(حقوق الصورة:Shutterstock)
قد يكون ذلك أسرع ممّا نعتقد في البداية، لكنّه كابوس لوجيستي.
يبدو القمر صغيرًا من منظورنا في الأرض، ولكن إذا كان عليك القفز في مركبة فضائية، وارتداء بدلة فضائية والذهاب في رحلة قمرية ملحمية، فكم سيستغرق الأمر للسير حوله بأكمله؟
ترتبط الإجابة بعددٍ لا متناهٍ من العوامل، بما في ذلك سرعة تنقّلك، وكم من الوقت تقضيه يوميًا في السير، والمنعطفات التي يجب عليك اتخاذها لتجنّب التضاريس الخطرة.
قد تستغرق مثل هذه الرحلة حول القمر أكثر من سنة، ولكن في الحقيقة، هناك عدد كبير من التحديات التي عليك تجاوزها.
لقد وطئت أقدام 12 بشريًا سطح القمر، كان جميعُهم ضمن مهمّات أبولو the Apollo missions بين 1967 و1972، على حسب ناسا. أظهرت المشاهد التي بُثّت عند العودة إلى الأرض كم كان صعبًا (وممتعًا بالطبع) المشي -أو بشكل أكثر دقةً الارتداد- في جاذبية القمر المنخفضة، التي تُساوي سدس جاذبية الأرض.
غير أنّ أبحاثًا في ناسا اقترحت منذ ذلك الحين أنّه بإمكان البشر السير بشكلٍ أسرع على القمر من روّاد فضاء أبولو. نظريًا، يُمكن المشي في محيط القمر بشكل أسرع مما قُدّر سابقًا.
تسريعُ الوتيرة
أثناء مهمّة أبولو، ارتدّ رائدو الفضاء حول السطح بسرعة 1.4 ميلًا في الساعة(2.2 كم/ساعة)، نقلًا عن ناسا. كانت هذه السرعة البطيئة ناتجةً في الأساس عن بدلاتهم الفضائية الثقيلة والمضغوطة التي صُمّمت دون أخذ التنقل بعين الاعتبار.
لو ارتدى ”السائرون حول القمر” بدلات فضائية أخف، لكان باستطاعتهم التّحرك بشكل أكثر سهولة، وبالتالي تُسرّع الوتيرة.
في 2014، اختبرت دراسة لناسا نُشرت في مجلة Experimenta Biology مدى قدرة البشر على السير والركض في جاذبية مُحاكية لجاذبية القمر. للقيام بذلك، اتخذ الفريق ثمانية مشتركين (كان ثلاثة منهم روّاد فضاء) لاستعمال جهاز مشي على متن المركبة دي-سي 9 الفضائية DC-9 aircraft، التي تقوم بمسارات مكافئة على الأرض لمحاكاة الجاذبية على القمر لمدة تصل إلى 20 ثانية في كل مرّة.
كشفت هذه الدراسة أنّ المشاركين كانوا قادرين على المشي بسرعة تصل إلى 3.1 ميلًا في الساعة (5 كيلومتر) قبل الانطلاق في الركض. لا يعتبر هذا أكثر من ضعف سرعة المشي الذي استطاع رواد فضاء مهمة أبولو بلوغها فحسب، وإنّما يقترب بشكل كبير من سرعة 4.5 ميلًا في الساعة (7.2 كيلومتر في الساعة) وهو معدل سرعة المشي القُصوى على الأرض، استنادًا إلى الدراسة.
تمكّن المشاركون من بلوغ هذه السرعات العالية لأنّهم كانوا قادرين على تحريك أذرعتهم بحرية مثلما يركض البشر على الأرض. لقد خلقت حركة عقرب الساعة هذه القوة الهابطة التي عوضت جزئيًا عن نقص الجاذبية. إنّ أحد الأسباب التي جعلت من روّاد فضاء مهمة أبولو بطيئين على سطح القمر؛ عدم قدرتهم على القيام بذلك بشكل صحيح بسبب بدلاتهم الفضائية الثقيلة.
في هذه السرعة الافتراضية القياسية، سيستغرق الأمر تقريبًا 91 يومًا للمشي في محيط القمر الذي يساوي 6,786 ميلًا (10,921 كم). يعني ذلك، سيستغرق نحو 334 يومًا للمشي دون توقف بهذه السرعة (يعني، عدم التوقف للنوم أو الأكل) حول محيط الأرض الذي يساوي 24,901 ميلًا (40,075)، لكن يستحيل القيام بذلك بسبب المحيطات.
طبعًا، يستحيل المشي دون توقف طيلة 91 يومًا، لذلك سيستغرق السير الفعلي حول القمر مدة أطول بكثير.
التّخطيط لمَسارك
يطرح المشي حول القمر أيضًا جملة من الصعوبات. صرّح أيدن كاولي Aidan Cowley، وهو مستشار علمي بوكالة الفضاء الأوروبية لموقع Live Science: ”أعتقد أنّ ذلك مُمكنًا من الناحية اللوجستية، ولكنها ستكون مهمة غريبة لتحظى بالدعم”.
ستكون إحدى كبرى الصعوبات هي نقل الموارد، كالماء، والغذاء والأكسجين.
قال كاولي: “لا أعتقد أنّك ستحملها في حقيبة الظهر الخاصة بك، لأنّه حتى ذلك سيمثل كتلة أكبر بكثير، حتى إذا كنت في سدس الجاذبية، لذلك، ستحتاج إلى مركبة دعم معك”. يُمكن أن تلعب هذه المركبة دور المَسكن أيضًا.
قال كاولي: “تعمل عدّة وكالات حاليًا على مفهوم امتلاك مركبة متجولة مضغوطة تستطيع مساعدة روّاد الفضاء أثناء القيام بالمهمات الاستكشافية مثل قواعد صغيرة محمولة. يمكنك استعمالها للدخول في الليل وإعادة التزوّد ثم العودة إلى الخارج خلال النهار والمشي من جديد”.
سيحتاج مغامرو الفضاء أيضًا إلى بدلة فضائية بتصميم يسمح بالحركة التامة. ما زالت البدلات الفضائية الحالية غير مُصممة مع أخذ الحركة المفرطة بعين الاعتبار، ولكن على حسب كاولي، تُصمم بعض الوكالات حاليًا بدلات مناسبة للجسم ستسمح بأرجحة الذراع الضرورية للمشي بطريقة صحيحة على القمر.
ستجعل تضاريس القمر الوعرة إيجاد طريقًا ملائمًا فيها مهمة صعبة جدًا، خصيصًا مع فوهات النيازك التي قد يبلغ عمقها عدة أميال. قال كاولي: “ستحتاج حقًا إلى مراوغة [الفوهات]، ذلك جدّ خطير”.
ستحتاج أيضًا إلى تحليل الضوء و الحرارة عند التخطيط للمسار. قال كاولي: “ستحتاج في خط الاستواء [الخاص بالقمر]، وأثناء النهار، إلى درجة حرارة تساوي نحو 100 درجة مئوية [212 درجة فهرنايت]، ثم تنخفض في الليل، إلى 180 درجة تحت الصفر [292 فهرنايت] تقريبًا”.
تعني الدورة القمرية أيضًا وجود أيام يكون فيها الضوء قليلًا أو منعدمًا، وسيكون علينا إمضاء نصف الرحلة على الأقل في الظلام. يمكن توفير الحماية من درجات الحرارة القصوى بواسطة بدلات مصممة خصيصًا ومركبة متجولة حامية، غير أنّ درجة الحرارة يُمكن أن تغير أيضًا حالة الثرى regolith –تربة رمادية رقيقة تغلف الطبقة السفلية للقمر– وتؤثر في مدى قدرتك على السير بسرعة فوقها، على حسب ما صرّح به كاولي.
ولكن، قد يتسبب الإشعاع في خطر أكبر بكثير. خلافًا للأرض، لا يمتلك القمر مجالًا مغناطيسيًا يُساعد في عكس الإشعاع بعيدًا عن سطحه.
قال كاولي: “إذا لم يكن هنالك نشاط شمسي كبير في آن واحد، فلن يكون الأمر بذلك السوء، ولكن في حالة وجود توهج شمسي أو انبعاثات إكليلية coronal ejection وتتعرض إلى مستويات عالية من الإشعاع، قد يجعلك ذلك مريضًا جدًا جدًا”. تصدر كل من التوهجات الشمسية وكتل الانبعاثات الإكليلية قدرًا كبيرًا من الطاقة والجزيئات المغناطيسية، ولكنها تختلف على مستوى نوع الجزيئات التي تصدرها، والفترة التي يستغرقها وقوع الحدث، وكيفية سفر الجزيئات التي تصدرها عبر الفضاء، على حسب ناسا.
سيتطلب هذا النوع من المهام أيضًا قدرًا كبيرًا من تدريب التحمل بسبب تأثير متطلبات التحرك في جاذبية منخفضة على عضلاتك ونظام القلب والأوعية الدموية.
يقول كاولي: “سيكون عليك إرسال رائد فضاء يتمتع بمستوى لياقة الماراتون-الفائق”.
يقول كاولي: “حتى مع كل ذلك، سيكون السير بسرعة عالية ممكنًا لنحو ثلاث أو أربع ساعات يوميًا فقط. لذلك، إذا سار شخص ما بسرعة 3.1 ميلًا في الساعة (5 كيلومتر في الساعة) لأربع ساعات في اليوم، فسيستغرق ذلك فترة تقدّر بـ547 يوم، أو 1.5 عام تقريبًا للسير في محيط القمر، إذا افترضنا أنّه لم تعترض مسارك الفوهات وأنّك استطعت التعامل مع تغير الحرارة والإشعاع.
لكن، لن يمتلك للبشر لا التكنولوجيا ولا المعدات التي ستمكنهم من تحقيق عمل بطولي مُماثل حتى أواخر 2030 وبداية 2040 على أقلّ تقدير.
يقول كاولي: “لن تتمكن أبدًا من الحصول على وكالة تدعم شيئًا مُماثلًا، ولكن إذا أراد ملياردير مجنون تجربة ذلك، فقد يتمكن من تحقيقه”.