لقد دُمرت إحدى أولى القرى الزراعية على الأرجح جراء انفجار هوائي airburst قديم.

وفقًا لبحثٍ جديد، فإن حطام مذنب قد أدى إلى تدمير قريةٍ قديمةٍ في سوريا خلال سلسلة من الانفجارات التي حدثت في جميع أنحاء العالم آنذاك.

كانت قرية أبو هريرة تقع في شمال سوريا منذ نحو 13,000 سنة. جرى التنقيب عن الموقع بسرعة في عامي 1972 و1973 قبل إنشاء سد نهر الفرات الذي أدى إلى غمر الموقع أسفل بحيرة الأسد، لكن عملية التنقيب العاجلة كشفت عن أسطح غنية بالفحم تحتوي على كريات زجاجية تتكون من التراب الذائب، وعينات غنية بالحديد والكبريت الذائب والماس النانوي nanodiamonds؛ تشير كل هذه المواد إلى توافر درجات حرارة عالية للغاية آنذاك، كتلك التي تنتج جراء انفجار كتلة من الصخر في الهواء.

تصوُّر فني للثواني الأخيرة في قرية أبو هريرة التي تعود إلى عصور ما قبل التاريخ، حيث دمرت كرة ملتهبة قادمة من السماء القرية على الأرجح. (حقوق الصورة: © Jennifer Rice, CometResearchGroup.org )

تصوُّر فني للثواني الأخيرة في قرية أبو هريرة التي تعود إلى عصور ما قبل التاريخ، حيث دمرت كرة ملتهبة قادمة من السماء القرية على الأرجح. (حقوق الصورة: © Jennifer Rice, CometResearchGroup.org )

أعاد فريق بقيادة أندرو مور Andrew Moore عالم الآثار في معهد روشيستر للتكنولوجيا Rochester Institute of Technology في نيويورك، والذي قاد عمليات التنقيب الطارئة للموقع في سبعينيات القرن المنصرم فحص بعض المواد المستخرجة بمزيد من التفصيل، ثم طور العلماء طرقًا تجريبية لإعادة تكوين المواد التي وجدوها في القرية.

قال مور لموقع Space.com عبر البريد الإلكتروني: “قدم هذا إدراكًا جديدًا حول كيفية تشكل الزجاج الذائب، وكيف دُمِج النبات والمواد الأخرى فيه”.

قال مور أن إذابة المعادن الموجودة في التربة تتطلب درجات حرارة تزيد عن 3,630 درجة فهرنهايت (2,000 درجة مئوية): “ساخنة بدرجة كافية لتسبب غليان حبيبات المرو quartz grains“، ما يوحي بحدوث شيءٍ كارثيٍّ.

يقول مور: “من المستحيل تفسير وجود هذه المعادن المنصهرة في الزجاج المصهور بأي عملية طبيعية أخرى غير عملية التصادم الكوني”.

انفجار مميت


كان المستوطنون الأوائل في أبو هريرة صيادين وجامعي ثمار. أظهر بحث سابق أن الجفاف الشديد قد دفع المستوطنين إلى البدء في زراعة الحبوب التي كانوا قد جمعوها من البرية، ما جعلهم أوّل مزارعين معروفين.

على ما يبدو أن شيئًا سيئًا للغاية قد حدث منذ نحو 13,000 سنة، أدى إلى نشأة طبقة من الكربون تشير إلى حدوث حرائقَ هائلةٍ، ولكن طيلة العقد الماضي، ناقش العلماء الذين يدرسون آثار القرية ما حدث، ولم يتمكنوا من تحديد ما إذا كان الكربون قد تشكل أثناء انفجار هوائي أو أثناء حرائق عادية في الأكواخ المصنوعة من القش.

لذا فقد قرر مور إعادة فحص الزجاج بقدرٍ أعظم من التفصيل. تطابق تحليله لتركيبة الزجاج مع اكتشاف في عام 2012 يدّعي أن انفجارًا هوائيًا قد دمّر قرية أبو هريرة، ما يشير إلى أن نمط الحياة القروي انتهى فجأة عندما انفجرت شظية مذنب واحدة أو أكثر في الهواء المحيط.

يقول مور: “إن الأشخاص الذين كانوا في قرية أبو هريرة أو بالقرب منها في الوقت الذي حدث فيه الانفجار الهوائي قد شهدوا وميضًا هائلًا في السماء يعادل انفجارًا نوويًا، ثم حُرقوا بعد بضع ثوان بسبب الحرارة المنبعثة من الانفجار الهوائي. دمرت الموجة الحارة القرية وكل شيءٍ فيها، تاركةً وراءها طبقةً من المواد المحروقة على السطح”.

إن المراقبين الموجودين على بعد عشرات الكيلومترات من الموقع كانوا قد رأوا الومضة على الأغلب، وسمعوا الانفجار، وشعروا بموجة الحر، لكنهم نجوا على الأرجح من التفجير.

سخّن مور وزملاؤه قطعًا من الزجاج في فرن المختبر حتى تذوب تمامًا، وذلك عند 2400 فهرنهايت (1300 درجة مئوية)، واضعين حدًا أدنى لدرجة الحرارة التي تعرضت لها الأجسام شبه الكروية في الأصل، لكن المرو والجزيئات الأخرى التي تقع على السطح تتطلب درجات حرارة أعلى لتذوب.

قارن الباحثون أيضًا المادة المأخوذة من موقع أبو هريرة بالزجاج المنصهر في مواقع أخرى على الأرض حدثت فيها اصطدامات في فترة ما قبل التاريخ، ووجدوا العديد من أوجه التشابه؛ تشير وفرة الزجاج الذائب والتي يرجع تاريخها إلى نفس الإطار الزمني تقريبًا إلى أن آلاف الشظايا الناجمة عن المذنب قد ارتطمت بالغلاف الجوي الأرضي قبل 12,800 عامًا، وأثرت على أكثر من 40 موقعًا عبر أمريكا الشمالية وأوروبا.

تتطابق النتائج الجديدة التي توصل إليها فريق مور مع فرضية نشأت عام 2007، مفادها أن الأرض قد شهدت العديد من الانفجارات الهوائية في العديد من القارات، وبما أن الدمار قد حدث على نطاق واسع، فإنه من المستبعد أن يكون المصدر مذنبًا أو كويكبًا واحدًا كبيرًا، لذلك يعتقد الباحثون أن التأثيرات المنتشرة قد تكون ناجمة عن حطام مذنب.

كتب مؤلفو الدراسة: “من المعتقد أنه يمكن لمجموعات حطام المذنبات الكبيرة التسبب بآلاف الانفجارات الهوائية عبر نصف الكرة الأرضية بأكملها في غضون دقائقَ معدودةٍ. إن احتمال الاصطدام بمثل هذا الحطام الذي يبلغ عرضه مليون كيلومتر ستكون أكثر بآلاف المرات من الاصطدام بمذنب يبلغ عرضه 100 كيلومتر أو كويكب يبلغ عرضه 10 كيلومترات”.

نُشِر البحث في 6 آذار/مارس في مجلة Scientific Reports.

nasainarabic.net