أيهما يبدو منطقياً أكثر: إرسال البشر أم الروبوتات إلى المريخ؟
حقوق الصورة: (Juergen Faelchles/Shtterstock)
مع تفكير المجتمع بشأن الذهاب للقمر أو للمريخ، احتد النقاش حول ما إن كان هذا يستحق إنفاق مليارات الدولات لإرسال البشر إلى كواكب أخرى، في حين يمكن لروبوت أو متجول كوكبي “Rover” القيام بهذه المهمة العلمية.
يقول ستيف سوانسون Steve Swanson، محاضر متميز في جامعة ولاية بويز، أعتقد أن ناسا تحتاج لإرسال كلٍ من البشر والآلات. دعني أشرح السبب: لقد بدأت حياتي المهنية في ناسا والتي أستمرت لـ 28 عاماً، كمهندس طيران على متن طائرة المكوك التدريبية – التي هي مركبة جوية تحاكي مكوك الفضاء. خلال 17 عاماً من عملي كرائد فضاء، سافرت في ثلاث مهام فضائية. اثنتان منها (STS-117 وSTS-119)، كانت مهام على متن مكوك فضاء إلى محطة الفضاء الدولية.
كان الهدف الرئيسي من كلتا المهمتين هو إكمال بناء محطة الفضاء الدولية، وبالتالي لم يتسنى لنا القيام بالكثير من التجارب. ومع ذلك، كانت المهمتين مثمرتين، فقد تمكنا من تشييد مختبر علمي في الفضاء. خلال مهمتي الثالثة في البعثة 39 و40، قضيت خمسة شهور ونصف على متن محطة الفضاء الدولية.
بينما كنا هناك، أجرينا أنا وزملائي أكثر من 300 تجربة مختلفة. بعضها لم يكن بالملموس، مثل مطياف ألفا المغناطيسي “AMS-02” الذي يقوم بمسح دقيق للكون للبحث عن المادة المضادة. وفي تجارب أخرى، قمنا بتجهيزها ليتولى أمرها مركز التحكم. وفي تجارب أخرى، قمنا بإعدادها ونفذناها. وفي البعض الآخر، كنا نحن رواد الفضاء مثل خنازير غينيا!
وبالتالي، قضينا وقتنا في الخروج بأكبر قدر ممكن من العلوم خلال زيارتنا لمحطة الفضاء الدولية، وهذا بالتعاون مع العلماء على الأرض. من خلال هذا المزيج بين التجارب الإنسانية والآلية، زادت ناسا من كمية العلوم التي يتم تنفيذها على متن محطة الفضاء الدولية.
مهمة أبولو 17 مقابل مهمة كيوريوسيتي
لمحاولة المقارنة بين المخرجات العلمية بين مهمة مأهولة وأخرى روبوتية، دعوني أقارن بين رحلة أبولو 17 -رحلة القمر الأخيرة في ديسمبر/كانون الأول 1972، والتي قضى فيها يوجين سيرنان وهاريسون شميت 75 ساعة على سطح القمر- مع مركبة المريخ المتجولة “كيوريوسيتي” – بالاعتماد على ثلاث عوامل: المسافة المقطوعة، التكلفة وعينات التربة المجموعة. في حين أن كلا المهمتان مختلفتان بوضوح، فالأولى قمرية والأخيرة مريخية، يوجد أوجه تشابه تساعدنا على مقارنة نتائجهما.
يربح البشر المقارنة في حال تعلق الأمر بالمسافة الإجمالية. حيث قطع رواد فضاء رحلة أبولو 17 مسافة 35 كيلو متراً على القمر في غضون ثلاثة أيام، بمعدل 11.6 كيلومتراً في اليوم. اعتباراً من فبراير/شباط 2019، سافرت كيوريوسيتي 20.16 كيلومتراً على المربخ، بمتوسط 9 أمتار في اليوم منذ بدء رحلتها على المريخ في أغسطس/آب 2012.
أنا لا أنتقد كيوريوسيتي أو فريقها، لكن تنفيذ مهمة بالإستعانة بمركبة روبوتية على بعد 55 إلى 400 مليون كيلومتراً هو أمر صعب للغاية، ويعتمد على المواقع النسبية للأرض والمريخ في مداريهما. إن أصدر فريق كيوريوسيتي التابع للأرض أوامر خاطئة للمركبة، يمكن لهذا أن يُعرض المهمة للخطر أو حتى ينهيها. وبالتالي، يجب عليهم أن يتحركوا ببطء ويتحققوا من كل خطوة. وهذا يعني أن الإنسان يستطيع أن ينجز مهمة معية -كأخذ عدة عينات من الصخور- في بضع ساعات فقط، مقابل أسابيع بالنسبة للمركبات الروبوتية.
جمع رواد الفضاء خلال رحلة أبولو 17 م مجموعه 741 عينة من الصخور والتراب، التي تشمل عينة حفر بعمق ثلاثة أمتار. هذا يعني أنهم جمعوا 247 عينة كل يوم. لقد وجدت صعوبة في إيجاد معلومات مشابهة لكيوريوسيتي. ما أكتشتفته هو أنه اعتباراً من 15 يناير/كانون الثاني 2019، قامت المركبة بحفر 19 موقعاً وأخذت عينتين دون حفر. وبهذا في قد أخذت على الأكثر 30 عينة من التربة أثناء وجودها على المريخ. أي بمتوسط 0.013 عينة في اليوم. وهذا يدل على مدى صعوبة التحكم بمركبة روبوتية من على هذا البعد. فعند حدوث عطل في إحدى المعدات مثل المثقاب، فلا يوجد أحد لإصلاحه. وبهذا يجب على الفريق أن يجد حلولاً للمشكلات ليواصلوا أبحاثهم.
تكلفة مهمة أبولو مقابل مهمة كيوريوسيتي
وفقا لقيمة العملة في 2015، بلغت تكلفة كل مهمة من مهام أبولو السبعة 20 مليار دولار أمريكي. وبلغت تكلفة كيوريوسيتي حوالي 2.5 مليار دولار أمريكي في عام 2015.
نعم، أنا أقارن مهمة قمرية بأخرى على المريخ، وهذا ليس عادلاً تماماً. لهذا، دعونا نضع تقديراً لتكلفة إرسال مهمة بشرية إلى المريخ. يتراوح الرقم بين 100 و500 مليار دولار لكل مهمة. أظن أن الرقم سيكون أقرب إلى 500 مليار دولار أو أكثر، بالنظر إلى أن تكلفة محطة الفضاء الدولية وحدها بلغت حوالي 150 مليار دولار.
إذا افترضنا 500 مليار دولار لكل مهمة -وهو رقم نأمل أن ينخفض مع المهام المتعددة – إذاً فرحلة فضاء بشرية ستُسفر عن عائد إستثماري أفضل. وفقاً للرقم التقريبي في الأعلى، يمكن أن نقول أن طاقم مكون من أربع أشخاص، سيكون ذو إنتاجية أكثر في القيام بالمهام العلمية بنحو 500 مرة على الأقل من المركبات الروبوتية، في حين أن التكلفة ستكون أكثر بمئتي مرة.
يحتاج استكشاف الفضاء لكليهما
أعترف الآن أن هناك هامش خطأ كبير في هذه الاستنتاجات السريعة. ومع ذلك، أحاول أن أؤكد الفوائد الناتجة عن مشاركة الإنسان. وبالتالي، فأعتقد أن الحل الأكثر فعالية من حيث التكلفة هو الإستعانة بالإنسان والمركبات الروبوتية معاً. فعن طريق هذه الطريقة، عززنا نتاج الأبحاث على متن محطة الفضاء الدولية.
بالنسبة للمريخ، فيمكن أن يكون لدينا فرق تحكم حول العالم، لإدارة التجارب باستخدام المركبات كما يفعلون الآن. لكن رواد الفضاء يمكنهم القيام بالمهام بسرعة أكبر بكثير. فدائماً سيكون هنا إنسان للمساعدة في حال تعثرت المركبة أو تعطلت.
نعم، إرسال البشر إلى الفضاء أغلى من تكلفة إرسال مركبات ومسابير فضائية، ولكننا لا نستطيع تجاهل قدرة البشر على التأقلم السريع مع الأوضاع الغير متوقعة وإصلاح وتعديل المعدات، مما يُعزز في النهاية احتمالية النجاح.
وجهة نظر بشرية
هناك أيضاً الكثير مما يمكن أن نتعلمه عن عالم جديد لا يمكن لأدوات الأستشعار أن تخبرنا به. مثل: كيف هو الشعور؟ كيف يبدو؟ ما هي رائحته؟ هكذا ينظر معظم الناس لاستكشاف الفضاء. لذا فوجود هذا المنظور الإنساني أمر هام للغاية لإثارة الحماس.
فعلى سبيل مثال، من أوائل الأسئلة التي أتلقاها من الناس عندما نتحدث عن الفضاء يكون ببساطة: “كيف كان الشعور؟” وأرادوا معرفة كل التفاصيل، بدايةً من كيفية تنظيف أسنانك وحتى القيام بالسير في الفضاء. أود دائماً أن أضيف أننا لم نعرف أبداً كيف كان يومنا، لأن معظم مهامنا، سواء مهام علمية أو مهام صيانة، كانت تواجه مشكلات تحتاج إلى إصلاح بشري.
أنا أوافق على أن المركبات الموجودة على المريخ قد حققت العجائب وساعدت في إثارة حماس الناس نحو استكشاف الكواكب، لكنني متأكد من أن الحماس الناتج عن ذهاب البشر إلى المريخ سيكون أعظم بكثير.