حقوق الصورة: (ESO/M.Kornmesser)

لطالما اعتبرنا وجود ثقبٍ أسودَ عملاقٍ في مركز درب التبانة أمرًا مفروغًا منه، إلا أننا لا نستطيع الذهاب والتأكد من ذلك، فماذا لو كان شيئًا آخرَ ذاك الذي يقبع خلف كل هذا الغبار؟

نعلم بوجود ثقبٍ أسودَ عملاقٍ في مركز مجرتنا يدعى الرامي-أ Sagittarius-A ، نستدل جزئيًا على وجوده وخصائصه من تأُثير الجاذبية الذي يُحدِثه على الأجسام الأخرى المحيطة، كالنجوم التي تدور في مدارات شديدة الاستطالة حول مركز المجرة، ولكن ماذا لو كنا مخطئين؟

ماذا لو لم يكن ذلك ثقبًا أسودَ حتى؟ أو كان مكوّنًا من المادة المظلمة؟

أظهرت دراسةٌ جديدة أننا قد نفسر طبيعة المدارات حول مركز المجرة والسرعات المدارية المختلفة في المناطق الخارجية بشكلٍ أسهل إذا ما كان مركز درب التبانة من المادة المظلمة بدلًا من ثقبًا أسودَ.

قبلت مجلة MNRAS Letters هذا البحث، كما أنه الآن متاح على مخدم arXiv، لكن بدايةً؛ إليك ما دعا العلماء لوضع هذه الفرضية.

خلال العقدين الماضيين، استحوذ مدار النجم S2 على اهتمام العلماء الذين أخذوا يدرسونه بتمحيص، إذ يدور S2 حول مركز درب التبانة في مدار طويل بيضوي يستغرق 16 سنة لإكماله، وقد كان بمثابة المكان المثالي لاختبار صحة النظرية النسبية العامة بواحد من أقسى الاختبارات حتى الآن.

عمل في البحث السابق فريقان منفصلان، وأكدا صمود النسبية بعد اختبارها في بيئة نسيج الزمكان في مركز المجرة، كما اتسقت نتائج البحث مع ثقبٍ أسود عملاقٍ تبلغ كتلته 4 ملايين أضعاف كتلة الشمس.

بالإضافة إلى ذلك، درس الباحثون جسمًا آخر يدعى G2 ذا مدارٍ طويلٍ وبيضويٍّ أيضًا، إلا أن G2 فعل شيئًا غريبًا جدًا عندما تجاوز نقطة الحضيض عام 2014، وهي أقرب نقطة من مداره للثقب الأسود المفترض، إذ تحول عندها من جسم طبيعي متماسك إلى آخر طويل وممدد، ثم انكمش عائدًا لطبيعته.

كان ذلك التصرف غريبًا حقًا بالرغم من أننا حتى الآن لسنا متأكدين من طبيعة الجسم G2. بحسب فريق إدوار أنطونيو بيسيرا- فيرغارا Eduar Antonio Becerra-Vergara من المركز الدولي للفيزياء الفلكية بقيادة الفيزياء الفلكية النسبية في إيطاليا؛ تُظهر حركة الجسم بعد الحضيض نوعًا من السحب الذي لا يتماشى كليًا مع نموذج الثقب الأسود.

أظهر الباحثون السنة الماضية أن حركة مداري S2 وG2 تتماشى مع نموذجٍ مختلفٍ، بما فيها الحركة الغريبة عند الحضيض. هذا النموذج هو فيرميونات المادة المظلمة المدعوة داركنينوس Darkninos، شرط أن تكون كتلتها خفيفةً بما يكفي كي لا تتحول إلى ثقبٍ أسود ما لم تتضاعف كتلتها مئة مرة على الأقل؛ ذلك كي تتمكن من البقاء كجسم ضخم وكثيف في مركز المجرة، وأن تحاط بضباب ينتشر خارجًا نحو حوافها.

وبما أن S2 وG2 ليسا الجسمين الوحيدين اللذين يدوران حول مركز المجرة؛ وسع الباحثون دراستهم لتشمل 17 من النجوم التي نعرفها جيدًا، والمُسمّاة نجوم-س S-Stars، إلا أنك لن تتوقع ماذا وجدوا!

نعم! تماشت النتيجة مع نموذج المادة المظلمة مرةً أخرى! فوفقًا لحساباتهم؛ يوجد تجمعٌ كثيفٌ من المادة المظلمة في مركز المجرة، والتي تقل كثافتها تدريجيًا عند أطراف المجرة.

لا يمكن إنكار حقيقة أن المادة المظلمة من أعظم ألغاز الكون الذي نعرفه، فهي الاسم الذي نطلقه على كتلٍ غامضة مسؤولة عن بعض تأثيرات الجاذبية التي لا يمكن شرحها اعتمادًا على المادة المرصودة كالنجوم والغبار والمجرات.

مثلًا كانت المجرات لتدور أسرع مما تفعل لو تأثرت بجاذبية المادة العادية فقط، أما ظاهرة المفعول العدسي التثاقلي Gravitational lensing -انحناء نسيج الزمكان حول الأجسام الثقيلة- فهي أكبر مما ينبغي أن تكون، ومهما كان الذي يسبب هذا الجذب الإضافي؛ لا ريب أنه يتجاوز مقدرتنا على الرصد المباشر.

نستدل على وجود هذه المادة بوساطة تأثير جاذبيتها على الأجسام الأخرى فقط، ألا يبدو ذلك مألوفًا؟

لكن نواة مجرية نشطة مثل الثقب الأسود M87 تلائم نموذج الثقب الأسود العملاق أكثر، تساوي كتلته نحو 6.5 مليار كتلة شمسية، ويُعد أثقل الثقوب السوداء في الكون.
.
لذلك يقترح الفريق أن المادة المظلمة قد تنهار على نفسها وتتحول لثقب أسود إذا تجاوزت حدًا أقصى للكتلة، وقد يساعد ذلك في تفسير وجود الثقوب السوداء العملاقة؛ لا سيما أننا لا نعلم كيف أصبحت كبيرةً جدًا، كما قد يفسر وجود الكثير منها في الكون المبكر قبل أن تملك الوقت الكافي للتشكل حتى.

لكن الفريق لا يقترح أن الثقوب السوداء العملاقة تمثّل كامل المادة المظلمة، فلا يوجد عددٌ كافٍ من الثقوب السوداء العملاقة أو العادية لتكون مسؤولة عنها كلها خاصةً أنها تشكل 80% من المادة في الكون. من جهةٍ أخرى، يقدم منهجهم مقترحًا لشرح منشأ الثقوب السوداء.

وفي جميع الأحوال تبقى الدراسات المستقبلية وحدها قادرةً على دفعنا نحو الحقيقة وتفسير هذه الظواهر، إما بإثبات أو دحض ما سبق من أبحاث.

nasainarabic.net