حدد الباحث فلاكسمان Flaxman وزملاؤه خمس فئات من التداخلات غير الدوائية Non pharmaceutical– intervention (NPI)- ألا وهي التباعد الاجتماعي، والعزل الذاتي، وإغلاق المدارس، وحظر الفعاليات العامة، والإغلاق التام للمدن على انتشار الأعراض الحادة للجهاز التنفسي بسبب فيروس كورونا (SARS–CoV–2)، وطبقًا لبيانات حالات الوفيات الناجمة عن فيروس كورونا المتحصلة في الفترة ما بين كَانُون الثَّانِي/يناير وأَيَّار/مايو لسنة 2020، فقد توصلوا إلى أن الإغلاق التام للمدن فقط كان فعّالًا في 10 دول أوروبية من أصل 11 دولة أُجريت الدراسة فيها، بكل الأحوال استخدمت عمليات المحاكاة مع رمز النموذج الأصلي لتشير إلى أن استنتاجات فلاكسمان مع الأخذ بالاعتبار فعالية NPIs هي استنتاجات غير مبررة، فعلى الرغم من أن NPIs التي نُظر فيها قد ساهمت في الحد من انتشار الفيروس، يشير تحليلنا إلى أن الفعالية الفردية لهذه NPIs لا يمكنها أن تكون موثوقة كميًا.
قدم فلاكسمان طريقةً لتقدير تأثير NPIs على عدد التكاثر الأساسي المتغير بمرور الوقت (Rt) لعدوى SARS–CoV–2، فالبيانات من 11 دولة أوروبية جُمعت على أساس افتراض أن تأثير NPIs على Rt غير محدد بدولة ما، إذ إن عامل التغير النسبي في Rt ناتج من NPI معين كان من المفترض أن يكون مستقلًا في الدولة التي نفذت هذا NPI.
ومع ذلك، توفرت بعض المرونة الخاصة بكل بلد من خلال رقم الاستنساخ الأساسي (Ro) الخاص بكل بلد، وبشكل أوضح، أُدخلت مرونة إضافية من خلال إسناد تأثير خاص بالبلد إلى NPI الذي قُدِّم مؤخرًا في كل بلد، وعُيِّن في هذا الاستبدال تأثيرٌ خاص بالبلد بالنسبة إلى NPI المتعلق بالإغلاق التام للمدن.
وتوجهت انتقادات فيما يخص النتائج المعلنة للنموذج، إذ يُعتقد أن أساس الإشكال هو في أن بيانات الوفيات غير موصوف بما يكفي لدعم استنتاجات فلاكسمان التي ترتكز على نتائج محفزة وُصِل إليها عن طريق استخدام نموذج بمرونة زائدة.
كانت السويد تستحق اهتمامًا خاصًا من بين 11 دولة، نظرًا لأنها كانت الدولة الوحيدة التي لم يحدث فيها إغلاق تام، وكما أوضحنا سابقًا، فإن تأثيرات NPIs المقدرة تتغير بشكلٍ ملحوظ عندما لا يُسمح للنموذج بإعطاء البيانات السويدية المعالجة الخاصة التي يتيحها مقياس NPI الأخير الخاص بالبلد، إذ أن هناك حاجة إلى مقياس NPI الأخير الخاص بالبلد لشرح انخفاض Rt مدعومًا ببيانات الوفيات السويدية، ولتوفير نموذج مناسب على الرغم من عدم وجود إغلاق في السويد.
يوضح الشكل 1 (1a & 1b) النتيجة بالنسبة للسويد عند تنفيذ النموذج مع أو بدون آخر تعديل NPI في المكان، إذ أنه مع آخر تعديل في NPI أدى حظر الفعاليات العامة إلى خفض متوسط Rt بنسبة 71% في السويد، وهو ما يتناقض مع التأثير الضئيل للحظر الشامل في 10 دول أخرى، والجدير بالذكر أنه يمكن مقارنة الفعالية المقدرة لحظر الفعاليات العامة في السويد بفاعلية الإغلاق التام في الدول العشر التي حُظرت فيها الفعاليات العامة.
لم يتناول فلاكسمان النتيجة أعلاه من الحظر الشامل والإغلاق الفعال المتبادل في السويد و10 دول أوروبية أخرى، وهو أمر جدير بالملاحظة لأن هذه النتيجة تقوض استنتاج الإغلاق التام بشكل خاص، علاوةً على ذلك، بدون إدخال مقياس التداخل الأخير بعد نشر ما قبل الطباعة، فكان يمكن رؤية التناقض بسهولة في الشكل (1b).
يبدو أنه من غير المحتمل أن يكون نتيجة للظروف أن الإغلاق التام حصل في 10 دول، حيث كان لها تأثير كبير على Rt، وحُذف في البلد الوحيد الذي كان لحظر الفعاليات العامة فيه تأثيرٌ مماثلٌ بدلًا من ذلك (يكفي لجعل Rt أقل من 1)، أما الفرضية البديلة هي أن توزيع (العدوى إلى الوفاة) المستخدم في النموذج جنبًا إلى جنب مع بيانات الوفاة التي كانت متاحةً بحلول أوائل أَيَّار/مايو يجعل النموذج يعزو تقريبًا كل الانخفاض في Rt إلى التداخل الأخير الذي نُفّذ في كل بلد، وتُدعم هذه الفرضية من خلال تنفيذ كود النموذج مع تعريف التداخلات المختلفة على أنها حدثت أخيرًا في البلد الذي لم يحدث فيه إغلاق (السويد)، كما هو موضح في الشكل 2.
إن تبديل التداخل الأخير بواحد مختلف ليس مجرد أمر مثير للاهتمام من منظور نظري، فعلى سبيل المثال، من الصعب الحكم على ما إذا كان الانتقال إلى التدريس عبر الإنترنت في المدارس الثانوية والجامعات مع إبقاء المدارس الابتدائية ودور الحضانة مفتوحةً يشكل إغلاقًا للمدارس أو لا، وأيضًا يظل تحديد حجم الحشود المرتبط بالحظر الشامل مقياسًا يقرره مصمم النموذج، كما حددت الإصدارات المبكرة من النموذج حظر الفعاليات العامة في السويد في 12 آذار/مارس 2020، عندما حُظرت التجمعات التي تزيد عن 500 شخص، وتغير هذا لاحقًا في 29 آذَار/مارس 2020 عندما حُظرت التجمعات التي تزيد عن 50 شخصًا، وهذه التعديلات الطفيفة للتعريفات تغيّر أيًا من NPI، ما بين إغلاق المدارس وحظر الفعاليات العامة أو تشجيع التباعد الاجتماعي الذي كان آخر ما نُفّذ في السويد، وفي كل حالة يستخدم النموذج التداخل الأخير لشرح غالبية انخفاض Rt إلى أقل من 1، وهو أمر ضروري للبقاء متسقًا مع الانخفاض في الوفيات المبلغ عنها.
هدفنا هنا هو عدم الجدال فيما إذا كان إغلاق المدرسة قد حدث في السويد أم لا، أو ما هو أنسب تحديد لحجم الحشود، بدلًا من ذلك توضح نتائجنا أن النموذج الذي قدمه فلاكسمان حساسٌ للغاية للتغييرات المعقولة والطفيفة في بيانات الإدخال، كما يتضح من أمثلة المحاكاة لدينا، وبدعم إضافيٍّ من تحليلاتنا السابقة، فإن هناك مشكلة أساسية في تحديد الفعالية الفردية لـ NPIs، بما في ذلك الإغلاق، وسبب هذه المشكلة هو التباعد الزمني القريب بين تنفيذ هذه NPIs في جميع أنحاء أوروبا، وعلى وجه الخصوص فيما يتعلق بالإغلاق التام أنه لا ينبغي الخلط بين القيمة المقدرة التي تكون أكبر بكثير من الصفر مع التعرف الإحصائي للمقياس المقابل.
على الرغم من أننا نؤيد تمامًا طموح فلاكسمان -لتقدير فعالية NPIs المختلفة من البيانات المتاحة- فإننا نجد أن نهج النمذجة الأساسي يمثل مشكلة، إذ تؤدي المقاييس المرنة إلى مشكلات تتعلق بإمكانية التحديد، والتي تخفيها افتراضات النموذج، وعلى وجه الخصوص نجد أنه من المشكوك فيه تعيين مقياس فعالية خاص بالبلد إلى آخر NPI أُجريت في كل بلد، إلى جانب المشاكل الموضحة في الشكل 2، ومع وجود اختلافات كبيرة في الفعالية المقدرة لمؤشرات NPI، فإن هذا يحظر الاستخدام المحتمل للنموذج، لأنه من غير المعروف -في أي وقت ما- إذا كان آخر إجراء NPI سيكون أيضًا آخر إجراء يتم في بلد معين.
نستنتج أن النموذج مرنٌ للغاية، وبالتالي يسمح بشرح البيانات بطرق مختلفة، وقد دفع هذا المؤلفين إلى تجاوز البيانات في الإبلاغ إلى أن تداخلات معينة فعالة بشكل خاص، وهذا النوع من الخطأ -الافتراضات الخاطئة للاستنتاجات- من السهل ارتكابها، وليس من السهل تحديدها بشكل خاص في الاستدلال البايري Bayesian analysis، ونظرًا لإلغاء NPIs، ومن المحتمل أن يُعاد تقديمها على مدار فترة زمنية طويلة ستتيح المزيد من البيانات، ويمكن التوصل إلى إمكانية التعرف العملي على التأثيرات المنفصلة لمؤشرات NPI، وحتى ذلك الحين، نقترح التعامل بحذر مع النموذج، واستنتاجه بأن جميع NPIs باستثناء الإغلاق التام كانت منخفضة الفعالية، ويجب التعامل معها بحذر فيما يتعلق بالقرارات السياسية أيضًا.