- نتاليا باسارينو
- بي بي سي نيوز – الخدمة البرازيلية
قبل ساعة واحدة
حذر علماء من أن السماح لأعداد كبيرة من الأشخاص الذين لُقحوا بشكل جزئي بالاختلاط مع الأشخاص الذين لم يتلقوا أي لقاح بعد، في وقت يواصل كوفيد-19 تفشيه، قد يخلق “أرضية خصبة قوية” لنشوء سلالات جديدة مقاومة للقاح.
ويثير هذا الأمر قلقا، خاصة في الأماكن التي يكون فيها معدل الإصابات مرتفعاً جداً ووتيرة تطعيم الناس باللقاح تجري بشكل بطيء.
ويقول الخبراء الذين يراقبون الطفرات الجديدة، إن البرازيل، حيث تنتشر سلالة قوية من الفيروس تسمى “بي1″، قد تتحول إلى “بؤرة ساخنة” لسلالات أخرى جديدة من فيروس كورونا.
وقد شُخص بالفعل وجود سلالة “بي1” في أكثر من 25 دولة أخرى.
وسجلت البرازيل أمس الاثنين، وفاة ما يقرب من 278 ألف شخص جراء الإصابة بكوفيد-19.
وعلى الرغم من معدل الوفيات المتزايد، فقد أدى الخلاف السياسي بين حكام الولايات والرئيس جايير بولسونارو، الذي تجاهل مراراً خطر كوفيد، إلى إضعاف إجراءات الإغلاق والتباعد الاجتماعي وإعاقة جهود التطعيم.
وتلقى ما يزيد عن 4٪ من السكان البالغ عددهم 8.6 مليون نسمة، الجرعة الأولى من اللقاح، ولم يحصل على الجرعة الثانية سوى 2.9 مليون. وبحسب الخبراء، تعد هذه مزاوجة تنطوي على خطورة.
تجنب الأجسام المضادة
ومع انتشار كوفيد-19، باتت الفيروسات تتحور وتتعلم طرقاً أكثر فاعلية للتحايل على أنظمتنا المناعية وإصابة خلايانا.
يقول جوليان تانغ، وهو عالم فيروسات في جامعة ليستر في المملكة المتحدة، إنه عندما يدخل فيروس سارس (كوفيد 2) إلى جسم شخص ما، فإنه يواجه كميات قليلة من الأجسام المضادة، لذا، يمكنه أن يتكاثر ويخلق طفرات مقاومة لتلك الأجسام.
وهذه العملية جزء من تطور الفيروس.
ويضيف تانغ: “إذا تلقيت اللقاح الآن، فلن تصبح محمياً على الفور، إذ يستغرق نشوء الأجسام المضادة في جسمك بضعة أسابيع، وخلال هذه الفترة، يمكنك التقاط العدوى والإصابة بالفيروس الأصلي أو سلالة ’بي1’ المتحورة منه”.
ويكمل: “إذا تزامن ظهور هذه الأجسام المضادة الناجمة عن اللقاح مع حدوث عدوى وتكاثرها في جسمك، فيمكن للفيروس أن يتكاثر بطريقة تتجنب الأجسام المضادة التي ينتجها جسمك. وستكون هذه الطفرات أكثر فائدة للفيروس، الذي سيعيش ويتكاثر في عملية الانتقاء الطبيعي”.
ويمكن للشخص الذي تلقى اللقاح لكنه مصاب بالفيروس، أن ينقل هذه الطفرات إلى غيره.
وعندما يحدث ذلك على نطاق واسع، لنقل في دولة ذات نجاح متواضع في عملية التطعيم، يمكن أن يكون هناك “ضغط” بيولوجي على الفيروس للتحور وتحقيق طفرات تظهر سلالات جديدة منه.
وبعد ذلك “نصل إلى التوازن المثالي بين الأشخاص المحصنين والمصابين” بحسب قول بيتر بيكر ، نائب مدير مجموعة الصحة والتنمية العالمية، في إمبريال كوليدج بلندن.
ويضيف: “وعندما يختلط هؤلاء السكان، يكون ثمة خطر ظهور سلالة جديدة مقاومة للقاح”.
المزيد من السلالات المعدية
تشير بيانات إلى أن سلالة “بي 1” التي ظهرت في مدينة ماناوس البرازيلية، أثناء تفشي فيروس كورونا هناك على نطاق واسع، قد تكون أكثر عدوى وتتجنب المناعة التي وفرتها عدوى سابقة.
وتحتوي السلالة على الطفرة الوراثية E484k في البروتينات التي تشكل الاكليل الشوكي المحيط بالفيروس، والتي تؤثر على نقطة الارتباط بين الفيروس والخلايا تحديداً، وتُزيد قدرة الفيروس على الالتصاق بالخلايا وتقلل من فاعلية الأجسام المضادة.
ووفقاً لمعهد “فيوكروز” للأبحاث، امتد تفشي سلالة “بي 1” بالفعل إلى ما لا يقل عن عشر ولايات من أصل 27 ولاية في البرازيل.
وعلاوة على ذلك، ارتبط أكثر من 50٪ من الحالات الجديدة لكوفيد-19 بإحدى السلالات الثلاث المثيرة للقلق ( بي1 والسلالة التي ظهرت في بريطانيا والسلالة التي ظهرت في جنوب إفريقيا) في ستٍ من أصل ثماني ولايات مختارة”.
يقول تشارلي ويتاكر، وهو باحث في علم الأوبئة في إمبريال كوليدج بلندن: “من دون إجراءات للسيطرة، ستصبح سلالة بي1 بسرعة هي النوع المهيمن من الفيروس وتتسبب في موجات وبائية كبيرة”.
سلالات مقاومة لللقاح
وقدرت دراسة منفصلة أجراها باحثون في جامعة إمبريال كوليدج وجامعة ساو باولو وجامعة أكسفورد أن سلالة “بي1” أكثر قابلية للانتقال بما يتراوح بين 1.4 و 2.2 مرة السلالة الأصلية التي تسببت بتفشي كوفيد في البرازيل. وقد تكون قادرة على التملص من نظم المناعة وتؤدي إلى الإصابة مرة أخرى في ما بين 25٪ و 61٪ من الحالات.
ويقول البروفيسور بيكر: “عندما تصل السلالات إلى أشخاص لديهم مناعة سابقة عبر اللقاح أو أصيبوا سابقاً بالعدوى، يكون هناك ضغط على الفيروس كي يتحور، في محاولة منه لإيجاد طريقة لإعادة إصابة الأشخاص الذين لديهم مناعة سابقة.
ويضيف “لذا فإن الجمع بين تفشي الوباء الكبير الحالي وتفش سابق (خلف مناعة) يُشكل أرضية خصبة قوية لحدوث طفرات. ونعتقد أن هذا ما يحدث في البرازيل”.
“مختبر في الهواء الطلق”
وصل عدد الوفيات إلى مستويات قياسية في البرازيل، مع تقديرات تشير إلى أنه قد يصل إلى نصف مليون حالة وفاة بحلول نهاية هذا العام.
وبوجود ما يقرب من 11.5 مليون حالة إصابة، تجاوزت البرازيل الهند، لتأتي في المرتبة الثانية بعد الولايات المتحدة، حيث تم تسجيل 30 مليون حالة إصابة.
وبحسب تتبع تفشي المرض الذي تجريه منظمة الصحة العالمية، سُجل أكثر من 76 ألف حالة جديدة في البرازيل يوم الاثنين، خلال الـ 24 ساعة الماضية، مقارنة ب 52 ألف حالة في الولايات المتحدة و 26 ألف حالة في الهند.
ويقول الدكتور تانغ إن هذا يشكل خطراً كبيراً من شأنه أن يطور سلالات جديدة مقاومة لللقاحات.
ويضيف: “إذا تركت الفيروسات داخل الجسم بدون رقابة في البرازيل، ستتكاثر وتنتشر في كل مكان. وتشكل بؤر العدوى خطراً على اللقاحات لأن سلالات فعُالة قادرة على تجنب اللقاحات، يمكن أن تنشأ من بؤرة التكاثر بالتأكيد”.
“هل اللقاحات فعالة ضد السلالات الجديدة؟”
إن اللقاحات التي تستخدمها البرازيل هي تلك التي طورتها شركة سينوفاك الصينية ولقاح أسترازينكا- أكسفورد.
وبعد أشهر من رفض شراء لقاح فايزر بيونتيك، رضخ الرئيس بولسونارو، ووقع مشروع قانون لتسريع عمليات الشراء.
وتشير الأبحاث الأولية إلى أن لقاح أسترازينيكا-أكسفورد، أقل فعالية ضد السلالة الجديدة التي ظهرت في جنوب أفريقيا، التي تحتوي على طفرة E484k، لكنه مازال يوفر مستوى جيدا من الوقاية.
ويبحث معهد بوتانتان البرازيلي في تأثير الطفرات على الحماية التي يوفرها لقاح سينوفاك.
وهذا الوضع هو تذكير بمدى الدقة والحساسية التي تتسم بها عملية طرح برامج تطعيم بنجاح.
وما زالت تدابير احتواء انتشار الفيروس، مثل ارتداء الكمامات والالتزام بقواعد التباعد الاجتماعي والإغلاق، أمراً بالغ الأهمية رغم بدء التطعيمات.
ويقول البروفيسور بيكر إن هذه الإجراءات لا تؤدي فقط إلى إبطاء وتيرة العدوى وتقليل مخاطر ظهور سلالات جديدة، بل تُكسب المزيد من الوقت أيضاً لضمان سريان مفعول اللقاحات.
لكن الرئيس بولسونارو كان يصر على معارضته للإغلاق، واصفا إياه بأنه “سياسة لم تنجح في أي مكان في العالم”.
وقال للبرازيليين “توقفوا عن التذمر والشكوى من كوفيد- 19، كم من الوقت سيستغرق بكاؤكم بخصوص كوفيد؟”.
وصرح إيَسيم أوريلانا، وهوعالم أوبئة في معهد فيوكروز، لوكالة فرانس برس أن “البرازيل تشكل اليوم تهديداً للبشرية وهي بمثابة مختبر في الهواء الطلق، وإن أفضل ما يمكننا القيام به هو أن نأمل في معجزة تلقيح شامل أو تغيير جذري في كيفية إدارة الوباء”.
ووصف رئيس منظمة الصحة العالمية، تيدروس أدهانوم غيبريسوس، الوباء في البرازيل بأنه “مُقلق للغاية” وحذر من انتشاره الإقليمي المحتمل.
وقال “إذا لم تتعامل البرازيل بجدية (مع الأمر)، فستستمر في التأثير على كل دول الجوار هناك وأماكن أخرى”.