- مارك بيسينغ
- بي بي سي فيوتشر
قبل 52 دقيقة
تعتبر اللحظة التي هبط فيها نيل آرمسترونغ على سطح القمر عام 1969 واحدة من اللحظات التاريخية البارزة التي لا تنسى.
ولكن ماذا لو كان القمر الذي هبط على سطحه آرمسترونغ مشوها بحفر ضخمة ومسمما بفعل تعرضه لانفجارات نووية؟
للوهلة الأولى، يبدو عنوان هذه الورقة البحثية – “دراسة في رحلات استكشاف القمر” – عاديا وبيروقراطيا ومسالما. إنه هذا النوع من الأوراق البحثية الذي من السهل تجاهله، وربما كان ذلك هو المقصود.
لكن بالنظر إلى الغلاف، تبدو الأمور مختلفة قليلا: في وسطه توجد شارة مزخرفة تصور ذرة وقنبلة نووية وسحابة نووية على شكل فطر – إنه شعار مركز الأسلحة الخاصة التابع للقوات الجوية الأمريكية بقاعدة كيرتلاند الجوية بولاية نيومكسيكو، والذي لعب دورا حيويا في تطوير واختبار الأسلحة النووية.
وفي أسفل الغلاف يوجد اسم المؤلف، إل رايفل، أو ليونارد رايفل، وهو واحد من أبرز علماء الفيزياء النووية الأمريكيين. عمل رايفل مع إنريكو فيرمي مبتكر أول مفاعل نووي في العالم والذي لقب بـ “مهندس القنبلة النووية”.
المشروع، الذي أطلق عليه اسم A119، كان عبارة عن مقترح سري للغاية لتفجير قنبلة هيدروجينية على سطح القمر. المعروف أن القنابل الهيدروجينية كانت أكثر تدميرا بكثير من القنبلة الذرية التي أسقطت فوق هيروشيما عام 1945، وكانت تعتبر الأحدث في مجال تصميم القنابل النووية وقتذاك. وبعد أن طلب مسؤولون كبار في القوات الجوية من رايفل إعطاء الأولوية للمشروع والإسراع بصياغة تفاصيله، كتب العالم الأمريكي العديد من التقارير بين مايو/أيار عام 1958 ويناير/كانون الثاني عام 1959 التي تتناول جدوى الخطة وقابلية تنفيذها.
والعجيب أن أحد العلماء المشاركين في المشروع كان العالم صاحب الرؤية المستقبلية كارل ساغان. بل إن وجود المشروع تم اكتشافه في التسعينيات لأن ساغان أشار إليه في طلب تقدم به للالتحاق بإحدى الجامعات المرموقة.
وفي حين أن المشروع A119 ربما يكون قد ساعد في الإجابة على بعض الأسئلة العلمية الأساسية المتعلقة بالقمر، فإن هدفه الرئيسي كان استعراض القوة. كانت الخطة هي تفجير القنبلة على الخط الفاصل بين الجانب المضيء والجانب المظلم من القمر – لإنتاج وميض قوي يستطيع أي شخص، ولا سيما أي شخص في الكرملين، أن يراه بالعين المجردة. ونظرا لعدم وجود غلاف جوي على القمر، فإن الانفجار لم يكن ليحدث تلك السحابة النووية الشهيرة التي تشبه الفطر.
هناك تفسير واحد فقط مقنع لاقتراح تلك الخطة المروعة، كما أن الدافع من ورائها يقع في نقطة ما بين الشعور بعدم الأمان والشعور باليأس والقنوط.
في خمسينيات القرن الماضي، بدا وكأن الولايات المتحدة غير قادرة على الفوز في الحرب الباردة. وكان الرأي السياسي والرأي العام متفقين على أن الترسانة النووية للاتحاد السوفيتي متفوقة على نظريتها الأمريكية، لا سيما في عدد القنابل والصواريخ النووية ومدى تطورها.
في عام 1952، فجرت الولايات المتحدة أول قنبلة هيدروجينية. بعد ذلك بثلاث سنوات، أصاب الاتحاد السوفيتي واشنطن بالصدمة عندما فجر أول قنابله الهيدروجينية هو الآخر. وفي 1957، حقق سبقا في مجال الفضاء حيث أطلق سبوتنيك-1، أول قمر صناعي يدور في مدار حول العالم.
وما زاد من قلق الأمريكيين هو أن القمر سبوتنيك أُطلق محمولا على متن صاروخ باليستي سوفيتي عابر للقارات – بعد إجراء بعض التعديلات عليه – كما أن محاولة الولايات المتحدة إطلاق قمرها الصناعي انتهت بانفجار هائل. النيران التي أتت على صاروخ فانغارد الأمريكي صورتها الكاميرات وعُرضت حول أنحاء العالم. وكان التقرير الإخباري الذي أذيع على شاشات التلفزيون البريطاني في ذلك الوقت قاسيا: “فشل صاروخ فانغارد..فيما يعد انتكاسة هائلة حقا..في عالم النفوذ والدعاية”.
وفي غضون ذلك، كان يُعرض على تلاميذ المدارس الأمريكيين فيلم يحتوي على إرشادات حول ما يجب أن يفعلوه في حال تعرض البلاد لهجوم نووي.
في وقت لاحق من العام نفسه، كتبت صحيفة أمريكية نقلا عن مصدر استخباري رفيع المستوى أن “السوفييت يعتزمون تفجير قنبلة هيدروجينية على سطح القمر في ذكرى الثورة الموافقة السابع من نوفمبر/تشرين الثاني” (صحيفة ذا ديلي تايمز الصادرة في نيو فيلادلفيا بولاية أوهايو)، ثم أتبعت ذلك بتقارير تحدثت عن أن السوفييت ربما يخططون بالفعل لإطلاق صاروخ مزود برأس نووي على أقرب جيران الولايات المتحدة.
وكغيرها من شائعات الحرب الباردة، من الصعب التوصل إلى أصولها.
والغريب أن تلك المخاوف من المرجح أن تكون قد أعطت للسوفييت أيضا دافعا لتطوير خطة خاصة بهم. كانت خطتهم، التي سميت E4، نسخة طبق الأصل من خطة الأمريكيين، وتم التخلي عنها في نهاية المطاف لنفس الأسباب – الخوف من أن الفشل في عملية الإطلاق قد يؤدي إلى سقوط القنبلة على الأراضي السوفيتية. وقد تحدثوا عن احتمال أن تؤدي الخطة إلى “حادثة دولية غير مرغوب فيها بشكل كبير”.
ربما يكونون قد أدركوا ببساطة أن الهبوط على سطح القمر هو الجائزة الكبرى.
لكن المشروع A119 كان من الممكن أن ينجح.
في عام 2000، قال رايفل كلمته. فقد أكد أن المشروع كان “قابلا للتنفيذ من الناحية الفنية”، وأنه كان سيكون من الممكن رؤية الانفجار من على كوكب الأرض.
لم يكن تخريب بيئة القمر البكر يمثل مصدر قلق يذكر للقوات الجوية الأمريكية، رغم إبداء العلماء مخاوفهم في هذا الشأن.
يقول أليكس ويلرستاين المؤرخ المتخصص في مجال العلوم والتكنولوجيا النووية إن “المشروع A119 كان واحدا من عدة أفكار لرد فعل مثير على إطلاق سبوتنيك. وقد شملت تلك الأفكار إسقاط سبوتنيك، وهو ما يبدو شيئا شريرا للغاية. يشيرون إلى تلك الأفكار بوصفها ألعابا بهلوانية…مصممة لإبهار الناس.
“ما فعلوه في نهاية المطاف هو إطلاق قمر خاص بهم في مدار حول كوكب الأرض، وقد استغرق ذلك بعض الوقت، لكنهم عكفوا على صياغة ذلك المشروع بقدر من الجدية حتى أواخر الخمسينيات.
“إنها نافذة مثيرة للاهتمام على طريقة تفكير الأمريكيين في ذلك الوقت، تلك الرغبة الملحة في التنافس بطريقة تخلق شيئا شديد الإبهار. أظن أنه في هذه الحالة الإبهار والذعر اقتربا أكثر مما ينبغي من بعضهما بعضا”.
وويلرستاين ليس متأكدا مما إذا كانت محاربة الشيوعية بطريقة مطاردة الساحرات في الولايات المتحدة هي ما دفعت علماء الفيزياء النووية إلى العمل على ذلك المشروع. يضيف أن “أي شخص في تلك الوظائف كان يعمل بمحض إرادته إلى حد ما. لم يكن لديهم ما يمنع القيام بذلك العمل. لو كانوا خائفين، لكانوا قد انصرفوا إلى العمل في الكثير والكثير من المجالات الأخرى. والعديد من العلماء فعلوا ذلك خلال الحرب الباردة، حيث قالوا إن الفيزياء صارت سياسية أكثر مما ينبغي”.
ربما كان هناك المزيد من الوقفات مع الذات بحلول فترة حرب فيتنام.
يقول بليدين بوين الخبير في العلاقات الدولية في الفضاء الخارجي إن “المشروع A119 يذكرني بمشهد من مسلسل الرسوم المتحركة “ذا سيمبسونز”( The Simpsons)، عندما ترى الفتاة ليسا شعار ‘فجروا الحيتان بالقنابل النووية ‘ مكتوبا على حائط غرفة نيلسون زميلها في المدرسة، فيقول لها نيلسون مبررا: ‘حسنا، يجب أن نفجر شيئا ما بالقنابل النووية ‘.
“كانت تلك دراسات جادة ولكنها لم تحظ باهتمام جاد أو تمويل جاد عندما غادرت مكاتب مجتمع علماء الفضاء. لقد كانت جزءا من الهوس بالفضاء في أواخر الخمسينيات وبداية الستينيات قبل أن يدرك أي شخص الشكل الذي سيتخذه عصر الفضاء بالضبط”.
“إذا كان هناك في المستقبل أي شيء يشبه هذا النوع من هيستيريا القمر مرة أخرى، فإنه سيقع تحت طائلة النظام القانوني الدولي المترسخ..والذي وافقت عليه كل دول العالم تقريبا”.
لكن هل من الممكن أن تطفو خطط كهذه على السطح مرة أخرى؟
يقول بوين: “سمعت بعض الكلام من جهات ما ومن البنتاغون بشأن دراسة إرسال قوة الفضاء الأمريكية لرحلات لدراسة بيئة القمر”.
ولكن إذا لم يكن باستطاعة بعض الخطط الأكثر غرابة أن تمد جذورها في الولايات المتحدة، فإن هذا لا يعني أنها لا تستطيع أن تفعل ذلك في بلدان أخرى – كالصين على سبيل المثال. يضيف بوين: “لن أستغرب إذا ما كان هناك في الصين الآن من يريدون أن ينفذوا بعض تلك الأفكار لأنهم يعتقدون أن القمر شيء مثير، وهم يعملون في الجيش”.
ولا يزال الغموض يكتنف غالبية تفاصيل المشروع A119، التي يبدو أنه تم تدمير الكثير منها.
ولربما كان الدرس الأخير المستفاد من ذلك المشروع هو أنه لا ينبغي أبدا أن نستهين بالأوراق البحثية ذات العناوين البيروقراطية المبتذلة بدون أن نقرأها أولا على الأقل.