أظهرت أدلة حديثة أن فيروس كورونا يؤثر على الأطفال بشكل مختلف عن تأثيره على الكبار.
يقول أخصائي الأمراض المُعدية أن هنالك عدة عوامل تحمي الأطفال ومنها: المناعة ضد فيروس كورونا الموسمي، الجيوب الأنفية غير مكتملة النضج، بالإضافة إلي قلة إصابتهم ببعض الحالات الصحية المزمنة.
وجد نموذج جديد من الباحثين في فلسطين أن الأطفال أكثرَ عرضةً للإصابة بفيروس كورونا مقارنةً بالبالغين بلا أعراض شديدة أو حتى متوسطة الشدة، وكذلك وجدوا أن الناس الأصغر من العشرين عاماً لديهم قدرة منخفضة على نقل الفيروس للآخرين.
يقول الدكتور شارون ناخمان رئيس قسم الأمراض المُعدية للأطفال في مستشفى ستوني بروك للأطفال Stony Brook Children’s Hospital: “إن انخفاض معدلات الإصابة لدى الأطفال من المحتمل أن يكون بسبب العديد من العوامل، ومن ضمن هذه العوامل هي الاستجابة المناعية المختلفة للفيروس مقارنة بالبالغين، وكذلك خُـلُـوِّهِـم من الأمراض المزمنة، والتعرض المستمر لفيروسات كورونا الأخرى، وربما بعض المناعة غير النوعية المتباينة”.
-ما الذي وجدته الدراسات أيضاً؟
قام الباحثون بتقييم البيانات لـ637 أسرة في منطقة بني براك بفلسطين، إذ خضعَ جميع الأفراد لاختبار PCR وخضع بعض المشاركين لاختبارات الأجسام المضادة المصلية، ثم أخذ الباحثون هذه النتائج وعدّلوها لتعكس معدلات العدوى والانتقال الإجمالية لفيروس كورونا، ووجدوا أن 43٪ من الأطفال معرضون للإصابة بفيروس كورونا مقارنة بالبالغين.
أكدت النتائج أيضاً كون الأطفال ينقلون الفيروس بنسبة أقل بكثير من البالغين، أي أن قدرة الأطفال على نقل الفيروس تبلغ حوالي 63٪ مقارنة بالبالغين، كما تقل احتمالية إظهار الأطفال لنتائج إيجابية لتفاعل البوليميراز المتسلسل (PCR) والتي تبحث عن المادة الوراثية للفيروس، حتى عندما يكون لديهم الفيروس، وهذا قد يفسر سبب انخفاض معدلات التشخيص لدى الأطفال في جميع أنحاء العالم.
صرّح الدكتور روبرت هاميلتون طبيب الأطفال في مركز بروفيدنس ساينت جون الصحي Providence Saint John’s Health Center: “بعد مراقبة انتشار الوباء لأكثر من عام أصبحت البيانات واضحة، لقد نجى الأطفال من ويلات هذا المرض، إذ تتالى ظهور دراسات مختلفة من جميع أنحاء العالم تؤكد أن الأطفال والمراهقين يمثلون 1 إلى 3 في المئة فقط من جميع الحالات وأن عدد أقل من ذلك يتطلب دخول المستشفى”.
-لماذا الأطفال أقل عرضة للإصابة بفيروس كورونا؟
تشتبه الدكتورة آمي باكستر Dr. Amy Baxter الأستاذة المساعدة السريريّة في كلية الطب في جورجيا بجامعة أوغوستا، والرئيس التنفيذي لشركة Pain Care Labs أن الأطفال أقل تأثراً بالفيروس بسبب الجيوب الأنفية غير مكتملة النضج، إذ تقو باكستر: “إن فايروس SARS-CoV-2 يتكاثر في البلعوم الأنفي، والأطفال لديهم جيوب أنفية غير مكتملة النضج حتى سن 12 عاماً تقريباً”.
وأشارت باكستر إلى أنه حتى عندما يكون اختبار الأطفال إيجابياً للفيروس، فقد يكونون أقل عرضة لنقل فيروس SARS-CoV-2.
وتكمل باكستر قائلة: “حتى ولو بدا أن المسحة تحمل نفس الفيروس، فإن أجهزة المناعة لدى الأطفال لا تعمل بالطريقة نفسها لدى الكبار لأنهم على الأرجح لا يمتصون العديد من نسخ الفيروس”.
عادةً ما يتم استنشاق فيروس SARS-CoV-2 عن طريق الأنف قبل أن يتطور إلى فيروس الكورونا ومن هناك ينتقل عبر الأنف ومن ثم إلى تجاويفه حيث يلتصق الفيروس بمستقبلات معينة تسمى ACE2 (الإنزيم المُحوِل للأنجيوتنسين 2) ويقوم بعمل نسخ منه لإحداث عدوى.
تشير بعض الأدلة إلى أن الأطفال ليس لديهم العديد من مستقبلات ACE2، ولكن بشكل عام فإن البحث محدود وستُظهر الدراسات المستمرة ما إذا كانت مستويات الإنزيم المُحوِل للأنجيوتنسين 2 تؤثر على العدوى وكيف تؤثر.
تشك الدكتورة كاثلين جوردان Dr. Kathleen Jordan، أخصائية الأمراض المعدية ونائب الرئيس الأول للشؤون الطبية في مركز صحة المرأة تيا
women’s health provider Tia أن معدل الهجوم المنخفض لدى الأطفال له علاقة بحقيقة أن الأطفال عموماً لا يعانون من العديد من الحالات الصحية المزمنة أيضاً التي يتعرض لها الكبار وبالأخص الطاعنين في السن.
تُصَنِّف مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها The Centers for Disease Control and Prevention السمنة ومرض السكري من النوع 2 كحالات صحية يمكن أن تزيد من خطر الإصابة بفيروس كوروما وتزيد من حِدة مضاعفاته وأعراضه أيضاً.
تعتقد جوردان أنه: “مزيج من الأمراض المزمنة لدى البالغين والتي تزيد من مخاطر فيروس كورونا بينما بعض الخصائص الفريدة للأطفال تحميهم من المخاطر، مثل الخصائص المناعية وقلة الميلان إلى التخثر والاضطرابات الالتهابية بشكل عام”.
لكن هناك العديد من النظريات الأخرى التي يبحث فيها العلماء إذ قد يكون لدى الأطفال مناعة أعلى من فيروسات كورونا الموسمية الأخرى التي تسبب نزلات البرد.
يقول هاميلتون: “يبدو أن المناعة ضد أبناء عمومة فيروس كورونا من فيروسات [SARS-CoV-2] تمنح الأطفال بعض الحماية أيضاً”.
ويبدو أن هذه المناعة المتقاطعة تساهم في بقاء أجهزتهم المناعية بكامل نشاطها لمهاجمة فيروس كورونا الجديد، وأشار ناخمان إلى أنه: “قد يكون هذا العمر هو أفضل عامل حماية ضد فيروس الكورونا”.
هذا بالإضافة لتواجد اختلافات في معدلات تواجد الجراثيم ومستويات فيتامين D والميلاتونين التي توفر درجة معينة من الحماية لدى الأطفال.
وتصرح جوردان: “قد تلعب هذه المسارات المُخففَة دوراً في سبب كون المرض أكثر اعتدالاً عند الأطفال وأقل احتمالية للتسبب في أعراض أو التسبب في تلف الأعضاء كما نرى هذه المسارات عند البالغين”.
– إذاً ماذا يعني هذا بالنسبة للعدوى المجتمعية؟
هناك حاجة إلى مزيد من البحوث لفهم دور الأطفال بشكل أفضل في نقل الفيروس، وتحديداً ما إذا كانت المدارس ومراكز رعاية الأطفال تعمل على نقل العدوى وكيف تقوم بذلك، ومع هذا لا يُعتقد أن الأطفال هم المحرك الرئيسي لانتقال العدوى في المدارس أو مجتمعاتهم، إذ وجدت دراسة أجرتها أيرلندا لتقييم 40 ألف شخص أن الأطفال دون سن 15 عاماً كانوا يملكون نصف الاحتمالية للإصابة بالفيروس التاجي وتمريره، ومع ذلك يمكن للأطفال الإصابة بفيروس SARS-CoV-2 أينما يتجمع البشر بما في ذلك المدارس ومرافق رعاية الأطفال.
ولكن بالنظر إلى الأدلة المُتزايدَة، يقول هاميلتون إن العديد من الباحثين والأطباء يشعرون بأن مخاطر إبقاء الأطفال خارج المدرسة -مثل الاكتئاب والقلق- أكبر من خطر الإصابة بفيروس كورونا الجديد في بيئة مدرسية.
وأشارت جوردان إلى أن التباعد الجسدي وارتداء الأقنعة تُعتبر تدابير فعَّالة لتخفيف انتقال العدوى في المدارس، وصرح ناخمان: “لقد رأينا أن المدرسة هي أكثر الأماكن أماناً لأطفالنا، إذ إن كل مدرسة تقريباً متعاونة في إعطاء تعليمات النظافة والتباعد الاجتماعي والتشديد على ارتداء الكمامات الطبية، فلا يوجد تقريباً أي انتشار للفيروس”.