يتقدّمُ العلم والتجارة معاً، ومجال الخلايا الجذعية ليس استثناءً عن التقدم.

حيث يُعدُّ الحفاظ على الخلايا الجذعية للأسنان على المدى الطويل، سبيلاً للنمو، مع الوعد بعلاج حالات متنوعة مثل السرطان والتوحّد والتنكس العصبي واستبدال الأعضاء والإدمان.

بدأ اكتشاف الخلايا الجذعية الحيّة والمتعدّدة القدرات في لبّ الأسنان منذ ما يقارب العشرين عاماً، من أسنان الأطفال والبالغين، وهو ما أدّى إلى ولادة هذا المجال.

تُركّز خدمات الحفاظ على الخلايا الجذعية للأسنان، أو ما يُدعى بـ«بنوك الأسنان»، على جمع أسنان الطفل، حين يحين موعد استبدالها الطبيعي ومن ثم تخزين الخلايا الجذعية الموجودة داخل اللب السني، للاستخدام العلاجي في السنوات اللاحقة، إذا احتاجها الطفل عندما يكبر.

قام أطباء الأسنان بتحسين الحياة لمئات السنين من خلال إزالة الألم، ومساعدة الناس على تناول الطعام بشكل طبيعيّ وصحيّ من بعد ويلات الألم الناجمة عن تسوُّس الأسنان، ومشاكل الأنسجة الفموية، وإعادة ابتسامة الوجوه إلى روعتها الطبيعية، لكن أطباء الأسنان المعاصرين الآن، لا يحسِّنون الحياة فحسب بل ينقذونها.

على مدى العقد الماضي، أصبحت بنوك الأسنان التي كانت في يوم من الأيام من اختصاص عيادات المستشفيات فقط، أكثر شيوعاً في عيادات طب الأسنان.

من خلال جمع الخلايا الجذعية للتخزين طويل الأمد للاستخدام العلاجي، وأصبح خدمة يقدمها الآن أطباء الأسنان، وبشكل أكثر دقّة عما مضى.

يُمثّل جمع الخلايا الجذعية من نخاع العظام والدم والمواد الجنينية والأحبال السرية، تحديات أخلاقية عمليّة، ومع ذلك، فإن اكتشاف مجموعات الخلايا الجذعية بعد الولادة في لب الأسنان بواسطة ستان جرونثوس Stan Gronthos وسونغاتو شي Songtao Shi، منذ حوالي عقدين من الزمن، قد فتح آفاقاً جديدةً لأبحاث الخلايا الجذعية، ودفع مهنة طب الأسنان إلى مجالٍ مثيرٍ من الطب التجدُّدي.

توجدُ الخلايا الجذعية بعد الولادة في لب الأسنان اللبنية المتساقطة خلال أول 6-12 سنة من النمو، كما أنها متوفرة أيضاً من قلع الأرحاء الثالثة والضواحك عند البالغين لتقويم الأسنان.

-الخلايا الجذعية العلاجية:
تتكوّن مجموعات الخلايا الجذعية من خلايا غير متمايزة، لديها القدرة على الاستمرار في الانقسام والتكاثر، وبالتالي البقاء على قيد الحياة حتى تتلقى إشارات محددة، تأخذُ الإشارات شكل الجزيئات التي تفرزها الخلايا في الموقع الذي زُرعت فيه هذه الخلايا، بهدف نموها في هذا المكان، أو إصلاح الأنسجة التالفة فيه.

ويجدر بالذكر أنه ليس لكل الخلايا الجذعية نفس القدرات، فلها عدة تصنيفات بحسب قدراتها التجدُّدية وتنقسمُ إلى خلايا جذعية مكثّفة القدرات، ومتعدّدة القدرات، ومتعدّدة الإمكانيات.

تمتلك الخلايا المكثّفة القدرة على تكوين كائن حيٍ كاملٍ في الرّحم، وبالتالي يمكن أن تتمايز إلى أيّ نوع من الخلايا.

يُطلق على الخلايا الجذعية الأخرى -بما في ذلك الخلايا الجذعية الجنينية البشرية المبكرة- اسم “متعدّدة القدرات”، مما يعني أنها يمكن أن تتمايز إلى أيّ نوع من الخلايا، ولكن لا يمكنها تكوين كائنٍ حيٍ كاملٍ بمفردها.

الخلايا الجذعية متعددة الإمكانيات قادرة على التمايز إلى أكثر من نوع واحد من الخلايا في الجسم، على سبيل المثال، العصب والعضلات والعظام وخلايا الدم، ولكن بدون القدرة الكاملة على التجدُّد للخلايا الجذعية متعددة القدرات، بشكل عام، يتخصصون في عائلة واحدة من الخلايا، على سبيل المثال إما العصبيّة أو الدمويّة، ومع هذه القدرة الرائعة على النمو والإصلاح، فلا عجب أن المصالح الطبيّة والتجاريّة على حد سواء لديها اهتمامٌ كبيرٌ بإمكانيات الخلايا الجذعيّة.

استخدم سابقاً نخاع العظام، الذي يحتوي على الخلايا الجذعية المكوّنة للدم، في علاج السرطان والعلاجات الأخرى.

ومع ذلك، فإن نخاع العظام المتوافق غير متاح دائماً والمشكلة أن العلاج بالخلايا الجذعية الجنينية -وهو مصدر آخر مدروس جيداً لهذه الخلايا- له قيود مجتمعيّة بسبب الاعتراضات الأخلاقية على استخدام الخلايا الجذعية الجنينية، وقد أدى إلى انقسامٍ في الولايات المتحدة الأمريكية وحدها، بين ولايات تسمح بهذا الخيار العلاجي وأخرى محظور فيها، وذلك اعتماداً على الحالة أيضاً، ثم شمل ذلك دول العالم كلها.

كان أحد أكثر التطورات إثارة في علم الخلايا الجذعية الحديث، بعد عقود من أبحاث الخلايا الجذعية الجنينية، هو إثبات وجود خلايا متمايزة تماماً تحفيز للرجوع إلى حالتها ما قبل التمايز، ومن ثم التمايز من جديد لخلايا أخرى، ويُطلق على هذه الخلايا اسم الخلايا الجذعية متعددة القدرات iPSC، وكانت موضوع جائزة نوبل لعلم وظائف الأعضاء أو الطب لعام 2012 الممنوحة لشينيا ياماناكا Shinya Yamanaka وجون جوردون John Gurdon اللذان أوضحا قدرة هذه الخلايا.

-ماذا يعرف العالم عن خلايا الأسنان الجذعية؟!

يؤدي البحث الواسع باستخدام مصطلحات “الأسنان” و”الخلايا الجذعية” إلى عرض النتائج التي تهيمن عليها الشركات وعيادات طب الأسنان التي تعرض جمع الأسنان المقلوعة والحفاظ على الخلايا الجذعية للب الأسنان بداخلها.

تُوضح هذه الشركات أيضاً هدفها من جمع الأسنان كعلاج لعدة أمراضٍ باستخدام الخلايا الجذعية السنيّة مثل مرض السكري والنوبات القلبية والسرطان والتوحد وإدمان المخدرات والشيخوخة، ومع ذلك ما يزال هذا المجال العلمي مقتصراً على بعض التجارب السريرية ومازال بحاجة لدراسات أكثر.

-مراحل تخزين الخلايا الجذعية في بنوك الأسنان:

1- التجميع:
العديد من بروتوكولات التجميع لبنوك الخلايا الجذعية للأسنان متشابهة، ولكن هناك بعض الاختلافات الملحوظة والمهمّة في كل من متطلبات العينة ومعالجة العينات، وغالباً ما تُحفظ الأسنان المتساقطة أو المقلوعة ضمن وعاء من حليب البقر المبستر.

2- النقل: يفي حليب الأبقار بعدد من المعايير العملية غير الموجودة لدى سوائل أخرى، وهو متوافق بيولوجياً وله درجة حموضة متعادلة ولكن الأهم من ذلك أن الأنسجة السنيَّة تعيش فيه بشكلٍ واضحٍ لمدةٍ أطول، ويمكن إعادة زرع الأسنان بنجاح إذا تم استخدام الحليب كحافظ.

3- عزل الخلايا الجذعية وتحضيرها:
يُعدُّ الحصول على خلايا قابلة للحياة بنجاح هو الخطوة الحاسمة في هذه العملية، على الرغم من أن معظم بنوك الأسنان لا تُفصح عن تقنيات
العزل التي تعتمدها.
تُستخرج الخلايا الجذعية عموماً من اللب السني عن طريق التحضير الميكانيكي والإنزيمي لمجموعات الخلايا المُفردة، أو بدلاً من ذلك عن طريق تنمية الأنسجة، حيث يُسمح للخلايا بالانتقال بشكل طبيعي من اللب المستخرج، إلى أطباق الزراعة المخبرية.

4- وأخيراً الحفظ بالتبريد:
بمجرد عزل الخلايا القابلة للحياة أو أنسجة اللب، يجب تجميدها وتخزينها بنجاح، حيث تُخزَّن الخلايا في وسط يحتوي على عوامل نمو وبروتين مُبرَّد، وعادة ما يكون ثنائي ميثيل سلفوكسيد (DMSO) الذي يثبّط نمو بلورات الجليد، التي قد تعطل غشاء الخلية، وتوضع العينات في حاويات تخزين منخفضة الحرارة، مليئة بالنيتروجين السائل.

هل غيَّرت رأيك الآن حول رمي الأسنان اللبنية أو المقلوعة؟

nasainarabic.net