تبدو الشمس خلال الاعتدال وكأنها تسطع مباشرة فوق خط الاستواء.حقوق الصورة: NOAA; NOAA Environmental Visualization Laboratory
يتساوى طول النهار والليل تقريبًا مرتين في السنة في نصفي الكرة الأرضية الشمالي والجنوبي. تُعرف هذه الظاهرة بالاعتدال equinox،
وهي كلمة مشتقة من كلمتين من اللغة اللاتينية “aequus“وتعني مساوٍ، و”nox” وتعني ليل.
ما الذي يُسبّب الاعتدال؟
تدور الأرض حول الشمس بانحراف مقداره 23,5 درجة تقريبًا. يعني هذا أن مناطق مختلفة من كوكبنا تتلقّى كميات أكبر أو أقل من إشعاع الشمس في أوقات مختلفة من السنة، على حسب موقع كوكبنا في مداره.
تُشرق الشمس من الشرق وتغيب في الغرب بالنسبة لكافة البلدان في مختلف أنحاء الكوكب. لكن، يبدو أن الشمس تتحرك شمالًا في أحد نصفي السنة وجنوبا في نصفها الثاني، ويعتمد ذلك على مكان تواجدك. في حوالي شهر يوليو/تموز، يشهد نصف الكرة الأرضية الشمالي نهارات أطول،
بينما يشهد نصف الكرة الجنوبي نهارات أقصر، ويكون العكس صحيحًا، فحوالي شهر ديسمبر/كانون الأول، يشهد نصف الكرة الأرضية الجنوبي نهارات أطول وتكون أقصر في نصف الكرة الشمالي.
لكن يتوازى انحراف كوكبنا مع مداره حول الشمس، مرتين سنويًا، خلال شهري آذار/مارس، وأيلول/سبتمبر، ولا تُظهِر الأرض ميلانًا مثل الشمس، على حسب الجمعية الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي.
في هذا الوقت من السنة، تتموضع الشمس مباشرة فوق خطّ الاستواء ويحصل نصفي الكرة الأرضية على ساعات النهار والليل نفسها. في هذه الفترات، يقسم الخط الذي يفصل بين الليل والنهار والذي يُعرف بـ”الفاصل” terminator، أو ”الخط الرمادي ”grey line” أو ”منطقة الشفق” “twilight zone“، الأرض إلى شطرين ليمر عبر القطبين الشمالي والجنوبي.
لكن لا يزالُ الليل والنهار غير متساويين تمامًا خلال الاعتدالين، على حسب EarthSky، على الرغم من تساويهما التقريبي.
تتلقى الأرض خلال فترة الاعتدال بضعة دقائق إضافية من الضوء على حساب العتمة. يحصل ذلك لأن شروق الشمس يحدث عندما تتقدم حافة الشمس تدريجيًا فوق الأفق، ويُعرف غروب الشمس بأنه الفترة الزمنية التي تختفي فيها حافة الشمس الأخرى أسفل خط السّماء. ولأن الشمس هي مصدر قرصي للضوء وليس نقطيًا،
فإن الأرض تشهد فقط بضعة دقائق إضافية من الضوء خلال الاعتدال. كذلك، يكسر الغلاف الجوي أشعة الشمس التي تواصل انتقالها عبر الجانب المظلم من كوكب الأرض لفترة وجيزة، حتى بعد أن تختفي الشمس بشكل كلي تحت الأفق.
أفادت خدمة الطقس الوطنية في الولايات المتحدة بما يلي: ”خلال الاعتدال وخلال عدة أيام قبل وبعد الاعتدال، يتراوح طول النهار من 12 ساعة و6 دقائق ونصف عند خط الاستواء إلى 12 ساعة و8 دقائق عند خط عرض يساوي 30 درجة، و12 ساعة و16 دقيقة في خط عرض يبلغ 60 درجة”.
من جهة أخرى، يعتبر التساوي Equilux (تساوي الضوء)، المصطلح الذي يُستعمل للإشارة إلى تساوي الليل والنهار تساويًا تامًا. نظرًا لطريقة تعريف شروق الشمس وغروبها، فإن التوازن يحدث قبل بضعة أيام من الاعتدال الربيعي، وبعد بضعة أيام من الاعتدال الشتوي، بحسب مكتب الأرصاد الجوية للمملكة المتحدة.
متى يحدث الاعتدالان؟
لا يحدث الاعتدالان بالضرورة في نفس اليوم كل سنة، فهما يحدثان في 20 آذار/مارس و23 أيلول/سبتمبر أو قريبا من تلك الفترة.
يرجع السبب وراء هذه الأوقات المتغيرة في كون السنة الأرضية لا تساوي بالضرورة 365 يوما. يضاف ربع يوم (6 ساعات) كل سنة متسببًا في تغيير تاريخ حدوث الاعتدال.
يحدد الاعتدال البداية الفلكية للربيع أو الشتاء حسب نصف الكرة الأرضية. لكن بداية الأرصاد الجوية لهذين الفصلين تكون في الفاتح من شهري آذار/مارس وأيلول/سبتمبر.
يُبشِّر اعتدال شهر آذار/مارس في النصف الشمالي من الكرة الأرضية ببداية الربيع، ويُعرف بالاعتدال الربيعي vernal equinox ( مستخرج من كلمة ver التي تدل على الربيع في اللغة اليونانية). في نفس الوقت، يتحوّل نصف الكرة الأرضية الجنوبي نحو فصل الخريف. يكون العكس صحيحًا في شهر أيلول/سبتمبر، عندما ينحدر النصف الشمالي من الكوكب إلى أشهر الخريف الباردة ويدخل النصف الجنوبي في الربيع.
ليست الأرض فقط هي الكوكب الوحيد الذي يحدث عليه الاعتدالان. في الواقع، يمر كل كوكب داخل المجموعة الشمسية بهما عندما يتسبب مدار الكوكب وميله بالنسبة للشمس في تلقِّي نصفي الكرة تقريبًا نفس الكمية من الضوء.
من اكتشف الاعتدالين؟
تتبّعَ الناسُ حركة الشمس منذ آلاف السنين، وفي معظم الأحيان كان الاعتدالان يُسهِمان في الطقوس الدينية والثقافية.
لا تُحدّد هذه التغييرات الشمسية في العديد من الحضارات القديمة بداية الفصول فحسب وإنما كذلك أوقات زراعة المحاصيل وحصادها.
في اليابان، يمثل كلا الاعتدالين إجازات رسمية معروفة تراثيًا كأيام لإحياء وعبادة الأسلاف والأحباء الذين فارقوا الحياة، بحسب أكاديمية كوتو اليابانية.
توجد كذلك عدة معالم تاريخية تحدد الاعتدالين. على سبيل المثال، خلال حدوث الاعتدال في مجمع المعبد الهندوسي أنغكور وات Angkor Wat في كمبوديا، تُشرق الشمس مباشرة فوق معبده المركزي. يُعتبر المجمع الذي شُّيد بين 1113 و1150 ميلادي أكبر معلم ديني في العالم. في سنة 1976، نشر العلماء تقريرًا عن العلاقة الفلكية التي تربط بين عمارته والأحداث السماوية في مجلة Science.
كما يُكرس معبد المايا في تشيتشن إيتزا في المكسيك، والذي يُعرف بمعبد الكوكولكان (أو الكاستييو) Kukulcan لإله ثعبان. أثناء الاعتدال، تعمل خدعة ضوئية على إظهار مشهد وكأن ثعبانًا ينزل أسفل المعبد، منتقلًا إلى العالم السفلي. بُني المعبد بين القرنين الثامن والثاني عشر ميلادي، على حسب ما أفادت به دراسة نُشرت في مجلة Archaeological Science عام 2018.