على الرغم من تطوّر إمكانيات أنظمة الذكاء الاصطناعي في جميع المجالات بدءًا من التعرّف على الكلام إلى السيارات ذاتية القيادة، إلا أنها تستهلكُ الكثيرَ من الطاقة مما يتسبب في توليد كميات كبيرة من انبعاثات الكربون المُحدِثة للتغير المناخي.

أثبتت نتائج دراسة أُجريت قبل عامين أن تدريب نظام معالجة لغة الذكاء الاصطناعي أنتجَ ما يقاربُ 1400 رطل من الانبعاثات تعادل هذه الكمية انبعاثات ناتجة عن رحلة طيران ذهابًا وإيابًا بين نيويورك وسان فرانسيسكو. استنادًا على مصدر الطاقة، ستولد المجموعة الكاملة لتجارب بناء وتدريب نظام لغة الذكاء الاصطناعي من الصفر ما يزيد عن 78 ألف رطل، أي ضعف معدل زفير الفرد الأميركي طوال حياته!

ولكن ثمة طرقًا لجعل التعلّم الآلي ملائمًا أكثر للبيئة، أبرزها تقنية تعرف بــ “الذكاء الاصطناعي المُستدام”، حيث تستهلك خوارزمياتها طاقة أقل من غيرها، فمثلًا يمكن أن تسمحَ بنقلِ العديد من جلسات التدريب إلى مواقع بعيدة حيث تستمد طاقتها من المصادر المتجددة في تلك المواقع.

وتكون بمثابة محور لمطوري الذكاء الاصطناعي والشركات لقياس مدى تقدم تجاربهم في مجال التعلم الآلي وإمكانية تقليص كميات تلك الانبعاثات.

توصّل مؤخرًا فريق ضمّ باحثين من جامعتي ستانفورد و ماكجيل ومن مركز أبحاث فيسبوك للذكاء الاصطناعي إلى أداة سهلة الاستخدام تقيسُ بسرعة مقدار الكهرباء التي سيستخدمُها مشروع التعلم الآلي ومقدار انبعاثات الكربون منها.

يقول بيتر هندرسون Peter Henderson الباحث الرئيسي في المشروع والطالب في درجة الدكتوراة في علوم الحاسوب من جامعة ستانفورد: “عندما يتوسع انتشار أنظمة التعلم الآلي ويزداد استخدامها في الموارد، فإنها ستساهم بشكل كبير في تقليص انبعاثات الكربون، فلا يمكننا حل المشكلة دون تحديد أسبابها إذ يساعدُ نظامُنا الباحثين والمهندسين الصناعيين على فهم مدى كفاءة عمل الكربون، وربما نفسحُ المجال للتباحث بشأن كيفية التقليل من آثار البصمة الكربونية”.

تتبع الانبعاثات

على ضوء ذلك، تعاون هندرسون بهدف ” تتبع أثر التجربة” مع مجموعة باحثين تضمنت فريقًا من جامعة ستانفورد: دان جورافسكي Dan Jurafsky رئيس قسم اللغويات وأستاذ علوم الحاسوب في ستانفورد، والأستاذة المساعدة في قسم علوم الحاسوب إيما برونسكيل Emma Brunskill، ومن مركز أبحاث فيسبوك للذكاء الاصطناعي: مهندس البرمجيات جيرو هو Jieru Hu، و جويل بينو Joelle Pineau أستاذة علوم الحاسوب بجامعة ماكجيل والمديرة المساعدة بالمركز، و جوشوا روموف Joshua Romoff طالب دكتوراة في جامعة ماكجيل.

يقول جورافسكي: “ثمة مساعٍ كبيرة لرفع مستويات التعلم الآلي لحل المشكلات الأكثر تعقيدًا، وذلك باستخدام المزيد من البيانات وقدرات حاسوبية أعلى، وحينها يجب أن ندرك مدى فائدة تلك النماذج ذات القدرات الحاسوبية الثقيلة وما إذا كانت تستحق تكلفة التأثير على البيئة”.

تبني أنظمة التعلم الآلي مهاراتها بتشغيل ملايين التجارب الإحصائية على مدار الساعة، وتحسّن نماذجها بشكل مستمر لتنفيذ المهام. قد تستغرق الجلسات التدريبية أسابيع أو حتى أشهر، حيث تستهلك تلك الجلسات الطاقة بشكل متزايد، ونظرًا لانخفاض تكاليف طاقة الحاسوب ومجموعات البيانات الضخمة فقد ازداد انتشار التعلم الآلي على نطاق واسع ليشملَ قطاع الأعمال والحكومة والأوساط الأكاديمية وأيضًا الحياة الشخصية.

لفهم دور القياسات الدقيقة بالنسبة للانبعاثات الكربونية بدأ الباحثون مؤخرًا بقياس استهلاك الطاقة لنموذج معين من نماذج الذكاء الاصطناعي. إن ذلك أكثر تعقيدًا مما يبدو لأن الآلة الواحدة تُدرِّبُ عدة نماذج في آن واحد مما يتطلب فصل كل جلسة تدريبية عن الأخرى. تستهلك كل جلسة تدريبية أيضًا الوظائف العلوية المشتركة المتمثلة في تخزين البيانات والتبريد، والتي يجب تخصيصها بشكل صحيح.

تتمثل الخطوة التالية في تحويل استهلاك الطاقة إلى انبعاثات كربونية، والتي تعتمد في إنتاج الكهرباء على مزيج من الوقود المتجدد والوقود الأحفوري. يختلف هذا المزيج اختلافا كبيرا حسب الموقع وحسب الوقت من اليوم. فمثلاً في المناطق التي تكثر فيها مصادر الطاقة الشمسية: تنخفض كثافة الكربون للكهرباء كلما ارتفعت الشمس.

للحصول على هذه المعلومات، أجرى الباحثون مسحًا عن مصادر عامة للبيانات حول مزيج الطاقة في مناطق مختلفة من الولايات المتحدة والعالم. ففي ولاية كاليفورنيا، تم توصيل جهاز تعقب تجريبي إلى البيانات الفورية بمشغل الشبكة المستقلة الذي يدير تدفق الكهرباء في معظم شبكات ولاية كاليفورنيا. فمثلاً، في تمام الساعة 12:45 مساءًا في يوم من أواخر شهر آيار/ مايو الماضي وفّرت مصادر الطاقة المتجددة ما يقرب 47 في المائة من احتياج الولاية للطاقة.

يمكن أن يُحدِث موقع الجلسة التدريبية للذكاء الاصطناعي فارقًا كبيرًا في الانبعاثات الكربونية. حيث استطاعَ الباحثون إنتاج إجراء التدريب في دولة تعتمد بشكل كبير على النفط الصخري مثل إستونيا، حيث توقعوا إنتاج كميات كربون أكثر بــ30 مرة لذات الجلسة في مقاطعة كيبيك بكندا والتي تعتمد في المقام الأول على الطاقة الكهرومائية.

الذكاء الاصطناعي الصديق للبيئة

يوصي الباحثون بأولوية تقليل أثر البصمة الكربونية، وذلك عبر نقل الجلسات التدريبية إلى موقع يعتمد بصورة أساسية على المصادر المتجددة، وبهذا تصبح المسألة بسيطة، حيث يمكن تخزين مجموعات البيانات على خادم كلاود والوصول إليها من أي مكان.

إضافةً إلى ذلك، اكتشفَ الباحثون أن بعض خوارزميات التعلم الآلي تستهلك طاقة أكبر من غيرها. ففي جامعة ستانفورد طُلب من دفعة اشتملت على أكثر من مائتي طالب ضمن برنامج التعلم المعزز وضع خوارزميات مشتركة لواجب منزلي. على الرغم من عمل اثنتين من الخوارزميات بذات الكفاءة، إلا أن إحديهما قد استخدمت طاقة أعلى بكثير. قَدّرَ الباحثون أنه كان بإمكانهم تخفيض استهلاكهم الجماعي بنسبة 880 كيلو واط للساعة – ما يعادل الاستخدام الشهري لمنزل في أميركا.

تُسلطُ النتيجةُ الضوءَ على فرص الحد من انبعاثات الكربون حتى عندما لا يكون نقل العمل إلى موقع صديق للكربون مُجديًا. غالبًا هذا هو الحال عند توفر أنظمة التعلم الآلي ذات الخدمات الفورية كما في التنقل بالسيارة، لأن المسافات الطويلة تتسبب في تأخر الاتصال أو “وقت الاستجابة”.

أدرجَ الباحثون أداة بسيطة الاستخدام في أداة التتبع التي تنشئ موقعًا إلكترونيًا لمقارنة كفاءة الطاقة في النماذج المختلفة. على حد تعبيرهم فإن أبسط طرق الحفاظ على الطاقة تكمنُ في إنشاء البرنامج الأكثر كفاءة كإعداد افتراضي عند اختيار البرنامج المطلوب.

يضيف هندرسون: “من المحتمل مع مُضي الوقت أن تستهلك أنظمة التعلُم الآلي طاقة إنتاج أكثر مما تستهلكه أثناء التدريب فكلما فهمنا خياراتنا بشكل أفضل، كلما تمكنا من تقليل التأثيرات المحتملة على البيئة”.

nasainarabic.net