رائدة فضاء ناسا كريستينا كوش Christina Koch والتي تحمل الرقم القياسي في الوكالة لأطول رحلة فضائية لامرأة. (حقوق الصورة: NASA).
سيُعطي الحل المُقترَح الحد الأقصى للإشعاع نفسه لجميع رواد الفضاء، بغض النظر عن العمر أو الجنس.
يواجه رواد الفضاء طيفاً ثابتاً من الإشعاع، حيث تتعرض أجسامهم باستمرار للجسيمات المتدفقة من الشمس وللأشعة الكونية عالية الطاقة.
يمكن أن يسبب الإشعاع كل أنواع المشاكل الصحيّة عند التعرض له دون إجراء فحص، وعلى رأسها زيادة خطر الإصابة بالسرطان. ولهذا السبب تضع ناسا حداً أقصى للتعرض للإشعاع عند تخطيطها للمُهِمَــات الفضائية لتحديد كم يمكن للرواد البقاء في الفضاء، لكن هذا الحد الأقصى ليس متساوياً لجميع رواد الفضاء. الآن، يدعمُ خبراءُ مستقلونَ جهودَ ناسا لتغييره.
تحددُ ناسا حالياً هذا الحد بتقدير المخاطر. إن الحد هو المقدار الإجمالي للتعرض للإشعاع الذي سيعطي رائد الفضاء فرصةً أعلى بنسبة 3% للموت بسبب السرطان في بقية حياته وذلك بالاعتماد على البيانات المتوفرة.
بالرغم من ذلك، فإن قابلية التعرض للسرطانات التي يمكن أن يسببها الإشعاع تختلف باختلاف العمر والأعضاء التناسلية، مما يعني أن هذا الحد لا يسمحُ بأوقات متساوية في الفضاء للجميع. لا تستطيعُ النساءُ في ناسا قضاءَ الوقت نفسه الذي يقضيه الرجال في المدار، كما أن رواد الفضاء الأصغر عمراً لا يستطيعون البقاء في الفضاء بنفس مدة زملائهم الأكبر سناً الذين لم يتبقَ لهم من العمر ما يكفي لإصابتهم بالسرطان (في الواقع الجنس ليس ثنائياً لكن هذه هي البيانات المتوفرة).
لقد سبق لناسا أن فكرت في تغيير هذا النظام ليُحِدَ من تعرضِ جميع رواد الفضاء للإشعاع بناءً على حد الخطر المُطبَق على أكثر الفئاتِ عرضةً للخطر: وهي امرأة عمرها 35 عاماً. حالياً، كشفت لجنة من الأكاديميات الوطنية للعلوم والهندسة والطب عن تقرير يدعم اقتراح ناسا.
يمثل هذا 600 ميليزيفرت خلال مسيرة كاملة مع الوكالة. للمقارنة، تعطيك صورة واحدة بالأشعة السينية للصدر عند الطبيب حوالي 0,1 ميليزيفرت، كما أنك تتلقى حوالي 3 ميليزيفرت سنوياً من إشعاع الأرض الطبيعي. تلقى العمال المتواجدون في المنطقة المجاورة لانفجار تشيرنوبل عام 1986 بالضبط 6,000 ميليزيفرت.
يتعرض رائد الفضاء عند بقاءه ستة أشهر على متن محطة الفضاء الدولية إلى ما بين 50 و120 ميليزيفرت، كما تحمل وجهات أكثر بعداً كالمريخ تعرضاً أكبر للإشعاع وفقاً لتقرير جديد.
في الواقع، سيُعَرِض الحدُ الجديد المقترح النساءَ وروادَ الفضاءِ الأصغر سناً إلى مستويات إشعاع أخطر نسبياً وسيقلل الوقت الذي يمكن أن يقضيه الرجال ورواد الفضاء الأكبر سناً في المدار، وفقاً للتقرير.
جرى آخر تحديث لمعايير ناسا للإشعاع في عام 2014. تقول الطبيبة كارول سكوت كونر Carol Scott Conner أستاذة الجراحة في جامعة آيوا والتي كانت مشاركة في لجنة الأكاديمية الوطنية للعلوم: “لقد تغيّرَ الكثيرُ منذ ذلك الحين فيما يتعلقُ بفهمِنا لتأثير الإشعاع على الخلايا الحية”.
تعتمدُ العديدُ من معايير التعرض للإشعاع على دراساتِ تاريخية للناجين من القنابل الذرية التي أُلقِيَت على هيروشيما وناغازاكي في عام 1945. حالياً، تُدَعّمُ هذه الدراسات ببيانات أحدث من العمال في الصناعات عالية الإشعاع كالطب النووي والطاقة النووية.
إن التغيير المقترح غير مدعوم عالمياً. يقول فرانسيس كوسينوتا Francis Cucinota، وهو عالم أحياء مختص بالإشعاع في جامعة نيفادا، لاس فيغاس، والذي عمل مع ناسا سابقاً: “أعتقد أن هذا التغيير إشكالي”. حيث يقول أن هذا التغيير أشبه بالمقامرة بحياة رائدات الفضاء الإناث، حيث يتعرضْنَ لخطر التعرض للإشعاع بشكل أكبر.
إلا أن سكوت كونر تخالفه بالرأي، حيث قالت: “نحن نتفق مع استنتاج ناسا وهو أن أفضل شيء يجب القيام به هو وضع الحد الأقصى وفقاً للحد المُعطَى للفِئَة الأكثر عرضة للخطر، وهي امرأة عمرها 35 عاماً”. كما قالت أيضاً أن حدود التعرض للإشعاع المُطبَقَة في وكالة ناسا أقل بكثير من الحدود المُطبَقَة في وكالات الفضاء الأخرى.
بالرغم من ذلك، يعتقد كوسينوتا أن التركيزَ على مخاطر السرطان فقط يُهمِلُ مشاكلاً أخرى متعلقة بالإشعاع كأمراض القلب والمشاكل الإدراكية. كما يعتقد أنه يتوجب على ناسا دراسة مزيد من البيانات قبل القيام بتغييرات شاملة. حيث يقول: “لا أفهم لماذا يقومون بهذا الآن، هناك الكثير من الوقت خلال هذا العقد للقيام بالأبحاث من أجل مهمات قمرية أطول أو مهمّة إلى كوكب المريخ”.
تأتي التغييرات المقترحة في الوقت الذي تُحَضِّر فيه ناسا لإرسال رواد فضاء خارج مدار الأرض. من غير المحتمل أن يتعرض طاقم أول رحلة في برنامج أرتميس Artemis ذهاباً وإياباً إلى القمر إلى الكثير من الإشعاع. لكنَّ الرحلات الفضائية الأطول -كمهمة إلى المريخ تمتد لأشهر على سبيل المثال- ستتجاوز معايير ناسا للإشعاع بسهولة أيّاً كان الحد الأقصى.
مع عدم وجود وسائل حماية أكثر فعاليةً، سيضطر رواد الفضاء المسافرون إلى المريخ أن يمروا بمرحلة من التنازلات، حيث يركز التقرير على وجوب وضع ناسا لإطار عمل واضح للقيام بهذا.
في الوقت الراهن، قالت سكوت كونر إن لدى العلماء الكثير ليتعلموه عن كيفية تأثُّر البشر بالإشعاع الموجود في الفضاء، حيث قالت: “هناك الكثير من الاختلاف بين النجاة من قنبلة ذرية والقيام برحلة إلى المريخ”.