• جيمس غالغر
  • مراسل الشؤون العلمية والطبية بي بي سي

قبل 11 دقيقة

جيمس غالغر

صدر الصورة، JAMES GALLAGHER

لدى ذكر البرد القاتل أفكر مباشرة في مستكشفي القطبيين والجليد المتناثر على لحاهم، ومتسلقي الجبال الذين يتعاملون مع ارتفاعات إيفرست، والأصابع التي تتحول إلى اللون الأسود مع لدغة الصقيع والقشعريرة الناجمة عن انخفاض درجة الحرارة.

لذلك كنت مترددا عندما طُلب مني المشاركة في تجربة تتطلب المكوث في غرفة تبلغ حرارتها 10 درجات مئوية، نعم 10 درجات مئوية فقط!

وبالنسبة لي هذه درجة حرارة معتدلة، فالوضع ليس قريبا من التجمد، وبالطبع لن نشهد الشفق القطبي. وبالتأكيد يجب أن نبرد أكثر قبل أن نشعر بالضغط على أجسادنا.

لقد كنت مخطئا.

قال لي البروفيسور داميان بيلي من جامعة ساوث ويلز: “يبدو الأمر معتدلا، لكنه تحد فسيولوجي حقيقي”.

لقد دعاني إلى مختبره لاستكشاف تأثير البيوت الباردة على أجسادنا، ولماذا يمكن أن تصبح درجات الحرارة التي قد تبدو معتدلة مميتة.

وقال البروفيسور بيلي: “10 درجات هي متوسط درجة الحرارة التي سيعيش فيها الناس، إذا لم يتمكنوا من تحمل تكاليف تدفئة منازلهم”.

وقد كنت على وشك أن أكتشف أن 10 درجات مئوية لها تأثير عميق على القلب والرئتين والدماغ.

قادني البروفيسور بيلي إلى الغرفة البيئية في زاوية المختبر، وكلها جدران معدنية لامعة وأبواب سميكة وثقيلة. في تلك الغرفة محكمة الإغلاق، يمكن للعلماء ضبط درجات الحرارة والرطوبة ومستويات الأكسجين بدقة.

ضربتني لفحة هواء دافئ عند درجة حرارة 21 مئوية. كانت الخطة هي البدء عند 21 درجة مئوية، وخفض درجة الحرارة إلى 10 درجة مئوية، ورصد كيفية استجابة جسدي للبرد.

أولا، أنا موصول بعدد لا يحصى من الأجهزة الحديثة لإجراء أعمق تحليل واجهه جسدي على الإطلاق.

صدري وذراعاي وساقاي كلها مُتصلة بأجهزة مراقبة لتتبع درجة حرارة جسدي ومعدل ضربات القلب وضغط الدم.

وقال البروفيسور بيلي، فيما يتم إيصال جهاز استشعار آخر وكابل متحرك بجسدي:”سوف تبدو وكأنك قد خرجت للتو من فيلم حرب النجوم”.

تم تركيب سماعة رأس لمراقبة تدفق الدم في دماغي. ومثل حبات العرق الأولى على جبهتي تماما؛ تقوم الموجات فوق الصوتية بفحص الشرايين السباتية في رقبتي (سماع دفقات الدم المنتظمة الإيقاع التي تذهب إلى دماغي مطمئنة بشكل غريب) وأتنفس في أنبوب ضخم يحلل الهواء الذي أزفره.

لم يكن الزي اختيارا حيث احتاج العلماء إلى الوصول المباشر إلى الجلد لإجراء التجربة

صدر الصورة، JAMES GALLAGHER

التعليق على الصورة،

لم يكن الزي اختيارا إذ احتاج العلماء إلى الوصول المباشر إلى الجلد لإجراء التجربة

تمت القياسات، وعرف العلماء كيف يعمل جسدي في درجة حرارة 21 درجة مئوية اللطيفة.

لذلك تبدأ المراوح في العمل، ويؤدي النسيم البارد إلى خفض درجة الحرارة في الغرفة تدريجيا.

وقال لي البروفيسور بيلي: “دماغك حاليا يستكشف وضع دمك بينما نتبادل أطراف الحديث، وهو يختبر كذلك درجة الحرارة، والدماغ يرسل الآن إشارات إلى باقي جسدك”.

الهدف هو الحفاظ على درجة حرارة أعضائي الرئيسية الحيوية، بما في ذلك قلبي وكبدي، عند 37 درجة مئوية.

كنت لا أزال غير مدرك للتغيرات العميقة التي تحدث داخل جسدي، ولكن كانت هناك بالفعل أدلة من الخارج.

بحلول الوقت الذي انخفضت فيه درجة حرارة الغرفة إلى 18 درجة مئوية، لم أعد أتصبب عرقا، وبدأ الشعر يتنتصب على ذراعي للمساعدة في تشكيل عازل لجسدي.

ويصرخ البروفيسور بيلي، ليُسمع صوته فوق أزيز المراوح المُسيرة:”يخبرنا العلم أن 18 درجة مئوية هي نقطة التحول حيث يعمل الجسم الآن للحفاظ على درجة الحرارة الأساسية”.

بعد ذلك تتحول أصابعي إلى اللون الأبيض وتشعر بالبرد حيث تتقبض الأوعية الدموية في يدي – وهي العملية المعروفة باسم ضيق الأوعية الدموية – من أجل الحفاظ على دمي الدافئ لتشغيل أعضائي الأساسية الحيوية.

وسيحدث ذلك بسرعة أكبر إذا كنت من جنس مختلف.

وتقول الدكتورة كلير إغلين من جامعة بورتسموث: “تميل النساء إلى الشعور بالبرد أكثر، فبسبب الهرمونات (الإستروجين) من المرجح أن تنقبض الأوعية الدموية في أيديهن وأقدامهن، وهذا يجعلهن يشعرن بالبرد”.

بدأت رجفتي الأولى عند 11.5 درجة مئوية حيث بدأت عضلاتي في الاهتزاز لتوليد الحرارة.

وعند درجة حرارة 10 مئوية تم إيقاف تشغيل المراوح. أشعر بعدم الارتياح، لكنني لم أتجمد لأننا كررنا جميع القياسات الجسدية مرة أخرى عند درجة حرارة منخفضة، وسرعان ما أصبح من الواضح أنني كنت مخطئا في الشك في أن 10 درجات مئوية ستؤثر علي.

يقول البروفيسور بيلي: “الجسم يعمل بجد عند 10 درجات”.

وما يصدمني هو التغير في تدفق الدم إلى الدماغ، وكم من الوقت يلزمني لإكمال لعبة فرز الأشكال. لا أريد أن أحاول أداء واجباتي المدرسية في غرفة باردة أو أن أصاب بشيء مثل الخرف.

يقول البروفيسور داميان بيلي: "تشير الأدلة بوضوح إلى أن البرودة أكثر فتكا من الحرارة"

صدر الصورة، JAMES GALLAGHER

التعليق على الصورة،

يقول البروفيسور داميان بيلي: “تشير الأدلة بوضوح إلى أن البرودة أكثر فتكا من الحرارة”

ويقول البروفيسور بيلي: “أنت تقلل من وصول الدم إلى الدماغ، لذلك هناك كمية أقل من الأكسجين ونسبة أقل من الغلوكوز [السكر] في الدماغ والجانب السلبي لذلك هو أن له تأثيرا سيئا على العمليات العقلية”.

لكن جسدي يحقق هدفه الرئيسي المتمثل في الحفاظ على استقرار درجة حرارة الأعضاء الأساسية – لقد كان علي القيام بالمزيد من العمل حيث تم ضخ الدم الدافئ حول جسدي بشكل أكثر كثافة، مع تسارع نبضات قلبي، وارتفاع ضغط الدم أيضا.

وقال لي البروفيسور بيلي:”إن ارتفاع ضغط الدم عامل خطر قد يؤدي للإصابة بسكتة دماغية، وكذلك للإصابة أيضا بنوبة قلبية”.

ويقول البروفيسور بايلي إن الدم نفسه يتغير أيضا “بحيث يصبح كثيف القوام”، ويضيف قائلا إن هذا الدم الأكثر سماكة يزيد من خطر حدوث انسداد خطير.

لهذا السبب تكون النوبات القلبية والسكتات الدماغية أكثر شيوعا في فصل الشتاء.

وقال لي البروفيسور بيلي: “لحسن الحظ، بدأت التغييرات بـ “الأوعية الدموية الرائعة”، لكن هذه التغييرات الداخلية تشكل خطرا على كبار السن وأولئك الذين يعانون بالفعل من ضعف صحة القلب.

وأضاف البروفيسور بيلي قائلا: “تشير الدلائل بوضوح إلى أن البرودة أكثر فتكا من الحرارة، وهناك عدد من الوفيات الناجمة عن موجات البرد أكبر مما يحدث من خلال موجات الحرارة”.

ومضى يقول:”لذلك أعتقد حقا أنه يجب دفع المزيد من الإعانات المالية لدرء الأخطار المرتبطة بالبرد”.

البرد يفضل الفيروسات أيضا

يساعد البرد أيضا في انتشار عدوى العديد من الأمراض التي تزدهر في أشهر الشتاء مثل الأنفلونزا. كما أن الالتهاب الرئوي، التهاب في الرئتين بسبب العدوى، يكون أكثر شيوعا بعد الطقس البارد.

فمن الأسهل انتشار الفيروسات لأننا على الأرجح نلتقي في الداخل مع إغلاق النوافذ وعدم وجود هواء نقي لطرد الفيروسات.

في الشتاء يلتئم الناس في بيوتهم أكثر من باقي فصول السنة

صدر الصورة، Getty Images

التعليق على الصورة،

في الشتاء يبقى الناس في بيوتهم أكثر من باقي فصول السنة

كما أن البرد يجعل من السهل على الفيروسات البقاء على قيد الحياة خارج الجسم، ويحتوي الهواء البارد على نسبة أقل من الرطوبة التي تكون بمثابة الفخ للفيروسات.

وتقول البروفيسورة أكيكو إيواساكي، عالمة المناعة من جامعة ييل، إن الهواء الجاف يسمح للفيروسات بالسفر لمسافات أبعد، كما أجرت تجارب تظهر أن تنفس الهواء البارد يؤثر على كيفية عمل جهاز المناعة في الأنف.

وقالت لي البروفيسور إيواساكي: “في درجات الحرارة المنخفضة هذه، تصبح استجابتك المناعية أقل نشاطا وذلك يمكن أن يسمح للفيروس بالنمو بشكل أفضل داخل أنفك”.

ما الذي يمكنك فعله حيال ذلك؟

في عالم مثالي، نقوم جميعا بتدفئة الغرفة التي نكون بها إلى 18 درجة مئوية على الأقل. عندما لا يكون ذلك ممكنا، يقول البروفيسور بيلي: “يصبح الأمر مثل التحضير لرحلة استكشافية لتسلق الجبال”.

نصائحه هي:

  • التركيز على الملابس التي توفر عزلا جيدا مثل تلك المصنوعة من الصوف
  • ارتداء القفازات والجوارب الدافئة أهم من القبعة (لكن القبعة الصوفية تساعد أيضا)
  • تبديل الأطعمة إلى نظام غذائي عالي الكربوهيدرات
  • توليد المزيد من حرارة الجسم من خلال الحركة وليس مجرد الجلوس على كرسي ومشاهدة التلفزيون.

بي بي سي العربية