما طُلب من الناس البقاء على بعد مترين من أي شخص خارج منازلهم. يمكن أن تقلل هذه الإرشادات التوجيهية من انتشار المرض على نطاق واسع، ويمكن أيضا أن تساهم في الحد من انتشار الإنفلونزا التي تنتقل عبر تطاير الرذاذ.

لكن، ماذا تقول الأرقام في الحقيقة ؟


على الرغم من منطقية هذه الأدلة، إلا أن الغموض يلتبس التوقعات بشأن انخفاض معدلات الإصابة بالإنفلونزا، وقد يشكل فحص الإصابة بها تحديًا، فيمكن أن تكون أعراض الأنفلونزا مشابهة للأعراض التي تسببها العدوى من أمراض أخرى. ويجدر بالذكر أن مراكز الرعاية الصحية تجري الفحوصات فقط على المرضى الذين تظهر عليهم أعراض الإنفلونزا.
أفادت مصادر في اليابان أن انخفاضا في حالات الإصابة بالإنفلونزا قد سُجل في منتصف شباط/فبراير 2020 مقارنةً بنفس الفترة من شباط/فبراير 2019.

أثبتت التقارير الأسبوعية الصادرة من الصحة العامة في إنجلترا و المركز الأوروبي لمكافحة الأمراض والوقاية منها تراجع نشاط الإنفلونزا خلال نفس الفترة مقارنة بالسنوات الماضية.
على أية حال، قد لا تعكس تلك الأرقام الحقائق، خاصةً إذا كانت إجراءات فحوصات الإنفلونزا محدودة بسبب الضغط على المرافق الصحية جراء تفشي هذه الجائحة. وبالمثل، قد تختلف هذه الأرقام عن الواقع، فقد لا يذهب جميع الناس إلى الطبيب أو المستشفيات خوفًا من التقاط عدوى فيروس كورونا، ولذلك ينبغي تفسير تلك التقديرات بدقة شديدة.

ولا يعرف حتى الآن ما إذا كان الإنخفاض المفترض في الإنتقال سيؤدي إلى عدد أقل من المضاعفات والوفيات جراء الأنفلونزا، لذا فمن الضروري أن نحاول اكتشاف ذلك لأن حالات الإنفلونزا المعقدة ستثقل العبء على أنظمة الرعاية الصحية مما سيؤثر على جهودنا في التعامل مع فيروس كورونا. ونتيجة لذلك، نحتاج إلى مزيد من البيانات والدراسات بشأن هذه المسألة.

و في حين أن عاداتنا الجديدة في نظافة اليدين والتباعد الاجتماعي للحد من تأثير كورونا قد تساهم على الحد من انتقال الإنفلونزا، إلا أن إجراءات الإغلاق ستكون مؤقتة وستظل مسألة انتشار فيروس الأنفلونزا مسألة لا يمكن التنبؤ بها.

إننا نستطيع بذل قصارى جهدنا لمنع تأثير كل من فيروس كوفيد المستجد وفيروس الإنفلونزا، وذلك باتباع توجيهات الحكومة. وبتطبيقنا لذلك فإننا نساهم في منع أية ضغوط أخرى على نظام الرعاية الصحية المحدودة في بلداننا.


nasainarabic.net