حقوق الصورة :SAJJAD HUSSAIN/AFP/GETTY IMAGES


يتحدث الجميع اليوم عن كورونا. تجمدت حركة كل المجتمعات حول العالم، وسيطر القلق من فيروس كورونا على كل قلق آخر. لكن يمكن للبلدان الاستفادة من هذه الكارثة لتعلم كيفية التعامل مع كارثة أخرى بطيئة لكنها ليست برحيمة البتة، وهي التغير المناخي.

طلبنا من ثلاثة خبراء من معهد الأرض Earth Institute الإدلاء بآرائهم وتحليلاتهم. مايكل جيرارد Michael Gerrard، أستاذ القانون ومدير مركز سباين لقانون التغير المناخي، وجيفري شامان Jeffrey Shaman الذي يدرس التغير المناخي والصحة في مركز جامعة كولومبيا الدولي للمناخ والمجتمع International Research Institute for Climate and Society، وسكوت باريت  Scott Barrett، نائب عميد كلية الشؤون العامة والدولية في جامعة كولومبيا وأستاذ اقتصاديات الموارد الطبيعية في معهد  Lenfest-Earth.

بماذا تختلف آثار كوفيد-19 عن آثار التغير المناخي؟


يمكن لفيروس كورونا والتغير المناخي إحداث نتائج كارثية على البشر، لكنهما لا يتبعان نفس الجدول الزمني. قلب كوفيد-19 كل العالم خلال أسابيع قليلة. يقول مايكل جيرارد: “التغير المناخي أبطئ بكثير، لكن نتائجه النهائية لن تكون أقل كارثية.”

يعبر جيفري شامان عن قلقه قائلاً: “للتغير المناخي والفيروس الكثير من العواقب. تغير النظام المناخي ليس العقبة الوحيدة للتغير المناخي، حيث يؤثر التغير المناخي على صحة الإنسان، والأمن الغذائي، والأمن الزراعي، والاستقرار السياسي والاقتصادي، والحكم. إن للتغير المناخي أثراً على كل مكونات المجتمع، لكن بطيئ لدرجة تُصعب قياس آثاره أحياناً. فيروس كورونا أكثر سرعة، لكنه يفعل نفس الشيء، فقد عطل المجتمعات البشرية بطريقة لم نرها منذ الحرب العالمية الثانية.”

يقول شامان، تأخر البشر في اتخاذ الاجراءات اللازمة فيما يتعلق بكوفيد-19 والتغير المناخي، وهذه مخاطرة. “سيتفاقم التغير المناخي لأننا لن ندركه حتى يصبح الوقت متأخراً. هل سنتمكن من نثقيف الناس بحجم المشكلة قبل أن يصبح لها نتائج مدمرة ربما غير قابلة للعكس؟ إنه نفس الشيء الذي يحصل مع كوفيد-19. من ستثبت إصابته بالمرض بعد 7 إلى 10 أيام سيصابون اليوم أو قبل ذلك بيوم أو يومين. إنهم مصابون الآن لكنهم لا يعلمون بعد. إن التأخير هو من يصنع المشكلة التي لدينا، لأن عدد الإصابات يتزايد أسياً.

يضيف شامان :”الحال نفسه مع التغير المناخي، كلما تاخرنا باتخاذ الإجراءات اللازمة، ستزداد المشكلة تعقيداً لاحقاً.”
 

الاستجابة لكوفيد-19 والتغير المناخي


يدرك الأفراد أهمية معالجة كل من كوفيد-19 والتغير المناخي، لكن يختلف تعامل الناس معهما. يقول سكوت باريت: “يمكنك كسر سلسلة العدوى إن حافظت على المسافة بينك وبين الناس، وهكذا تحمي الآخرين. لكنك أيضاً تحمي نفسك من العدوى، وهذا دافع قوي لحثك. إن قللت انبعاث غازات الاحتباس الحراري، فأنت تساعد بالحد من التغير المناخي، لكنك لن تستفيد من ذلك شخصياً، وهذا دافع ضعيف.” هذا هو سبب تعامل الناس السريع مع كوفيد-19 ليضعوا حداً له، وعدم تعاملهم بنفس السرعة لتجنب التغير المناخي.

استجابت المجتمعات والحكومات حول العالم بأشكال مختلفة لكوفيد-19. بعضهم أنكر وجوده، وبعضهم أتخذ خطوات استباقية للحد منه، والبعض كان وسطاً بين الحالتين. يقول شامان: “سنحظى بكل التجارب الطبيعية التي تثبت من نجح ومن لم ينجح ثم سنتمكن من التقييم. سنعرف أي استراتيجية هي الأفضل من الأخرى في نهاية الكارثة.”

يتساءل باريت، كما آخرون، عن كلفة إغلاق المدن والولايات. يقول أن فعل لا شيء سيكون كارثياً، إذ ستؤدي الزيادة الأسية لعدد الإصابات إلى انهيار القطاع الصحي. ستنفذ المستلزمات الطبية، ولن يكفي عدد الأطباء والممرضون، وستنهار جودة العناية الصحية. يشارك شامان كمية القلق نفسها، لكن قد يكون لفرض أجراءات صارمة مثلما فعلت الصين، وتفكر فيها الولايات المتحدة، آثار كارثية على الاقتصاد.

يقول شامان: “ستكون التكلفة النفسية والشعورية والاقتصادية على الأفراد كبيرة.  إن لم تُدر الأزمة بالشكل الصحيح، قد نعاني من سنين من البطالة. ستنهار الأعمال الصغيرة، ولا يملك العديد من الناس نفقات كافية ليعيشوا لثلاث أشهر. كيف سنشفى من هذا؟هل سنعيش عقداً من الكساد؟هل سنحرم جيلاً كاملاً في العشرينات من عمره من فرصه؟ هذه التكلفة التي نفكر بها، وقد تكون هذه التكلفة أكبر شيء ستحدثه هذه الكارثة. لا نعلم.”

بينما يمكن أن يكون التغير المناخي كارثي بقدر كورونا، يقول شامان أن الأمر يعتمد على سرعة حدوث الأمور وكيفية تكيفنا معها اجتماعياً وتكنولوجياً.

قد يكون الابتكار ضرورياً للتعامل مع كوفيد-19 والتغير المناخي. الحل النهائي لكورونا هو اللقاح. يقول باريت: “سيكون الطلب على اللقاح مرتفعاً جداً بعد إنتاجه. الخوف من العدوى محفز قوي للناس. سيكون المجتمع محمياً بعد خضوع العديد من الناس للقاح، والفضل سيكون لمناعة القطيع. هذا الأمر يحث الدول على توزيع اللقاحات بشدة.

 

يلزمنا الابتكار لمعالجة التغير المناخي أيضاً، لكن الطلب على التقنيات المبتكرة سيكون محدوداً نظراً لسعر الوقود الأحفوري المنخفض نسبياً. يقول باريت: “لا تستفيد الدولة كثيراً من تقليل نسبة الانبعاثات مقارنةً من الفائدة العالمية، لأن عتبة الكارثة العالمية الناجمة عن التغير المناخي غير مؤكدة، تعتقد كل دولة أن انبعاثاتها ليست مهمة. سيكون فشل الحكومات في الحد من الانبعاثات سبب حصول كارثة تغير مناخي.”

تأثيرات كوفيد-19 على المناخ


أثبت بحث قام به علماء من مرصد لامونت دوهرتي الأرضي Lamont-Doherty Earth Observatory في جامعة كولومبيا أن إغلاق المدن بسبب كورونا جعل انبعاثات الكربون والتلوث الهوائي تهبط بسرعة في نيويورك. وتم رصد نفس الأمر في مدن أخرى أيضاً. لكن يُعتقد أن هذه التأثيرات لن تدوم طويلاً.

من ناحية أخرى، جيرارد قلق بأن فيروس كورونا سيبدد كل الانتباه والزخم المتراكم من عدة سنوات للقيام برد فعل عالمي ضد التغير المناخي. إن الآثار الاقتصادية للفيروس والانخفاض الحاد لسعر النفط سيؤدي لتبطيئ جهود الحد من التغير المناخي.

يقول جيرارد: “تتفاعل أزمة سعر النفط مع أزمة الفيروس بطرق معقدة ويمكن أيضاً أن تؤثر على التغير المناخي بكلا الاتجاهين. لن يكون من السهل للمصادر المتجددة أن تنافس النفط إذا انخفض سعره – على الرغم من عدم وجود منافسةٍ مباشرة لأن النفط يُستخدم في الغالب للنقل، بينما تُستخدم معظم مصادر الطاقة المتجددة في توليد الكهرباء. قد تشجع أسعار النفط الرخيصة الناس على شراء سيارات أكبر، ولكنها قد تدفع أيضاً الكثير من منتجي النفط والغاز الأصغر إنتاجاً إلى الإفلاس.”

دروس من أزمة كوفيد-19 لتساعدنا في التعامل مع آثار التغير المناخي


يساهم السفر الجوي بحصة كبيرة ومتنامية من انبعاثات الغازات الدفيئة، ويصعب الحد منه. بالإضافة لذلك، تُعد وسائل النقل أكبر مصدرٍ للغازات الدفيئة في الولايات المتحدة. يرى جيرارد نتيجة إيجابية للحجر الصحي والعمل وممارسة حياتنا الاجتماعية عن بعد، إذ يقول: “نحن نتعلم كم هو التفاعل وجهاً لوجه ليس أساسياً، كلنا نكافح لنتواصل أفتراضياً، وسنتعلم الكثير حول السياقات التي يمكننا تجنب السفر فيها دون إحداث خسارة كبيرة في التواصل وجها لوجه. يمكن أن يساعدنا هذا في التعامل مع التغير المناخي، لأننا سنرى أي جزء من تفاعلنا يمكن تقليله عبر وسائل التواصل الالكترونية.”

أكد جيرارد وشامان على درس آخر يمكننا تعلمه من هذه الأزمة: يجب على المجتمعات حول العالم أن تتعلم بأن تقدر العلم وإنذارات العلماء عندما يقترحون سيناريوهات كارثية محتلمة الحدوث. على الحكومات والشعوب احترام الحقائق الموضوعية وألا ينكروا الأشياء لأنهم ببساطة لا يريدون مواجهتها. يضيف شامان: “علينا تقدير الأفعال الاستباقية والتخطيط. علينا الاستثمار في الحد من التغير المناخي الآن، وعلينا الاستثمار لمقاومة جوائح المستقبل الآن … بعد إنتهاء الأزمة الحالية.”

يؤكد باريت على أهمية التعاون العالمي للتعامل مع الجوائح المشابهة لكوفيد-19 والتغير المناخي. إذ يقول: “حقق العالم إنجازات عظيمة في الماضي نتيجة تعاوننا – كالتعاون الذي أدى للقضاء على مرض الجدري. نجح هذا المجهود لأن كل بلد كان متأكداً أنّ البلد الآخر سيقوم بدوره، وكان ذلك محفزاً قوياً للجميع ليقوموا بأدوارهم.”


nasainarabic.net