صورة توضح المنطقة الإستوائية الجنوبية لكوكب المشترى، التقطت الصورة بكاميرا المسبار جونو الموجودة بتاريخ 1 سبتمبر/أيلول 2017).
تم توجيه الصورة بحيث يكون مسار أقطاب المشترى (غير مرئية هنا) من يسار إلى يمين إطار الصورة.
NASA/JPL-Caltech/SwRI/MSSS/Kevin M. Gill
قدمت بعثة چونو أول نتائج علمية حول كمية الماء في جو المشترى. تم نشرها مؤخراً في مجلة “Nature Astronomy.” توصلت النتائج أن عند خط الإستواء يُشكل الماء حوالي 0.25% من جزيئات غلاف المشترى الجوي، وهذا ما يُقرب ثلاث أضعاف مثيله في الشمس. وتُعد هذه أيضاً النتائج الأولى لوفرة المياه على كوكب عملاق غازي كالمشترى، منذ إعلان بعثة غاليلو التابعة لوكالة ناسا عام 1995 أن المشترى قد يكون جافاً تماماً مقارنةً بالشمس. ( لا ترتكز هذه المقارنة على الماء السائل، بل إلى وجود مكوناته الموجودة في الشمس كالأكسچين والهيدروچين.
كان التقدير الدقيق لمجموع كمية الماء في غلاف المشترى الجوي ضمن قائمة أمنيات علماء الكواكب منذ عقود، ويُمثل الرقم السابق (0.25%) في العملاق الغازي قطعة هامة مفقودة في لغز تكوين نظامنا الشمسي. فمن المحتمل أن يكون المشترى أول كوكب يتشكل، ويحوى معظم الغاز والغبار الذي لم يتم دمجه في الشمس.
ترتكز النظريات الأساسية حول تكوينه على كمية الماء التي تغمر الكوكب. لوفرة الماء أيضاً آثار هامة على البنية الداخلية والرصد الجوي (ككيفية تدفق تيارات الرياح على المشترى). على الرغم من الكشف عن البرق (ظاهرة عادةً ما تُزودها الرطوبة) على المشترى بواسطة المسبار ڤوياجر وغيره من المركبات قد ضمن وجود الماء، ظل التقدير الدقيق لكمية المياه العميقة في غلاف المشترى الجوي أمرًا بعيد المنال.
قبل توقف المركبة غاليلو عن الإرسال بعد 57 دقيقة من هبوطها على متن الكوكب في ديسمبر/كانون الأول عام 1995، كانت قد بعثت قياسات المطياف الموضحة لكمية الماء وصولاً إلى عمق حوالي 75 ميلاً (120 كيلومتراً)، حيث قد وصل الضغط الجوي لحوالي 320 رطلاً لكل بوصة مربعة (22 بار). وقد أستاء العلماء العاملون على هذه البيانات لإكتشاف ماء أقل بعشرة أضعاف من المتوقع.
والأكثر دهشةً: أن كمية الماء المُقاسة بواسطة المركبة غاليلو أظهرت زيادةً عند أقصى عمق يتم رصده. وتُشير النظريات -القادمة أدنى هذا المقال- أنه ينبغي أن يكون الغلاف الجوي متجانساً جيداً. ففي الغلاف الجوي المتجانس، محتوى الماء يظل ثابتاً حول المنطقة ومن المرجح أنه يُمثل المتوسط العالمي. وبعبارة أخرى: من المُرجح أن يمثل الماء على مستوى الكوكب. بإقتران هذه القياسات مع خريطة الأشعة تحت الحمراء التي تم الحصول عليها في نفس الوقت عن طريق تلسكوب أرضي، أظهرت النتائج أنه من الممكن أن تكون مهمة المركبة غير موفقة، فقد رصدت وأخذت عينات من بقعة جافة ودافئة بشكل غير عادي على كوكب المشتري.
وقال سكوت بولتون Scott Bolton الباحث الرئيسي في مهمة چونو في مؤسسة البحث الجنوبية الغربية في سان أنطونيو، تكساس: “فقط عند اعتقادنا أن لدينا أشياء تم الكشف عنها، يُذكرنا المشترى بالكم الذي ما زلنا يجب أن نتعلمه.” وأضاف: “كانت المفاجأة في اكتشاف چونو هو أن الغلاف الجوي لم يكون متجانسًا جيداً، حتى أسفل قمم السحاب، وهذا يعتبر لغزًا لا نزال نحاول اكتشافه. فلا أحد كان سيظن أن من الممكن أن يكون محتوى الماء غير ثابت على طول الكوكب.”
قياس الماء من الأعلى
المركبة چونو والتي أطلقت عام 2011، تدور وتعمل بالطاقة الشمسية. بسبب تجربة غاليلو، فبعثة چونو تسعى للحصول على قراءات وفرة الماء حول مناطق واسعة من هذا الكوكب العملاق. يُعد مقياس الموجات الدقيقة الإشعاعي “Juno’s Microwave Radiometer (MWR)” نوعا جديدا من الأجهزة للاستكشاف في الفضاء العميق، حيث يرصد كوكب المشترى من أعلاه باستخدام ستة مستشعرات تقيس درجة حرارة غلافه الجوي على أعماق مختلفة في الوقت ذاته. يستغل الجهاز حقيقة أن الماء يتمص أطوال موجية معينة من إشعاع الموجات المصغرة، وهي نفس حيلة أفران الموجات الصغربة “الميكروويڤ” المستخدمة في تسخين الطعام بسرعة.
تُستخدم درجات الحرارة المُقاسة على تقييد كمية الماء والأمونيا في عمق الغلاف الجوي، لأن كلاهما يمتص إشعاع الموجات المصغرة.
استخدم فريق البحث العلمي البيانات التي جمعتها المركبة خلال أول ثمان مرات أقتربت فيها من نقطة قريبة من المشترى، للحصول على النتائج.
قد ركز الفريق في البداية على المنطقة الإستوائية لإن الجو يُظهر تجانساً أكثر من مناطق أخرى حتى وإن كانت على عمق أكثر. وبسبب استقرارها المداري، أصبح بامكان مقياس الإشعاع جمع بيانات من عمق أكبر بكثير من المسبار غاليليو لغلاف المشترى الجوي. فكان العمق يعادل 93 ميلاً (150 كيلومتراً)، حيث يصل الضغط إلى حوالي 480 رطلا (33 بار).
وقال تشنغ لي Cheng Li، أحد علماء بعثة چونو في جامعة كاليفورنيا ببركلي: “وجدنا أن الماء على طول خط الإستواء، أكثر من قياس المسبار غاليلو، وهذا بسبب أن المنطقة الإستوائية تُعد فريدة من نوعها على المشتري. نحن نحتاج أن نقارن هذه النتائج مع كمية الماء الموجودة في المناطق الأخرى.”
الاتجاه شمالاً…
يتحرك مدار چونو الذي يستغرف 53 يوماً نحو الشمال، وكما نأمل، أن يركز اهتماما أكبر على النصف الشمالي من كوكب المشترى مع كل مرة يقترب فيها منه.
ويتطلع الفريق لمعرفة كيف يتباين محتوى الماء في الغلاف الجوي بحسب دوائر العرض والمنطقة، وكذلك إلى مدى وفرة الماء عالمياً على المشتري، والتي قد تُشير إليه أقطاب المشترى الغنية بالأعاصير.”
حدث آخر إقتراب من المشترى للمرة ال24 يوم 17 فبراير/شباط. ومن المقرر أن يتحقق الأمر ثانيةً في 10 إبريل/نيسان 2020.
قال بولتون: “هناك اكتشاف حديث مع كل تحليق. دائماً كا يوجد شيء جديد مع المشتري! فقد أعطانا چونو درساً هاماً: لكي نختبر نظرياتنا على كوكب، سنكون في حاجة من الإقتراب منه واستفراده.”
يُدير مختبر الدفع النفاث التابع لناسا في باسادينا، بكاليفورنيا، مهمة چونو التابعة للباحث الرئيسي سكوت بولتون، من معهد ساوث ويست للأبحاث في سان أنطونيو.
بعثة چونو هي جزء من برنامج الحدود الحديث التابع لناسا “New Frantiers Program” والذي تم إنشاءه لإدارة البعثات العلمية، ويتم إدارته في مركز مارشال لرحلات الفضاء التابع لناسا في هنتسفيل، ألاباما.
وقد ساهمت وكالة الفضاء الإيطالية في جهاز المخطط الشفقي للأشعة تحت الحمراء الخاص بالمشترى“Jovian Infrared Auoral Mapper (JIRAM)” وفي نظام ترجمة نطاق تردد الراديو كي-باند “Ka-Band Translator.” وقامت شركة لوكهيد مارتن للملاحة والموجودة في دنڤر، كولورادو، ببناء وتشغيل المركبة.