- جيمس غالاغر
- مراسل الشؤون الصحية والعلمية بي بي سي
قبل 12 دقيقة
بعد التعافي بشكل طبيعي من الإصابة بفيروس كورونا، تنشأ اختلافات طفيفة في النظام المناعي والجسم، عما يحدث في حال تلقي اللقاح، لكن أيهما أفضل؟
لقد كان طرح هذا السؤال قبل عام أمرا سخيفا عندما كان من الممكن أن تكون الإصابة بالفيروس للمرة الأولى أمرا قاتلا، خاصة بالنسبة لكبار السن، وأصحاب الأمراض المزمنة.
أما الآن فنحن لا نبدأ من الصفر، وأجهزتنا المناعية اكتسبت خبرة بالفيروس، خاصة مع زيادة نسبة الملقحين، في البلاد إضافة لهؤلاء الذين التقطوا العدوى وتعافوا منها.
ويدور الجدل الآن حول تلقيح الأطفال، وهل يجب علينا فعل ذلك أم لا، إضافة إلى فكرة الجرعة الثالثة المعززة للنظام المناعي، لدى البالغين.
وتقول إليانور رايلي، أستاذة علم المناعة، في جامعة إدنبره “سنخدع أنفسنا لو فكرنا أن نتحصن، لفترة طويلة، ونقدم جرعة تعزيزية سنويا للمواطنين، معتقدين بذلك أننا نبعد فيروس كورونا”.
أما البروفسير، أدم فين مستشار الحكومة، فقال إن مواصلة تلقيح المواطنين في الوقت الذي لم يتلق فيه الناس في أجزاء من العالم أي تلقيح، “ليس فقط أمرا جنونيا، لكنه أمر غبي أيضا”.
نظام المناعة
لعلنا بحاجة إلى التعرف بشكل أكبر على أسلوب عمل النظام المناعي، لدينا، وكيفية بناء العوائق أمام الفيروس.
عاملا القوة في النظام المناعي هما الأجسام المضادة، وخلايا تي التي تعمل على تنظيف الجسم من آثار الإصابة، وتقوم الأجسام المضادة بالالتصاق بجدار خلية الفيروس، وتضع عليها علامة، لتصبح هدفا للنظام المناعي، ويقوم بتدميرها.
أما خلايا تي فهي التي تستطيع قراءة هذه العلامة، وتميز بين خلايا الجسم السليمة، من تلك المصابة، وتقوم بتدميرها.
أما بالنسبة للمشاكل التي سببها الفيروس، فالأمر بسيط، فالفيروس يمتلك ذراعا بروتينية تلتصق بجدار الخلية، وهو المفتاح الذي يمكنه من الدخول إليها، والوصول للنواة، وتغيير شفرتها بحيث تقوم بتصنيع الفيروس، بدلا عن عملها الأصلي.
وهناك 4 خلافات بروتينية للمقارنة بين اللقاح والإصابة الطبيعية بالفيروس.
أولا السعة
ما هي كمية الفيروس، التي يحتاجها النظام المناعي ليبدأ الهجوم، هذا هو السؤال؟
فالاستجابة بعد العدوى الطبيعية أكبر وأشد كثيرا من الاستجابة بعد تلقي اللقاح، وبغض النظر عن نوع اللقاح الذي تلقيته، فإن النظام المناعي لا يعرف سوى الترتيب الجيني لذراع الفيروس.
وهذه هي النقطة المفصلية، التي يتم استغلالها ضد الفيروس، لصناعة الأجسام المضادة، وهي التي تساعد في إبقاء المرضى، دون حاجة لدخول المستشفى، بسبب النتائج الجيدة التي أحدثتها.
القوة
كيف سنوقف استمرار العدوى؟ فهناك حالات لعدد من المصابين، تعرضوا للإصابة مرتين، كما أن بعض من تلقوا اللقاح، تعرضوا للإصابة أيضا.
يقول البروفيسير فين “ليس هناك خيار يمنحك الحماية الكاملة، ضد العدوى، لكن المناعة التي تحصل عليها، هي الحماية من اعتلال جسدك بشكل خطير نتيجة الإصابة”.
ويكون معدل الأجسام المناعية في الجسم أعلى، لنحو شهر في الملقحين عن الأشخاص الذين تعافوا من إصابة طبيعية، ضد الفيروس، وهناك أيضا فارق كبير في معدل الأجسام المضادة بين الأشخاص الذين لا تظهر عليهم أعراض الإصابة بالفيروس، والآخرين الذين يعانون من أعراض الإصابة.
أما أكبر قدر من الاستجابة المناعية فيأتي من الأشخاص، الذين تعرضوا للإصابة ثم تلقوا اللقاح بعد ذلك، وهذه البيانات التفصيلية لازلنا في انتظارها.
المدة
معدل الأجسام المضادة في الجسم يميل للتراجع مع الوقت بعد التخلص من الإصابة، ورغم ذلك، قد لا يكون ذلك مهما لمنع تدهور حالة المصاب، فالجهاز المناعي يتذكر الفيروسات، واللقاحات التي دخلت الجسم في السابق، وهو ما يمكنه من الاستجابة السريعة، وبالتالي، منع تدهور حال المصاب.
وهناك خلايا تي الخاصة بالذاكرة المناعية، بالإضافة لخلايا بي، التي تكون دوما متأهبة لضخ كمية كبيرة من الأجسام المناعية في الدم، حسب الطلب، وهناك أدلة على وجود استجابة مناعية، لدى البعض بعد حوالي عام كامل من التعافي من الإصابة بفيروس، كما أظهرت التجارب السريرية، للقاحات حالات طويلة المدى، من وجود الأجسام المضادة في الجسم.
الموقع
في الواقع هذا أمر شديد الأهمية، فهناك قطاع مميز من الأجسام المضادة تعرف باسم (أميونوغلوبلين إيه إس) يتوفر في الأنف والرئتين، يختلف عن نظيره (أميونوغلوبلين جي إس) الموجود في الدم.
النوع الأول أكثر أهمية لمنع الإصابة، بسبب وجوده في الأنف، وبالتالي يتم الآن البحث في إمكانية إعطاء اللقاح عن طريق الأنف، لتحفيز هذه الأجسام المضادة بشكل خاص.
البروفيسير بول كلينرمان، المختص بخلايا تي في جامعة أكسفورد، يقول “موقع العدوى في الجسم، هو ما يصنع الفارق، حتى بالنسبة للفيروس الواحد، لذلك يمكننا توقع وجود فروق بين العدوى الطبيعية، وتلقي اللقاح”.
هناك دليل قوي، على أن البالغين، الذين لم يتلقوا أي لقاح ستكون لديهم دفاعات مناعية أقوى، في حال تلقوا اللقاح، حتى في حال إصابتهم بالفيروس، في وقت سابق.
لكن يجب أن نسأل:
هل يحتاج البالغون، جرعة تعزيزية من اللقاح، أم أن التعرض للفيروس يكفي؟
وهل الأطفال بحاجة للتلقيح، أم أن التعرض للإصابة الطبيعية طوال حياتهم المنتظرة، يكفي لبناء دفاعات مناعية طبيعية؟
فكرة تعزيز المناعة عبر جرعات إضافية طوال الحياة، أمر ليس بجديد، ويحدث مع إصابات أخرى، خاصة بالنسبة للفيروسات الرئوية، أو الأنواع الأربع الأخرى من فيروس كورونا، التي تصيب البشر، وتسبب أعراضا تشبه نزلة البرد.
وفي كل مرة تتعرض للعدوى يصبح نظامك المناعي أكثر قوة، وهو ما يستمر حتى تصل لعمر كبير، يبدأ عنده النظام المناعي في التهاوي، وتصبح العدوى أمرا مثيرا للمشاكل والقلق.
يقول البروفيسير فين “لم يتم تأكيد ذلك، لكن يمكن أن يكون أقل كلفة، وجهدا، من الاستمرار في تلقيح الناس طوال الوقت”.
ويحذر فين من أننا “يمكن أن يصل بنا الأمر إلى أن نحبس أنفسنا في دائرة متصلة من الجرعات التعزيزية للقاح، بغض النظر عن الحاجة لذلك”.
أن مشكلة تلقيح الأطفال انتهت لأنه بالفعل أصيب ما يقرب من 40 إلى 50 في المائة منهم بالفيروس وتعافوا، دون أعراض، أو ظهرت عليهم أعراض طفيفة.
لكن هناك وجهات نظر مضادة، تشير إليها البروفسير رايلي، بالنسبة لإصابات كورونا في الأطفال، وكذلك بالنسبة للأعراض طويلة المدى للإصابة بالفيروس، وآثارها على أعضاء مختلفة في الجسم.
فالبروفسير رايلي تقول إنه من الممكن استخدام اللقاحات، “لاستباق الإصابات بفيروس كورونا” ثم السماح بالتعرض للإصابة، بهدف توسيع نطاق استجابة الجهاز المناعي.
وتقول “نحن بحاجة للنظر بجدية، هل نشعر بالخوف حقا على الناس، أكثر من رغبتنا في منحهم الثقة، للمضي قدما ومواصلة حياتهم العادية؟ نحن نقترب كثيرا الآن من جعل الناس قلقين بطبعهم”.
وتضيف أنه بالطبع مع تزايد معدلات الإصابة، قد لا يكون لدينا الكثير من الخيارات.
ويقول البروفيسير كلينرمان، “أشعر بالحيرة، هل يمكن تجنب ذلك؟ فلو استمر انتشار الفيروس، سيكون هناك حاجة مستمرة للجرعات التعزيزية”.