حقوق الصورة: (Image credit: Caltech/R. Hurt (IPAC))

يؤمن بعض علماء الفلك أن هناك كوكبًا ضخمًا يمتد إلى ما وراء مدار نيبتون ويدور حول الشمس، ولكن بعد سنواتٍ من البحث، لم يعثر العلماء على هذا العالم المفترض الذي لقبوه “بالكوكب التاسع”.

هذا ما شكك العلماء لكي يأخذوا نظرية ثورية بعين الاعتبار: ربما لا يكون الكوكب التاسع كوكبًا بل ثقبًا أسودَ صغيرًا قد يكون قابلًا للتحديد بالإشعاع النظري المنبعث من حافته، والذي يدعى إشعاع هوكينغ.

استخدم علماء الفلك الاختلافات في المدارات الكوكبية للتنبؤ بوجود كواكب جديدة لقرون من الزمن. عندما لا يتناسب مدار كوكب مع التوقعات المبنية على ما نعرف عن للنظام الشمسي، فإننا نحتاج إلى تحديث فيزيائنا (كإيجاد نظرية أفضل للجاذبية) أو إضافة كواكب إضافية إلى المجموعة. مثلًا، لقد أدت عدم قدرة العلماء على التحديد الدقيق لمدار عطارد إلى وضع نظرية أينشاتين للنسبية العامة. وفي الطرف الآخر من النظام الشمسي، أدرت تصرفات غريبة لمدار أورانوس إلى اكتشاف نيبتون.

في عام 2016، درس علماء الفلك مجموعة من الأجسام شديدة البعد في النظام الشمسي دُعيت بالأجسام ما بعد النبتونية TNO. هذه الأجسام الصغيرة الجليدية هي بقايا تشكل النظام الشمسي، وهي تجلس وحيدة في المدار المظلم الذي يقع بعد نبتون (من هنا جاءت التسمية).

تملك بعض من هذه الأجسام مدارات عنقودية غريبة تصطف بجانب بعضها. إن احتمال حدوث هذه التعنقد بالصدفة العشوائية هو أقل من 1%، وهذا ما دفع بعض علماء الفلك للاشتباه بأنه قد يكون هناك كوكب ضخم، شيء أكبر من نيبتون يدور أبعد بأكثر من عشر مرات عن الشمس من دوران نيبتون حولها، عندها لُقَّب هذا العالَم المفترض بالكوكب التاسع. ما يزيد من قوة الفكرة هو مقدار الجاذبية التي تسمح لجسم ما بجذب TPOs إلى مدارات عنقودية.

بالرغم من ذلك، فإن الدليل على وجود الكوكب التاسع ليس حاسمًا. قد تكون مراقبات TNOs متحيزة لذا من الممكن أن علماء الفلك لم يستطيعوا أخذ عينة كافية: ما يعني أن التعنقد الغريب قد يكون ناتجًا عن استراتيجية مراقبتنا بدلًا من الانعكاس الحقيقي. مثلًا، بالتحديد في تعنقد TNOs يمكن أن يكون ناتجًا عن مكان توجيه رواد الفضاء لتلسكوباتهم وفقًا لموقع Live Science. بمعنًى آخر، تظهر TNOs متعنقدة فقط بسبب “تحيز” مراقباتنا.

أيضًا، هناك حقيقة واضحة وهي أنه بعد خمس سنوات من البحث لم يعثر أحد على الكوكب التاسع.

تحفيز مظلم


لو كان الكوكب التاسع بالفعل موجودًا فإنه يمكن أن يكون على الجزء من مداره الذي يأخذه بعيدًا عن الشمس لدرجة أنه لا يمكننا رصده باستخدام التكنولوجيا المتوفرة حاليًا. لم تعثر أعمق وأكثر أجهزتنا الكاشفة حساسيةً على أي شيء.

اقترح علماء الفلك الآن نظرية بديلة: ربما لا يكون الكوكب التاسع كوكبًا بل ثقبًا أسودَ.

إن الثقوب السوداء الصغيرة (وكلمة صغيرة تعني بحجم الكوكب) تثير اهتمام علماء الفلك. تنشأ جميع الثقوب السوداء في الكون من موت نجم ضخم، ولأن النجوم شديدة الضخامة (ليست أصغر من عشر كتل شمسية) كبيرة بما يكفي لتشكيل ثقب أسود فإنها تترك وراءها ثقوبًا سوداء لا يقل حجمها عن خمسة أضعاف كتلة الشمس.

يمكن أن تكون الثقوب السوداء الأصغر قد تشكلت في ظروف قاسية في بدايات الكون. من الممكن أن تكون هذه الثقوب السوداء البدئية موجودة في كل أرجاء الكون، غير أن النظريات الكونية قد استبعدت أغلب نماذج تشكل الثقوب السوداء البدئية مع بعض الاستثناءات القليلة مثل الثقوب السوداء التي يصل حجمها إلى حجم كوكب.

لذا، إن استطاع العلماء تأكيد أن ثقبًا أسودَ يدور حول الشمس، فهذا سيزودنا بمعلومات مهمة عن أعظم ألغاز علم الفلك الحديث.

رحلة خطرة


في سبعينيات القرن الماضي افترض عالم الفيزياء الشهير ستيفن هوكينغ أن الثقوب السوداء ليست سوداء بنسبة 100%، وذلك بسبب تداخلات معقدة بين الجاذبية وقوى الكم في أفق الحدث أو في حدود الثقب الأسود. اقترح هوكينغ أن الثقوب السوداء تستطيع أن تصدر إشعاعاتٍ ضعيفةً تتقلص ببطءٍ أثناء العملية.

عندما نقول “إشعاعات ضعيفة” فنحن نعني ذلك حقًا: إن ثقبًا أسودَ بنفس كتلة الشمس يمكن أن يصدر فوتونًا واحدًا: جزيئًا مغانيطيسيًا كهربائيًا واحدًا في كل سنة. من الصعب جدًا أن يُرصد ذلك.

يمكن رصد ثقبٍ أسودَ صغيرٍ قريب (مثل الكوكب التاسع). أظهرت دراساتٌ سابقة أن إشعاع هوكينغ قد يكون ضعيفًا لدرجة لا يمكن رصده من الأرض، ولكن بحثت دراسة جديدة نُشرت في بداية هذا العام في arXiv في قاعدة البيانات ما قبل الطباعة فيما إذا كانت المهمات الجوالة تملك فرصة أكبر لرصد إشعاع هوكينغ من ثقب أسود.

أيضًا، وحتى مع استخدام مجموعة من مركبات الفضاء السريعة خفيفة الوزن من أجل تمشيط النظام الخارجي، فإنه من غير المحتمل أن نرصد الكوكب التاسع عن طريق إشعاع هوكينغ، لأن الإشعاع ضعيف جدًا، ولأننا لا نعرف مكان الثقب الأسود، لذا لا يمكن أن نضمن أننا سنقترب منه أثناء المهمة.

غير أن هناك بصيص أمل. إن استطاع العلماء تحديد مكان الكوكب التاسع المفترض بشكلٍ أدق بواسطة عمليات رصد أخرى وتبين أنه ثقب أسود، عندها يمكن لمهمة خاصة أن تقترب من أفق حدثه وربما تدور حوله.

عندها سنملك طريقا مباشرًا لرصد أحد أكثر البيئات شديدة الجاذبية في الكون. لا عجب أن العلماء متحمسون لفكرة وجود ثقب أسود على طرف مجموعتنا الشمسية. ستكون المهمة إلى هناك مكلفة جدًا وتستهلك الكثير من الوقت، غير أننا نمتلك خبرة في هذه المهمات شديدة البعد بسبب مهمة نيو هورايزن، وهو المسبار التابع لناسا الذي يبحر عبر حزام كيبور، أي أن إمكانياتنا التكنولوجية قادرة على تصميم وإرسال مهمة مطورة من نيو هورايزن لزيارة ذلك الثقب الأسود.

بالطبع هذا الأمر يستحق العناء.

إن الثقوب السوداء هي على الأرجح أكثر الأجسام المبهمة في الكون، ونحن لا نفهمها بشكل كامل. يمكن أن يعلمنا إشعاع هوكينغ عن العلاقة بين الجاذبية وميكانيكا الكم على مقاييس صغيرة. إذا كان الكوكب التاسع ثقبًا أسود (وهذا أمر مفترض طبعًا) فإنه يمكننا في غضون بضع سنوات أن نطلق مهمةً لرصده بالتفصيل وقد نعثر على إجابات لبعض الأسئلة المهمة في الفيزياء.

سيفتح ذلك نافذة جديدة نحو فيزياء جديدة كليًا قد تكون بانتظار وصولنا إليها.

nasainarabic.net