إذا كنت قد شككت في أي وقت مضى في ما إذا كان يمكن للطاقة الشمسية أن تغير شكل الحياة على الكوكب، فتابع القراءة من فضلك.
تبيّن هذه القصة كيف أثبتت الطاقة الشمسية قيمتها في أصعب بيئة ممكنة.
وربما يكون السوق الذي أتحدث عنه هو أنقى مثال على الرأسمالية على هذا الكوكب.
لا توجد إعانات هنا. لا أحد يفكر في التغير المناخي – أو في أي اعتبار أخلاقي آخر في هذا الشأن.
هذه القصة عن أصحاب المشاريع الصغيرة الذين يحاولون تحقيق ربح.
وتوضح كيف تحول مزارعو الأفيون الأفغان إلى الطاقة الشمسية، وزادوا بشكل كبير من المعروض العالمي من الهيرويين.
بلاك هوك” فوق هلمند”
كنت في مروحية عسكرية تهدر فوق حقول الخشخاش الخصبة في وادي هلمند في أفغانستان عندما رأيت أول لوح لتوليد الطاقة الشمسية.
تقع مقاطعة هلمند في قلب المنطقة الأكثر إنتاجية في زراعة الأفيون على هذا الكوكب.
وسيتم عبر التكرير تحويل معظم الأفيون إلى الهيرويين، أحد أكثر العقاقير التي تسبب الإدمان.
ووفقاً لهيئة الأمم المتحدة المسؤولة عن تتبع ومعالجة الإنتاج غير المشروع للمخدرات، أي مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة UNODC، يأتي نحو 80 ٪ من جميع الأفيون الأفغاني حتى الآن من جنوب غرب البلاد، بما في ذلك هلمند، وهذا يعني إلى حد كبير ثلثي المعروض العالمي.
ولكن بعدما رأيت اللوحة الشمسية الأولى، رأيت المزيد. في الواقع، يبدو أن هناك مجموعة صغيرة من الألواح الشمسية في زاوية معظم مجمعات المزارع، وكان ذلك في عام 2016.
والآن فقط تم تحديد حجم الثورة في إنتاج الهيروين الذي كنت أشاهده من غير قصد. لأنني لم أكن الشخص الوحيد الذي لاحظ أن المزارعين الأفغان يهتمون بالتقنيات منخفضة الكربون.
أدلة من الفضاء
يراجع ريتشارد بريتان على الكومبيوتر أحدث مخبأ لصور الأقمار الصناعية من أفغانستان.
وبريتان هو جندي بريطاني سابق تتخصص شركته “ألسيس” في تحليل صور الأقمار الصناعية لما يسميه “بيئات معقدة”.وهو تعبير ملطف للأماكن الخطرة.
ومن بين أمور أخرى، بريتان هو خبير في صناعة العقاقير في أفغانستان. وبينما يقوم بتكبير منطقة مخرج في صحاري هلمند.يؤكد أنه قبل بضع سنوات لم يكن هناك شيء هنا، لكن الآن هناك مزرعة محاطة بالحقول.
يمكنك أن ترى بوضوح أيضاً مجموعة من الألواح الشمسية وخزاناً كبيرا. إلى اليمين قليلاً هناك مزرعة أخرى. النمط هو نفسه: الألواح الشمسية وخزان المياه.
نمرّ على طول الصورة نجدها متكررة مرات عدة عبر المنطقة بأكملها. فيقول لي بريتان: “إن هذه طريقة زراعة خشخاش الأفيون الآن، إنهم يحفرون إلى عمق 100 متر أو نحو ذلك في المياه الجوفية، ويستخدمون مضخة كهربائية ويصلونها إلى عدد قليل من الألواح الشمسيةثم يبدأ الماء في التدفق”.ً
كان تداول هذه التكنولوجيا الجديدة سريعاً جداً.ويعود التقرير الأول لمزارع أفغاني يستخدم الطاقة الشمسية إلى عام 2013، وفي العام التالي قام التجار بتخزين عدد قليل من الألواح الشمسية في عاصمة هلمند لشكركاه، ومنذ ذلك الحين أصبح النمو مطردا وتضاعف عدد الألواح الشمسية المثبتة في المزارع كل عام.
وبحلول عام 2019، كان فريق بريتان قد أحصى 67 ألأف مصفوفة شمسية فقط في وادي هلمند.
وفي سوق لشكركاه، يتم تكديس الألواح الشمسية في أكوام كبيرة بارتفاع ثلاثة طوابق. من السهل أن نفهم لماذا كانت التجارة سريعة للغاية؟ فقد غيرت الطاقة الشمسية إنتاجية المزارع في المنطقة.
لقد حصلت على فيديو تم تصويره قبل أسبوعين في مزرعة أفيون في ما كان في السابق صحراء.
يقول الدكتور ديفيد مانسفيلد ونحن نشاهد الفيديو: “لقد غيرت الطاقة الشمسية كل شيء بالنسبة لهؤلاء المزارعين”.
الدكتور مانسفيلد كان يدرس إنتاج الأفيون في أفغانستان منذ أكثر من 25 عاماً ويخبرني أن اعتماد الطاقة الشمسية هو إلى حد بعيد أهم تغير تكنولوجي شهده في ذلك الوقت.
وكان شراء الديزل لتشغيل مضخات المياه الجوفية بمثابة أكبر ما ينفقه المزارعون.
ويواصل الدكتور مانسفيلد قائلاً: “إنها ليست مجرد تكلفة، فالديزل في هذه المناطق النائية مغشوش بشدة، لذا تستمر المضخات والمولدات في الانهيار وهذه مشكلة كبيرة بالنسبة للمزارعين لكن الآن الأمر اختلف كثيراً”.
وبمقابل دفعة مقدمة بقيمة خمسة آلاف دولار، يمكنهم شراء مجموعة من الألواح الشمسية ومضخة كهربائية وبمجرد تثبيتها، لا توجد تكاليف تشغيل تقريبا.
ورغم أنه مبلغ كبير من المال – يبلغ نحو 7 آلاف دولار – ولكن يقدم دفعة إنتاجية هائلة ويتم تسديد أي قرض عادة في غضون بضع سنوات، وعند هذه اللحظة “تصبح المياه فعلياً مجانية” حسب ما يقول مانسفيلد.
وهذا يعني أن هذه البلدان قادرة على زراعة المزيد من الخشخاش – وكذلك المحاصيل أخرى.ويحصل العديد من المزارعين الآن على حصادين سنوياً – وبعضهم على ثلاثة. وهذا ليس الانجاز الوحيد.
استخدام الطاقة الشمسية يعني أيضاً أن المزارعين يمكنهم زراعة نبات الخشخاش في أماكن لم يكن أحد يتخيل أن الزراعة فيها ممكنة من قبل.
في الصحراء
عام 2012، كان المزارعون يعملون في 157 ألف هكتار في وادي هلمند، وتُظهر سلسلة من الصور كيف تغير هذا بمرور الوقت.يمكنك رؤية المزارع تنتشر في الصحراء حيث يبدأ المزارعون في استخدام الطاقة الشمسية.
وقد ازدادت المساحة المزروعة بعشرات الآلاف من الهكتارات كل عام. وبحلول عام 2018 ، تضاعفت إلى 317 ألف هكتار.
في عام 2019، كانت المساحة 344 ألف هكتار.في الوقت نفسه، أصبحت الأرض أكثر إنتاجية.
يقول بريتان: “كل هذه المياه تجعل الصحراء تزدهر”.
ويقدر بريتان أن نصف مليون شخص قد هاجروا إلى المناطق الصحراوية في هلمند في السنوات الخمس الماضية فقط.
وقد أحصى فريقه 48 ألف منزل إضافي تم بناؤه في الفترة نفسها.ويبدو أن التأثير على المعروض العالمي من الأفيون كان هائل بالقدر نفسه.
وتقوم الأمم المتحدة كل عام بتقدير كمية المخدرات غير المشروعة التي يتم إنتاجها حول العالم.
في عام 2012 – قبل الطاقة الشمسية – حسبت أن أفغانستان أنتجت ما مجموعه 3700 طن من الأفيون.وبحلول عام 2016، نما الإنتاج إلى 4800 طن.
وفي عام 2017، كان هناك حصاد وافر حقاً، إلى حد بعيد كانت أكبر ما أنتجته أفغانستان على الإطلاق – تسعة آلاف طن من الأفيون.كان هناك الكثير من الأفيون إلى درجة أن الأسعار انخفضت بشكل كبير.
وفي عامي 2018 و 2019، انخفضت مساحة الخشخاش المزروعة في معظم أفغانستان، باستثناء الجنوب الغربي، حيث قام المزارعون بهذا الاستثمار الكبير في تكنولوجيا الطاقة الشمسية.هنا زاد إنتاج الأفيون.
في عام 2019، بلغ إنتاج الأفيون في المنطقة نحو خمسة آلاف طن – من أصل 6400 طن أنتجتها الدولة بأكملها.لقد تم الشعور بآثار هذه الإنتاجية غير المسبوقة حول العالم.
ماذا يخبرنا هذا عن الطاقة الشمسية؟
توضح لنا قصة الثورة في إنتاج الهيروين الأفغاني كيف يمكن أن تكون الطاقة الشمسية التحويلية.
لا تتخيل أن هذا مجرد نوع من التكنولوجيا “الخضراء” الحميدة. فقد أصبحت الطاقة الشمسية رخيصة للغاية لدرجة أنها قادرة على تغيير طريقة قيامنا بالأشياء بطرق أساسية ومع عواقب يمكن أن تؤثر على العالم بأسره.الطاقة الشمسية أرخص في كثير من الأسواق من الوقود الأحفوري.
أكثر من ذلك، أن تكلفتها تتبع منطق جميع الصناعات التحويلية – فكلما زاد إنتاجك وزاد تثبيته، كلما أصبحت أرخص. هذا يعني أنه يمكننا أن نتوقع أن الطاقة التي نستخدمها جميعاً سيتم توليدها من الطاقة الشمسية بشكل أكبر بكثير في السنوات المقبلة.
وما تُظهره التغييرات في إنتاج الأفيون الأفغاني هو أن امتلاك مصدر طاقة مستقل عن أي شبكة كهرباء – أو إمدادات الوقود الأحفوري – يمكن أن يحقق ربحاً كبيراً كما يثبت أن العواقب لن تكون إيجابية دائما.
هذا صحيح بالنسبة للمزارعين الأفغان وكذلك مدمني الهيروين.ويتم استخدام الكثير من المياه الآن حيث تشير التقديرات إلى أن مستويات المياه الجوفية في هلمند تنخفض بمقدار ثلاثة أمتار في السنة ما يعزز الخوف من أن الماء سينفد قريباً وبسرعة ما يهدد بتهجير مليون ونصف المليون إنسان من المنطقة.