قبل 44 دقيقة
ربما نقترب من حل واحد من أكبر الألغاز في الكون، لغز المادة المظلمة، مع عودة مصادم الهادرونات الكبير إلى الحياة في الخامس من يوليو/تموز.
هذه المادة المحيرة تشكل أكثر من ثلاثة أرباع الكون، ولكن العلماء ليس لديهم أدنى فكرة عن ماهيتها.
وقد تم تحديث مصادم الهادرونات الكبير، وهو أقوى مُسرّع للجزيئات في العالم موجود في سويسرا، وبالتحديد في مقر المركز الأوروبي للأبحاث النووية (المعروف اختصارا ب”سيرن”)، بغية مساعدة العلماء على فهم تلك المادة.
وإذا نجح علماء سيرن في كشف أسرار المادة المظلمة، لن تكون هذه هي المرة الأولى التي يؤدي فيها مصادم الهادرونات الكبير إلى اكتشاف مهم.
فالشهر الحالي يصادف مرور عشر سنوات على توصل العلماء إلى واحد من أكبر الاكتشافات في القرن الحادي والعشرين، ألا وهو “بوسون هيغز”، أو جزيء هيغز.
بدون ذلك الجزيء، ومجال هيغز الذي ينتجه، لا يمكن أن يتواجد أي شيء في هذا الكون بالشكل الذي نعرفه.
في الخامس من يوليو/تموز، يبدأ مصادم هادرون الكبير في العمل بأقصى طاقة له على الإطلاق، حيث يتأهب للبحث عن المادة المظلمة.
رحلة طويلة
عالمة الفيزياء الجزيئية البريطانية، الدكتورة كلارا نيليست، عضوة مهمة بالفريق الذي يأمل في اكتشاف أسرار المادة المظلمة – ولكن الرحلة التي خاضتها حتى أصبحت من كبار العلماء في هذا المجال لم تكن سهلة.
تقول نيليست: “لم يكن لدينا مدرس فيزياء في مدرستي”. وقد أدى ذلك إلى أن اضطرت إلى الذهاب إلى مكان آخر لتحقيق حلمها في أن تصبح عالمة في الفيزياء.
تضيف كلارا نيليست: “اضطررت إلى السفر مرتين في الأسبوع لكي أحضر دروس [الفيزياء] في مدرسة أخرى”.
بل وتعين عليها كذلك الخضوع لاختبار الفيزياء في مدرستها بمفردها قبل الالتحاق بالجامعة.
لحسن الحظ، ورغم هذه العقبات، تمكنت كلارا من الالتحاق بجامعة مانشستر. وبينما كانت تحضر لشهادة الدكتوراة، بدأت في المشاركة في الاختبارات التي كان يجريها العلماء في مصادم الهادرونات الكبير.
كانت كلارا في مقر سيرن عام 2012 عندما صدر الإعلان الشهير عن اكتشاف جزيء هيغز.
“نمت أمام القاعة لكي أتمكن من الحصول على مقعد في تلك الغرفة وأشهد اللحظة التاريخية التي تحدث عنها مديرنا العام، عندما قال إننا اكتشفنا هذا الجزيء الجديد.
“ذاكرة الاكتشاف تحفزني للعمل مع هذه الفرق لمحاولة التوصل إلى الاكتشاف الكبير التالي”.
الاكتشاف تصدر العناوين الرئيسية للأخبار في شتى بقاع العالم آنذاك.
جزيء هيغز له أهمية كبيرة جدا لأنه يرتبط بكيفية اكتساب جزيئات أولية أخرى للكتلة.
“عندما تتفاعل الجزيئات مع مجال هيغز، فإنها تكتسب كتلة، وجزيء هيغز هو ما تمكنا من اكتشافه في تجاربنا لإثبات وجود مجال هيغز”.
مجال هيغز هو مجال للطاقة يمنح الكتلة لجزيئات رئيسية أخرى كالإلكترونات والجزيئات الأولية المعروفة بال”كواركات”.
وأطلق على جزيء هيغز اسم الجزيء “الإلهي”، لأن عملية اكتساب الكتلة تشبه الانفجار العظيم الذي أدى إلى نشأة الكون.
أفضل وأقوى
تقول كلارا إن “الأعوام القليلة الماضية كانت مثيرة للغاية، لأننا عكفنا على تحديث وإصلاح مُسرّع الجزيئات وتحسين التجارب التي نجريها على مصادم الهادرونات الكبير”.
التحديث الذي تم جعل الجهاز أكثر قوة، لكي يتأتى للمزيد من الجزيئات أن تتصادم، والمزيد من التصادمات يعني المزيد من البيانات التي يمكن تحليلها.
يستخدم مصادم الهادرونات الكبير كمية هائلة من الطاقة، إذ إن سيرن يستهلك سنويا كمية من الكهرباء تعادل استهلاك بلدة صغيرة، أو حوالي 300 ألف منزل.
جزء من هذه الطاقة يستخدم لتسريع البروتونات لتصل إلى ما يقارب سرعة الضوء، وهي سرعة تكفي لانشطارها إلى جسيمات متناهية في الصغر عندما تتصادم ببعضها بعضا.
تقول كلارا إن “اثنين من بين التحديثات التي أجريناها على مصادم الهادرونات شملت زيادة طاقته، ولذا ستكون التصادمات التالية قياسية”.
“كما أننا قمنا بتحسين زاوية التقاطع التي تتصادم عندها البروتونات داخل المجسات، وهذا من شأنه زيادة احتمال تفاعل اثنين من تلك البروتونات، وهذا بدوره يزيد من كمية البيانات التي يمكننا جمعها”.
غموض المادة المظلمة
يأمل العلماء في سيرن أن تساعدهم كل هذه البيانات على اكتشاف أسرار المادة المظلمة.
تقول كلارا: “المادة المظلمة تشكل ما بين 80 إلى 85 في المئة من الكون الذي نعيش فيه، وسبب تسميتها هو أنها لا تتفاعل مع الضوء، ومن ثم لا يمكننا رؤيتها”.
“الشيء المثير للاهتمام حقا هو أننا لا نعرف ما هي بالضبط”.
حتى الآن، ليس لدى العلماء سوى دليل غير مباشر على وجود المادة المظلمة. فالرصد المباشر والقاطع لجزيئات المادة المظلمة لا يزال أمرا صعب المنال.
هناك عدة نظريات وافتراضات تتناول الشكل والتركيب المفترض لهذه المادة. من بين النظريات التي يميل إليها العلماء في مختلف أنحاء العالم هي نظرية “الجزيئات الضخمة ضعيفة التفاعل”.
“إنها لغز كبير، ولذلك نحاول أن نرى ما إذا كنا نستطيع إعادة تكوينها في تجاربنا”.
بالنسبة للعلماء، تعتبر المادة المظلمة واحدة من أكثر الألغاز المحبطة المتعلقة بالكون – كوننا لا زلنا نجهل ماهية المكون الرئيسي له.
تقول كلارا: “هدفي الشخصي هو أنني أود أن نتمكن من اكتشاف ماهية المادة المظلمة خلال حياتي المهنية، وسنرى ما يخبئه لنا الكون من أسرار”.