- بيتر بول
- بي بي سي
قبل 3 دقيقة
لعبت الولايات المتحدة دورا بارزا في تطوير أول لقاح ضد كوفيد-19، لكنها تواجه الآن مأزقا كبيرا: هل يجب إلزام الناس بأخذه؟
وقد أصبحت مسألة فرض الحصول على اللقاح قضية كبرى في نيويورك خلال الأسابيع الأخيرة. وما يحدث في الولايات المتحدة يمكن أن يؤثر على بقية أنحاء العالم، في وقت تزداد نسبة الحاصلين على اللقاح وتفكر الدول في أفضل الطرق لمواجهة الوباء.
مخاوف من اللقاح
“لست ضد اللقاح بشكل كامل، لكني أقول إن الوقت ليس مناسبا بالنسبة لي، لأني أرضع طفلي”، تقول كريسيلدي كاستيلو.
كانت المدرسة التي تبلغ من العمر 27 سنة تعمل في مدينة نيويورك حتى أسابيع خلت، ثم أجبرت على أخذ إجازة غير مدفوعة الأجر مع آلاف آخرين في قطاع التعليم، لأنهم لم يحصلوا على جرعة واحدة على الأقل من اللقاح.
امتد فرض أخذ اللقاح ليشمل جميع العاملين في البلديات، الذي يواجهون خطر تسريحهم في حال رفضوا أخذ اللقاح.
تضيف كريسيلدي “لا أظن أن اللقاح آمن لأنه لم تجر أبحاث كافية عليه”، مع أن اللقاحات التي أقرت في الولايات المتحدة خضعت لتجارب كافية وأقرت في عشرات الدول الأخرى.
هي الآن لا تتلقى أجرا، وتقول إنها في حال تلقت عرضا من مدرسة خاصة من أجل الحصول على دخل، فإن عليها أن تقبل بتقليص أجرها بنسبة 60 في المئة وأن تفقد التأمين الصحي الذي كفلته وظيفتها السابقة.
طلبت كريسيلدي الحصول على إعفاء من اللقاح الإجباري لكن طلبها الأولي واستئنافها رفضا.
تمنح الإعفاءات للحالات التي تضمنتها لوائح المراكز الأمريكية للوقاية والسيطرة على الأمراض، والتي لا تمنح المرضعات إعفاء لأنه لا يوجد دليل طبي يبرر ذلك أو يثبت أن اللقاح غير آمن.
لكن كريسيلدي لا تريد أن تأخذ اللقاح في الوقت الحالي، وتقول “أنا أعاقب بسبب قرار شخصي اتخذته، لا بسبب أنانيتي بل لأنني أريد أن أحمي طفلتي”.
تقول وزارة التعليم في الولايات المتحدة “اللقاحات هي أقوى أدواتنا في مكافحة كوفيد وهذا القرار قانوني وسوف يوفر الحماية للطلاب والمعلمين”.
وفي قضية منفصلة حول إلزامية اللقاح، حدد محامو الوزارة موقفها القائم على أنه لا حق للمدرسين بتدريس الأطفال بدون لقاح ضد عدوى خطيرة، وقالوا إن إلزامية اللقاح ليس إجراء صحيا عقلانيا فقط بل هو أساسي أيضا.
قفزة كبيرة
وجد ما يقرب من عشرة آلاف عامل في نيويورك أنفسهم في وضع مشابه لوضع كريسيلدي، لكن سلطات المدينة تقول إن عدد الذين حصلوا على اللقاح من العاملين شهد قفزة كبيرة بعد فرض التلقيح الإجباري.
فقد ارتفعت نسبة عمال الطوارئ الذين حصلوا على اللقاح من 74 في المئة إلى 87 في المئة قبيل تغيير القانون، بينما شهد قطاع عمال المطافئ ارتفاعا من 64 في المئة إلى 77 في المئة.
وبالرغم من التحذيرات من اتحادات العمال من إمكانية حدوث شح في القوى العاملة بسبب منح الذين لا يتلقون اللقاح إجازة إجبارية، قال عمدة نيويورك بيل دي بلاسيو إن الخدمات في المدينة لم تعان من انقطاع.
وأضاف “هذه رسالتي: كل عمدة مدينة في أمريكا، كل مدير تنفيذي في شركة، سوف يفرض اللقاح الإجباري وسوف يجعلنا أكثر أمانا وسوف تساعدوننا على إنهاء حقبة كوفيد إلى الأبد”.
الاعتراض على أسس دينية
هناك شخص لا يريد لهذا أن يحدث، هو دوغلاس كاريمان.
لقد تأثر بجعل السلطات في نيويورك اللقاح إجباريا لجميع العاملين في الحقل الطبي، وهو يقول “أنا لست من المناهضين للقاح، لست ضد كل أنواع اللقاحات. لست ممن يقولون إن الفيروس مختلق، لقد رأيته، رأيت أناسا يموتون.”
يعيش دوغلاس في لانكستر غرب ولاية نيويورك ويعمل ممرضا في قسم العناية الفائقة في مستشفى محلي.
عمله في مهب الريح، ويتوقف على نتيجة قضية أمام المحكمة رفعها عاملون في القطاع الصحي تتعلق بأن يشمل العفو الممنوح لأسباب دينية العاملين في قطاع الصحة.
يضيف “موقفي قائم على أنك تريد أن تحقنني بشيء، ومع أنهم يقولون إنهم درسوه، وأنا أصدقهم، لكن لم يدرسوه لوقت كاف”.
وبالإضافة لقلق دوغلاس بسبب حداثة عمر اللقاح فهو مسيحي معمداني ويعارض دينه استخدام لقاحات تدخل في تركيبها مواد مستقاة من أجنة.
لقد استخلصت الخلايا من أجنة مجهضة قبل عقود، لكن لا توجد خلايا جنينية في اللقاح، والكثير من الجماعات الدينية التي تعارض الإجهاض، كالكنيسة الكاثوليكية، يوصون بأخذ اللقاح.
وإذا رفضت قضية طلب الإعفاء على أسس دينية فمن المرجح أن دوغلاس لن يستطيع أن يواصل عمله في ولاية نيويورك.
يقول “لدي زوجة ذات احتياجات خاصة، وأنا المعيل الوحيد في العائلة. إذا فقدت عملي فسأفقد كل شيء، إنه مصدر رزقي”.
وسيكون خياره الوحيد أن يسافر ساعة ونصف إلى ولاية بنسلفانيا المجاورة للعمل، حيث لا يجبر العاملون في القطاع الصحي على أخذ اللقاح.
ويقول دوغلاس “في الحقيقة أفكر في الانتقال من مكان سكني، أكره أن أصرح بذلك لأن عائلتي ووالدي هنا، لكن ماذا أعمل؟”.
وقد دعمت حاكمة نيويورك، كاثي هوكول، سياسة اللقاح الإجباري، وتقول “نعتقد أن هذه السياسة فعالة، وكان لها مفعول دراماتيكي، خصوصا على قدرتي على حماية الناس، خصوصا العاملين في القطاع الصحي.
وقد عارض محامو الولاية منح إعفاء على أساس ديني.
دعم السياسة
لكن دكتور كالفن صن، الذي يعمل في قسم الطوارئ الطبية، يفكر بشكل مختلف في موضوع اللقاح.
يقول إنه رأى ما يكفي في شهر أو شهرين من أجل أن يتسبب له بكوابيس لبقية حياته. وليس قلقا من أن أخذ اللقاح يمكن أن يتسبب بخطر أكبر من عدم أخذه.
ويشير إلى أن منافع اللقاح لا تقارن بمخاطره، مضيفا أن “جميع المرضى الذي عانوا من أعراض خطيرة للمرض كانوا ممن لم يحصلوا على اللقاح”.
ويعتقد دكتور صن أن السلطات، بسبب كل هذا، محقة في جعل اللقاح إلزاميا.
ويقول “أعتقد أنه من سوء الحظ أن نضطر لجعل اللقاح إلزاميا، لأننا، من وجهة نظر طبية، نريد دائما أن نرشد المريض إلى الخيار السليم، وما فيه صالح المجموع ومن يحبون”.
ويضيف أنه كما يتعين على الناس استخدام حزام الأمان في السيارات وأن يتوقفوا عن إرسال الرسائل النصية أثناء القيادة، فعلينا أن نتخلى عن القليل من حريتنا من أجل سلامتنا، وفي حال وباء كوفيد هذا يعني جعل اللقاح إلزاميا لنضمن ألا يتعرض النظام الصحي لضغوط كبيرة وأن تتوفر أماكن لأصحاب الظروف الصحية الصعبة.
ويعتقد أنه بإمكان الولايات الأمريكية الأخرى أن تحذو حذو نيويورك، ويقول ” بإمكاننا أن نثبت للعالم أن جعل اللقاح إلزاميا ليس بالسوء الذي يخشاه الناس”.
وهناك الكثير من الأماكن حول العالم التي تفرض إجراءات مشددة بخصوص لقاح كوفيد.
ففي لاتفيا، على سبيل المثال، سمح بطرد العاملين الذين يرفضون أخذ اللقاح أو إجبارهم على العمل من المنزل.
وفي أجزاء من إندونيسيا جعلوا اللقاح إلزاميا للمواطنين، وأصبحت كوستاريكا أول دولة في أمريكا اللاتينية تطلب من العاملين في القطاعات الحكومية أخذ اللقاح.
وبينما يستمر الموت في خطف عشرات الآلاف حول العالم بسبب كوفيد-19 كل أسبوع، سيكون على المزيد من البلدان اتخاذ قرارات صعبة تتعلق بمواجهة المترددين في أخذ اللقاح، حتى لو اضطروا لفصل الرافضين من أعمالهم.