حقوق الصورة: Shutterstock


تتنوع الفصائل والأنواع الحية على وجه هذا الكوكب، لكننا اليوم سنتحدث عن فصيل فريد من نوعه بسبب ما يمتلكه من ميزات تختلف عن باقي الفصائل كلها، ألا وهو البشر العاقلون من فصيلة الرئيسيات.

-ماذا نعني بالرئيسيات؟
الرئيسيات أو primates تعني أي حيوان ينتمي لمجموعة الثدييات ذات المشائم، والتي ترضع أطفالها، وتملك أدمغة متطورة مثل الشيمبانزي والبونوبو والإنسان.

لكن وبحسب الدراسات الحديثة، فإن الشمبانزي الحديث موجود منذ فترة أطول من البشر المعاصرين أقل من مليون سنة مقارنة بـ 300,000 للإنسان العاقل وفقًا لأحدث التقديرات، لكن انفصل البشر عن الشمبانزي منذ نحو 6 ملايين أو 7 ملايين سنة.

إذًا، إن فكرنا في الشمبانزي كأبناء عمومتنا، فإن سلفنا المشترك الأخير هو مثل الجدة العظيمة التي لديها نسلان فقط على قيد الحياة.

ولكن، لماذا استمر أحد نسليها التطوريَّين في تحقيق تطور دماغي أكثر بكثير من الآخر؟

تقول لين إيزبيل Lynne Isbell، أستاذة الأنثروبولوجيا في جامعة كاليفورنيا، ديفيز University of California, Davis: “إن التطور ليس تطورًا بالمعنى الحرفي، إنما يتعلق الأمر بمدى ملائمة الكائنات الحية لبيئاتها الحالية”، وفي نظر العلماء الذين يدرسون التطور، فإن البشر ليسوا أكثر تطورًا من الرئيسيات الأخرى، ونحن بالتأكيد لم نفز بما يُسمى اللعبة التطورية، في حين أن القدرة الشديدة على التكيف تتيح للبشر التعامل مع بيئات مختلفة للغاية لتلبية احتياجاتنا، فإن هذه القدرة ليست كافية لوضع البشر في قمة سلم التطور.

تتابع إيزبيل قائلةً: “حقيقة أن البشر أصبحوا يسيرون على قدمين، وهاجروا حول الكوكب بينما بقي الشمبانزي في إفريقيا حيث يتأرجح بين الأشجار ويمشي على الأرض يوضح استراتيجيات البقاء المختلفة بدلًا من التفوق”.

في عام 1996 اقترحت إيزيل وترومان يونغ Truman Young، من جامعة كاليفورنيا في ديفيز، أنه مع تغير المناخ وانتشار الطعام بشكل أكبر في الغابات الإستوائية الأفريقية ترك أسلاف البشر الأشجار وبدؤوا في المشي على قدمين لتغطية الأرض بشكل أكثر كفاءة، ما سمح لهم بالبقاء في مجموعات متماسكة والتوسع في النهاية إلى السافانا، بينما طور أسلاف الشمبانزي استراتيجية بقاء مختلفة للتعامل مع الظروف الغذائية المتغيرة، كما أن أسلافنا كانوا أكثر عرضة للحيوانات المفترسة ليلًا، ولذلك استخدموا الأدوات الحجرية لقطع أغصان أشجار الأكاسيا وبناء ملاجئ شائكة للنوم بداخلها.

إن الفكرة السائدة بين العوام هي أن الأصلح هو الأقوى أو الأسرع، لكن كل ما كان على البشر فعله حقًا للفوز باللعبة التطورية هو البقاء والتكاثر.

ويُعدّ اختلاف أسلافنا عن أسلاف الشمبانزي مثالًا جيدًا، بينما ليس لدينا سجل أحفوري كامل للبشر أو الشمبانزي، فقد جمع العلماء بين الأدلة الأحفورية مع القرائن الجينية والسلوكية المستقاة من الرئيسيات الحية للتعرف على الأنواع المنقرضة الآن، والتي سيصبح أحفادها بشرًا وشمبانزيّ.

فمن السهل التفكير في التطور باعتباره دافعًا تقدميًا نحو تعقيد أكبر وأكبر، وهو شيء بدأ بأميبا وحيدة الخلية، وانتهى بنا.

لكن ليست للتطور وجهةٌ محددة، وحتى لو كان كذلك، فمن المؤكد أن البشر ليسوا كذلك، إذ أنه في كثير من الحالات يميل التطور إلى تفضيل البساطة قبل كل شيء، وهذا هو السبب في أن الكائنات التي تعيش في الكهوف تفقد أعينها، والحيتان التي تنحدر من الثدييات الأرضية تكاد لا تملك عظام أرجل، حتى الذكاء ليس حكرًا على سلفٍ معين، وذلك لأن قنافذ البحر التي ليس لها جهاز عصبي مركزي تطورت من سلف ذي دماغ.

تقول نينا جابلونسكي Nina Jablonski، عالمة الأنثروبولوجيا القديمة في ولاية بنسلفانيا: “إن التطور يتعلق بالبقاء في ظل ظروف معينة وطفرات عشوائية، إذ أن الكائنات الحية تحاول فقط التكيف مع الظروف الطارئة للحياة في بيئتها”.

كما أظهر تنوع أشباه البشر خلال المراحل الأولى من التطور البشري كيف حاولت العديد من الأنواع القيام بذلك.

على سبيل المثال: يُعتقد أن أحد فصائل البشر القديمة واسمه أسترالوبيثكس أفارينسيس Australopithecus afarensis (فصيلة لوسي) قد طور وركًا شبيهًا بالبشر يسمح لهم بالسير على قدمين لأنه يسمح لهم بحمل الأشياء، وهي مهارة مفيدة لجمع الطعام في السافانا.

وكان فصيل بارانثروبوس روبستوس Paranthropus robustus يتمتع بفك قوي لمضغ الأطعمة القاسية والليفية المتوفرة في بيئته الجافة.

كما تمتلك فصيلة الإنسان العاقل Homo sapiens دماغًا ضخمًا نسبيًا ساعدها في صنع الأدوات الحجرية البدائية.

ولكن مع ازدياد تعقيد استخدام أدوات أشباه البشر، توسعت منافذهم البيئية، فلم يكن على الأنواع أن تختار بين وجود أضراس كبيرة لمضغ البذور وأنياب حادة لتمزيق اللحوم باستخدام الأدوات، إذ يمكنهم كسر الطعام جزئيًا قبل تناوله واستهلاك كليهما.

ولكن مع تطور التكنولوجيا في عصرنا هذا، ووجود العديد من الأدوات والمدخلات الجديدة على الإنسان الحديث كاللغة والتعليم جعله قادرًا على التطور أكثر إلى نوعين أو ثلاثة أنواع في الماضي، وساعده على البحث الموسع والسفر والتنقل والتعرف على المخاطر وتجنبها.

ومن المهم أن نتذكر عندما نسأل لماذا لا يطور أبناء عمومتنا من القردة الصفات التي تميز البشر.

لأن القردة العليا الحديثة تعيش في بيئات غابات كثيفة حيث تُعدّ القدرة على تسلق الأشجار مكافأةً كبيرة، لذا فهي ليست بحاجة إلى المشي على قدمين، كما أن مخلوقات مثل الشمبانزي والبونوبو قادرةً على بناء أعشاشها باستخدام أدوات بدائية، وتقدير الجمال، وربما حتى الحداد على موتاها بدون عقولنا الكبيرة التي تستهلك الكثير من الطاقة.

nasainarabic.net