حقوق الصورة: S. Yokota


التقطت مركبة فضائية أمراً غريباً حقاً أثناء دورتها حول القمر. إنَّ قمرنا يبعث دفقاً ثابتاً من أيونات الكربون من سطحه بالكامل تقريباً، على عكس الإعتقاد السائد منذ مدة طويلة والذي يفترض أنَّ القمر مُستنفد من الكربون والعناصر المتطايرة الأخرى.

يبدو في الواقع أن الكربون كان موجوداً منذ بداية تكوين القمر، أو ربما بعد فترةٍ وجيزةٍ من تكوينه، أي قبل حوالي 4.5 مليار سنةٍ مضت، هذا يعني أنَّ تفاصيل نظرية الإرتطام عن تكوّن القمر والتي تعتمد إلى حدٍّ كبير على نقص المواد المتطايرة-قد تحتاج إلى إعادة النظر فيها مجدداً.

وصلت النتائج من المركبة الفضائية المخصصة للإستكشاف القمري والهندسة القمرية التابعة لوكالة استكشاف الفضاء اليابانيّة JAXA والمعروفة بلقب كاجويا Kaguya. لقد أمضت مايقارب سنة ونصف في المدار حول القمر وهي تقوم بعمليات رصد للخرائط العالمية، وقد كان ذلك منذ عقدٍ من الزمن.

كانت إحدى أدواتها هي مقياس طيف الكتلة الأيونية الذي يعمل على كشف وتعيين الأيونات القمريّة بما فيها الكربون، وهو ما لم يظهر في بيانات مركبة الفضاء أبولو Apollo، مما أدى إلى الإعتقاد بأن القمر لا يمتلك إلا القليل من هذه الأيونات.

لكن التحليلات الأخيرة وجدت آثاراً من الكربون والمياه المتطايرة في الزجاج البركاني القمري، مما دفع إلى تعديل نموذج الإرتطام المسبب للتكوّن، لذلك قام فريق من الباحثين بإعادة النظر في بيانات مركبة الفضاء كاجويا لمحاولة معرفة مصدر الكربون.

وذكر الباحثون في ورقتهم البحثية: “لقد كانت هذه الإنبعاثات متوزعة على إجمالي سطح القمر تقريباً، ولكن الكميات كانت مختلفة بحسب المناطق الجغرافية على سطحه.”

وأضافوا: “إنَّ تقييمنا للمعطيات يوضح أنَّ الكربون الأصلي موجود على سطح القمر بالكامل، مما يدعم فرضية احتواء القمر على الكربون، حيث كان الكربون مترسخا في تكوينه وتمَّ/أو تمَّ نقله منذ ملايير السنين.”

أظهرت القراءات وجود تركيز لأيونات الكربون لايمكن أن يتم تفسيره من خلال تسرب الكربون عبر الرياح الشمسيّة، ولا أن الكربون قد تم إيصاله من قبل النيازك الدقيقةـ وهما الآليتان المعروفتان بتزويد القمر بكميات صغيرة من الكربون.

بالإضافة إلى ذلك، فقد اختلفت نسب التركيزات. تبعث سهول البازلت البركانية الأصغر حجماً بالقرب من جانبي القمر أيونات الكربون أكثر من تلك الي تبعثها المرتفعات القديمة؛ يشير ذلك إلى أن الكربون جزء لا يتجزأ من القمر.

إنَّ السبب في كون ذلك مشكلة بالنسبة لنموذج الإرتطام المسبب لتكوّن القمر هو أنَّ للمواد المتطايرة نقطة غليان منخفضة؛ حيث سبق أن اصطدم جسمٌ كبيرٌ نطلق عليه إسم ثيا Theia بالأرض في وقتٍ ما في السنوات الأولى من عمر النظام الشمسي، مما أدى إلى انفصال قطعة وإرسالها إلى مدار الكرة الأرضيَّة.

لكن تصادم ثيا كان سيولد درجات حرارة شديدة جداً تصل إلى-4000-6000 كِلفن-والتي كان من المفترض أن تبخر الحطام جزئياً، وتقوم بغلي المواد المتطايرة حتى التبخر، وتنتج ما يعرف بالقمر ‘الجاف’ المستنفذ من المواد المتطايرة. إن حقيقة أن عمليات التحديد قد كشفت عن قمرٍ ‘رطب’ وغني بالمواد المتطايرة عوضا عن ذلك يقترح فكرة أنَّ درجات الحرارة الناتجة عن الإرتطام كانت أقلّ قوة بكثير مما كنا نعتقد سابقاً، أو ربما يحتاج نموذج الإرتطام هذا إلى مراجعات أخرى.

تظهر هذه النتيجة بأن إجراء المزيد من التحقيقات حول المواد المتطايرة على القمر قد يكشف الكثير؛ كما يمكنه تزويد الأجهزة على متن المدارات القمريّة المستقبليّة، أو مهمة ناسا المأهولة المقررة إلى القمر بالمعلومات.

وكتب الباحثون: “سيكون من المفيد إجراء مزيد من التقييم للكميات الأوليّة من المواد المتطايرة في القمر (على سبيل المثال، تحليلات النظائر المستقبليّة لانبعاثات الكربون C+ من سطح القمر) وذلك لتوفير تقدير كمي لتوازن كتلة الكربون الأصلي، والرياح الشمسيّة والنيازك الدقيقة.

تمَّ نشر البحث في مجلة Science Advances.


nasainarabic.net